يكمن سر سحر لوحة الموناليزا التي رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي في ابتسامة تلك السيدة، والتي مثّلت لغزاً يسعى الباحثون على مر العصور لمحاولة فك طلاسمه واكتشافه، في ضوء ما يحيط بتلك اللوحة من أساطير وغموض وإبداع فني، ما يجعلها من أكثر الأعمال الفنية إبداعاً وغموضاً على مر تاريخ الفن التشكيلي. "موناليزا".. تعني بالعربية "السيدة ليزا"، وهي لوحة لامراة إيطالية تُدعى "مادونا ليزا دي أنتونيو ماريا" الزوجة الثالثة لأحد نبلاء فلورنسا – إيطاليا، يُدعى (فرانسيسكو ديل جيوكوندا)، وكان من أكبر تجار الحرير، وصديق دا فينشي، والذي طلب منه رسم اللوحة لزوجته، كنوع من الإجلال وتعبيراً عن حبه لها، وبدأ ليوناردو رسم اللوحة في عام 1503م، واستغرقت حوالي 7 سنوات، وتمّ الانتهاء منها عام 1510. وقدّم دا فينشي في الموناليزا تقنية رسم مبتكرة وهي الإسقاط المتوسط الذي يجمع بين الجانب والأمام في لوحات الأفراد، ما يعطي التجسيم للمنظور، في ظل حجم اللوحة الصغير نسبياً مقارنة مع مثيلاتها. بات سر الموناليزا يُطارد علماء التاريخ والفن والفلاسفة، فكل ينظر للوحة من منظور مختلف، فالبعض ينظر لها من حيث التصميم، والبعض الآخر ينظر لها من حيث الدقة وزاوية الجلوس، وآخرون يرون أن السر في سحرها يكمن في ابتسامة الموناليزا. وقد حاول باحثون في جامعتي شيفيلد هالام البريطانية، فك خيوط الخدعة البصرية المتعلق بابتسامة الموناليزا، معتمدين في ذلك على أنها لم تكن اللوحة الوحيدة التي رسمها فنان عصر النهضة في هذا الإطار، حيث كان ل"دا فينشي" عمل فني آخر يحمل عنوان "لا بيلا برنسبيسا"، أو "الأميرة الجميلة". واكتشفت الدراسة أن لوحة "الأميرة الجميلة"، التي رسمها ليوناردوا قبل لوحة "الموناليزا"، في أواخر القرن الخامس عشر، تُوظف حيلة ذكية لاجتذاب المشاهدين، عن طريق الخبرة في مزج الألوان للتأثير على الرؤية المحيطة لهم، ليبدو شكل الفم متغيّراً، وفقاً للنقطة التي يركز عليها الناظر في اللوحة. وأوضح الباحثون أن الابتسامة تختفي عندما يتم النظر إلى الفم مباشرةً، ولكن مع تحرّك عين المشاهد باتجاه أماكن أخرى في اللوحة، يلاحظ أن الفم يأخذ منحى آخر. وتبرز ابتسامة الوجه في اللوحة التي لا يمكن التقاطها بشكل غير مباشر تماماً كلوحة "الموناليزا"، وتسمى تلك التقنية المزج التدريجي للألوان، ويمكن ملاحظة ذلك في كل من لوحتي "الموناليزا" و"الأميرة الجميلة". ويدلل الباحثون على ذلك، بأن أحدا لم يضاهِ خبرة ليوناردو دا فينشي في حرفية هذا الأسلوب، وهنا أشار د. مايكل بيكارد، أستاذ الرسم بجامعة سندرلاند، إلى أن أولى محاولات دافينشي لتوظيف تلك التقنية قد تكون حدثت في وقت سابق أثناء رسمه للوحة "عذراء الصخور" عام 1483. واختلف النقاد والمحللون في تفسير ابتسامة الموناليزا، وتراوحت الآراء بسر البسمة بدرجات مختلفة ابتداء من ابتسامة تمثّل سر الإبداع الفني، وانتهاء بعقدة جنسية مكبوتة لديه، حيث اتجهت بعض الآراء الرافضة للموناليزا إلى أن ليورنادو دا فينشي قام برسم نفسه على هيئة الموناليزا، وآخر زعم بأن دافينشي كان شاذاً جنسياً، وأنه كان من المثليين ولهذا قام بإدخال ملامح وجهه على وجه الموناليزا. وتوضح د. أمل نصر، أستاذ الرسم والتصوير بجامعة الإسكندرية، أن ما يميّز لوحة الموناليزا هي تقديمها لتقنيات رسم مبتكرة، فقبل الموناليزا كانت لوحات الشخصيات للجسم بشكل كامل وترسم مقدمة الصدر مع إسقاط جانبي لا يعطي عمقاً واضحاً للصورة، لافتة إلى أن دا فينشي أول مَنْ قدم الإسقاط المتوسط الذي يجمع بين الجانب والأمام في لوحات الأفراد، وبذلك قدّم مبدأ جديداً في الرسم هو الرسم المجسّم، حيث يمكن ملاحظة الشكل الهرمي الذي يعطي التجسيم في اللوحة، مشيرة إلى أن هذه التقنية كانت ثورة فنية في هذا الوقت. وتمّ تقليد هذا الأسلوب من قِبَل كبار الرسامين الإيطاليين المعاصرين ل"دا فينشي"، مثل رافئيل. كما قدّم دا فينشي في هذه اللوحة تقنية الرسم المموه، بالإضافة إلى استخدم طريقة تلوين جديدة، وهي "Sfumato" وتعني الدمج. وتضيف أمل نصر: أن السر في لوحة الموناليزا هو ابتسامتها الباردة، حيث أنها تعكس الحالة النفسية للشخص الذي ينظر إليها، فإذا كان سعيداً تجد اللوحة مبتسمة. أما إذا كان حزيناً فستجد الحزن على ملامحها كأنها صورة حية تعكس انطباعك الداخلي. أما هاني فريد فنان تشكيلي، فيرى أن ليوناردو رسم هذه اللوحة من فراغ، وأن السيدة الموجودة في الموناليزا لم تكن زوجة لأحد نبلاء إيطاليا، كما ورد عنها في المصادر والروايات، بل إنها كانت فتاة ليل افتتن بها دا فينشي وقرّر أن يرسمها، حيث جعل لها ابتسامة باهتة حتى يظهر براءة الفتاة ويخفي الوجه الآخر منها. وفي عام 1911 سُرقت الموناليزا من قِبَل أحد العاملين في متحف اللوفر، والذي قام ببيعها لأحد ملاك المتاحف، فقام الرجل بإبلاغ السلطات الفرنسية بسرقة اللوحة، وتمّ إلقاء القبض على السارق، وعادت اللوحة أدراجها في مكانها بمتحف اللوفر بفرنسا. خدمة ( وكالة الصحافة العربية )