رئيس جامعة حلوان يستقبل وزير المالية السابق على هامش مناقشة رسالة دكتوراه    المصرية للاتصالات تنتهي من أعمال إنزال الكابل البحري عالي السعة كورال بريدج بنجاح في طابا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأحد 17 أغسطس 2025    رفع حدود بطاقات الائتمان وتدبير العملة يعززان الثقة في سوق الصرف الأجنبي    نشرة التوك شو| لجان حصر وحدات الإيجار القديم تبدأ عملها.. واستراتيجية جديدة للحد من المخالفات المرورية    حقوق العمال لا تسقط حال إغلاق أو إفلاس المنشأة بالقانون الجديد    أول تعليق من فيريرا بعد تعادل الزمالك والمقاولون العرب    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة بين قائدي سيارتين أمام إحدى القرى السياحية بمطروح    الآلاف يشيعون «تقادم النقشبندي» شيخ المصالحات في الصعيد    ننشر معاينة حريق مخزن بولاق أبو العلا بعد سيطرة رجال الحماية المدنية    حاول إنقاذ ابنه فمات غرقًا.. 10 معلومات عن الراحل تيمور تيمور    رئيس الأوبرا: واجهنا انتقادات لتقليص أيام مهرجان القلعة.. مش بأيدينا وسامحونا عن أي تقصير    في الغرف المغلقة    «صحة مطروح» مستشفيات المحافظة قدمت 43191 خدمة طبية وأجرت 199 عملية جراحية خلال أسبوع    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الأحد 17-8-2025    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيًا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    أول يوم «ملاحق الثانوية»: تداول امتحانات «العربي» و«الدين» على «جروبات الغش الإلكتروني»    حبس 4 متهمين بمطاردة مهندس وأسرته بطريق «بلبيس أبو حماد» في الشرقية    في أقل من شهر.. الداخلية تضبط قضايا غسل أموال ب385 مليون جنيه من المخدرات والسلاح والتيك توك    أبرز تصريحات الرئيس السيسي حول الأداء المالي والاقتصادي لعام 2024/2025    الزمالك راحة من مران الأحد.. ويبدأ الاستعداد لمودرن الإثنين    «عقودكم كبيرة وهخصم بالمليون».. كريم شحاتة يكشف رسائل الخطيب للاعبي الأهلي    توقعات الأبراج حظك اليوم الأحد 17 أغسطس 2025.. مفاجآت الحب والمال والعمل لكل برج    «شرف إني أتحبس.. وهقول للنائب العام».. مصطفى يونس يتحدث عن محاكمته بسبب الأهلي    عيار 21 يفاجئ الجميع.. أسعار الذهب تنخفض 320 جنيهًا اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    شهداء ومصابون في غارة للاحتلال وسط قطاع غزة    تعرف على أبرز نتائج اليوم الأول لبطولة الخماسي الحديث الأولى للناشئين    تولوز يخطف فوزًا قاتلًا بهدف أمام نيس في الدوري الفرنسي    تصاعد الغضب في إسرائيل.. مظاهرات وإضراب عام للمطالبة بإنهاء الحرب    مي عمر على البحر ونسرين طافش بفستان قصير.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    عمرو حسن: وسائل منع الحمل متوفرة فى الوحدات الصحية مجانا وآمنة وفعالة    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    كيف تتعاملين مع الصحة النفسية للطفل ومواجهة مشكلاتها ؟    جماهير نيوكاسل يونايتد تهاجم إيزاك خلال مباراة أستون فيلا    أوسكار يحسم موقفه من طلب الأهلي باستبعاد محمد معروف.. الغندور يكشف    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر فلكيًا للموظفين والبنوك (تفاصيل)    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الاحتلال يقيم خيام إيواء لسكان مدينة غزة لنقلهم للجنوب.. مظاهرات فى تل أبيب تطالب بإبرام صفقة تبادل مع حماس.. وميلانيا ترامب ترسل رسالة شخصية إلى بوتين    سفير باكستان ل «المصري اليوم»: ندعم مصر في وقف الحرب على الفلسطينيين    بريطانيا تحاكم عشرات الأشخاص لدعمهم حركة «فلسطين أكشن»    «زي النهارده».. وفاة العالم والمفكر أحمد مستجير 17 أغسطس 2006    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    مصر والجزائر تؤكدان رفضهما قرار إسرائيل توسيع نطاق العدوان    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 17 أغسطس 2025 فى مصر    iPhone 17 Pro Max قد يحصل على ترقية غير مسبوقة للكاميرا    القائد العام للقوات المسلحة: المقاتل المصري أثبت جدارته لصون مقدرات الوطن وحماية حدوده    وزير السياحة يؤكد: وجهت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الفيديو الترويجي للمتحف الكبير    ناجي الشهابي: معايير صارمة لاختيار مرشحي "الجيل" لانتخابات النواب    رئيس جامعة طنطا يتفقد الاستعدادات النهائية لاستقبال لجان بدء الدراسة بجامعة طنطا الأهلية    صحة شمال سيناء: مستمرون في تحسين جودة الخدمات بوحدات الرعاية الأولية    وزير الأوقاف: مسابقة "دولة التلاوة" لاكتشاف أصوات ذهبية تبهر العالم بتلاوة القرآن الكريم    العلاوة التشجيعية.. شروطها ونص القانون الصادر لها    الشيخ خالد الجندي: الإسلام دين شامل ينظم شؤون الدنيا والآخرة ولا يترك الإنسان للفوضى    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كاليغولا" ألبير كامو بحسب رؤية يوسف شاهين
نشر في نقطة ضوء يوم 26 - 07 - 2020

يعرف المطّلعون على حياة المخرج المصري الكبير الراحل يوسف شاهين أن المسرح كان دائماً عشقه الأول وحلم حياته، بل إنه حين اتجه أواخر أربعينيات القرن العشرين إلى باسادينا/ كليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الفنون وعاد منها مخرجاً سينمائياً، لم يدرس هناك السينما أو الإخراج السينمائي، بل درس المسرح. قد يكون هذا مفاجئاً لكثر لكنه الحقيقة التي أسرّ شاهين بها أمامنا غير مرة. ويعني هذا أن كبير السينمائيين العرب، والمبدع الذي كان من أكثر السينمائيين العرب ابتكاراً للغة السينمائية، كان هواه مسرحيّاً في المقام الأول. بل لنقل بشكل أكثر وضوحاً: كان هواه شكسبيريا. كان حلمه أن يخرج للخشبة مسرحية "هاملت" بالتحديد فللسينما إن لم يُقيّض له ذلك. ونذكر نحن الذين كنا نعرفه عن قرب أنه في كل مرة ينجز فيها فيلماً من أفلامه ونسأله عن مشروعه التالي كان يجيب بشكل غامض وتساؤليّ: ألا ترون أن الوقت قد حان للوصول إلى هاملت؟ فنسأله: للمسرح أو للسينما؟ فيبتسم ولا يجيب.
لقد رحل شاهين وعينه على اثنين: المسرح وهاملت. وهو لئن كان مرّر شيئاً من هاملت في فيلم له من هنا أو آخر من هناك، فإن المسرح ظلّ عصياً عليه، على الأقل حتى العام 1992 ولكن ليس في أي بلد عربي ولا حتى باللغة العربية، من دون أن يكون لشكسبير أو لهاملت يد في الأمر. والحكاية حكاية فرنسية خالصة على أية حال. ففي تلك الآونة وكان شاهين يجد بعض الصعوبة في إنجاز فيلمه "المهاجر" (1994)، جاء من يقترح عليه في العاصمة الفرنسية أن يُخرج لأحد المسارح الباريسية الكبرى ولحساب "الكوميدي فرانسيز"، مسرحية "كاليغولا" للكاتب ألبير كامو. قبل شاهين العرض على الفور، غير آبه بالصراخ الذي عمّ في الأوساط الثقافية الفرنسية متسائلاً عن جدوى قيام مخرج سينمائي "من العالم الثالث" بالدنوّ من قدس أقداس الفنّ الفرنسي: المسرح؟ بيد أن الصراخ سرعان ما خبا حين ردّ القائمون الفرنسيون على العمل وغالباً بلسان الوزير الاشتراكي جاك لانغ الذي كان من كبار أصدقاء شاهين والثقافة العربية وجرى في عهده كوزير للثقافة دعم عدد كبير من السينمائيين العرب (وهو الآن يتولى رئاسة معهد العالم العربي في باريس): شاهين سيخرج كاليغولا للمسرح الفرنسي تحديداً لأن هناك حرب الخليج ولأن هناك دكتاتوريين كثراً في هذا العالم ولأن شاهين لديه هنا أشياء كثيرة يمكنه قولها.
مسرح عبثي أم فكر وجوديّ؟
ومن المعروف أن مسرحية "كاليغولا" التي كتبها ألبير كامو بدءاً من العام 1938 لينجز نسختها الأولى عام 1938 وتنشر للمرة الأولى بعد ذلك بخمس سنوات معتبرة إلى جانب نصوص أخرى لكامو نفسه، "سوء تفاهم" و"أسطورة سيزيف" و"الغريب"، تعود معاً إلى الحقبة نفسها تقريباً، "حلقة العبث" في كتابات كامو حتى وإن كان ثمة نقاد يعتبرونها كتابات وجودية ما يرفضه كامو على أية حال. وتتألف المسرحية من أربعة فصول اتّبع فيها الكاتب شذرات من سيرة الإمبراطور الروماني الطاغية كايوس تشيزاري الملقب بكاليغولا، كما كتبها المؤرخ سويتون في كتابه "حياة 12 قيصراً".
ولئن كان كامو قد أبدى أمانة في رسم مشاهد معينة ونقاط مفصلية من سيرة كاليغولا، فإنه أعطى نفسه حرية حركة فكرية كبيرة في مجال التفسير بحيث لا تعود المسرحية سرداً موضوعياً لحياة حاكم، بل تحليلاً "وجودياً" عميقاً لمفهوم السلطة نفسه وارتباط حياة الحاكم بذلك المفهوم. أما بالنسبة إلى كاليغولا بالتحديد، فإنه لم يكن بالنسبة إلى كامو، ذلك الشرير المطلق الذي يمكن تصوّره، بل هو كائن يطرح تساؤلاته على نفسه كما على وجوده. إنه بالدرجة الأولى يعيش في مسعى منه للبحث عما يراه مستحيلاً. وهو إذ يثق بأنه كائن خالد لا يمكن للموت أن ينال منه، يفعل كل ما يفعل، بما في ذلك علاقته الحرام مع أخته التي يفقدها في أول المسرحية واستناده إلى عشيقته القديمة جيسونيا التي تساعده في كل الجرائم التي يقترفها بدءاً من قتله الإمبراطور سلفه وتصديه لكل المؤامرات التي تحاك ضده من أقرب الناس إليه، ومن الواضح أنه إنما يفعل كل هذا تأكيداً لقدرته على الخلود. إلى درجة أنه حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في نهاية المطاف، يضحك ساخرا من الموت صارخاً به صرخة المنتصر: أترى كيف أنني نلت منك؟
عن "الكاليغولات" العرب
والحقيقة أن تلك هي الصورة التي تبناها يوسف شاهين بحذافيرها حين نقل تلك الشخصية إلى الخشبة الباريسية متسائلاً عما إذا كان مشاهدو المسرحية سيدركون أنه في نهاية الأمر لا يتحدث عن أي إمبراطور روماني، سواء كان كاليغولا أو غيره، بل عن "ذلك العدد المتزايد من الكاليغولات العرب" الذين "يحكموننا وكل منهم معتقد أنه باق هنا للنهاية" بحسب تعبيره. والحقيقة أن النقد الفرنسي أدرك هذا حين شاهد المسرحية في عرضها الباريسي وعلّق عليها بشكل إيجابي واضعاً حداً لكل تلك التساؤلات التي استنكرت في البداية تسليم نصّ كامو إلى "مخرج من العالم الثالث".
وهكذا إذاً، خاض شاهين تجربته المسرحية الوحيدة في تاريخه الفني الطويل بنجاح فني ولكن سياسي لافت في تلك الأزمنة الانعطافية، وكان يحلو له حين يجري الحديث عن هذا العمل أن يذكّر كم أن ألبير كامو، كان مهتماً شخصياً بالمسرحية وتفسيرها تفسيراً معاصراً هو الذي كتب ذات يوم ملحقاً لها يقول فيه: "أبداً إن كاليغولا لم يمت. إنه موجود هنا وهنا وهناك. موجود داخل كل واحد فينا، نحن الذين إن أعطيت لنا السلطة، إن جرؤنا على ذلك، إن همنا بالحياة، سنراه وقد انفلت من عقاله في داخلنا، ذلك الشيطان أو ذلك الملاك الجاثي في دواخلنا. لقد أفنى زمننا نفسه لفرط ما آمن بأن الأمور يمكنها أن تكون حلوة وتكفّ عن أن تكون عبثية. وداعاً سوف أعود إلى داخل التاريخ الذي حبسني فيه أولئك الذين لطالما أبقوني في داخله كل أولئك الذين يخشون أن يحبّوا أكثر مما ينبغي".
تفسير لاحق
هكذا تعامل يوسف شاهين مع مسرحية كامو، ليس انطلاقاً من النص المسرحي في حدّ ذاته في صيغتيه اللتين أنجزهما كامو خلال حياته، ولكن انطلاقاً من هذا النصّ الملحق الذي سيقول لاحقاً أن ميشال بيكولي قد أعطاه إياه كنوع من التفسير "فكان أن اعتمدته في تفسيري لعمل تعودت أن أحبه وأتبناه" ولكن فقط بعد حين من تقديم المسرحية على تلك الخشبة الباريسية التي شهدت ذات شتاء عودة المخرج السينمائي العربي الغاضب دائماً إلى هواه المسرحي الأول، عودة لم يكن لها غد. ومهما كان من أمر شاهين كان لا بأس بالنسبة إليه مبدئيّاً على الأقل، أن يكون كاليغولا بديلاً من هاملت وألبير كامو بديلاً من شكسبير وإن نغّص عليه عيشه أن المسرحية إنما قُدّمت فقط للجمهور الفرنسي لا للجمهور العربي.
أمامنا وعد شاهين نفسه حينها بأن يقدّم العمل في القاهرة وبيروت "حين تسنح الظروف". لكنها لم تسنح وبقي ذلك التقديم إسهامه الوحيد في المسرح. لكنه بقي كذلك إسهامه الضائع. فالحال أن العرض الذي قُدّم ضمن إطار برنامج مسرحي عنوانه "الكاباريه الشرقي" بمبادرة من "الكوميدي فرانسيز" بدءاً من يوم 15 فبراير (شباط) 1992، لم يعد يوجد له أي أثر اليوم. فسيّد السينما لم يقم بتصوير مسرحيته الوحيدة في شريط سينمائي، ولا يعرف أحد اليوم ما إذا كان الفرنسيون أنفسهم قد صوّروا شيئاً. فهل كان هذا التقاعس من شاهين نوعاً من الاحتجاج على عجزه عن تصوير هاملت؟ ربما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.