بعد تأييده المطلق مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون وإجرائه تحولاً تاريخياً في موقف الولاياتالمتحدة من قضية الشرق الأوسط، لم يعد الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤهلاً لقيادة مايسمي "اللجنة الرباعية" لتحقيق السلام، ولا حتي لتطبيق خطة "خارطة الطريق" التي أطلقتها الولاياتالمتحدة نفسها. فقد بوش مصداقيته في اللحظة التي قبل فيها الرؤية الشارونية لتحويل نظرية الدولتين المتجاورتين إلي مجرد كيان فلسطيني مفصول عنصرياً بالجدار الأسمنتي والأسلاك الشائكة وواقع بالكامل تحت الحكم الإسرائيلي ونقاط تفتيش جيش الاحتلال المتعسفة. طلب شارون، ووافق بوش كالعادة، أن تضم واشنطن مخططه الاستعماري العدواني إلي مايسمي "الحرب علي الإرهاب" ونسي كل منهما -أو تناسي- أن الاحتلال الإسرائيلي الوحشي وسياسيات شارون المتعنتة هي السبب الرئيسي لاندلاع أعمال العنف في المنطقة. ويري المحلل السياسي والمحاضر الدولي المرموق مروان بشارة -في مقال نشره بصحيفة "هيرالد تريبيون"- أن كلاً من بوش وشارون وجد ضالته في التحالف مع الآخر، بعد أن جمعتهما المشكلات الداخلية والعزلة الدولية. وكان لقاؤهما في واشنطن وما أسفر عنه هروباً من الأزمات التي تعصف بهما في الداخل وتكاد أن تتطابق: التحقيقات الرسمية (في أحداث 11سبتمبر بالنسبة لبوش وفي فضيحة الجزيرة اليونانية بالنسبة لشارون). ويضيف بشارة أن هذا ليس حلاً، وأن ماتصوره الرجلان هروباً من مشكلاتهما أو حلا لها... سيسهم -علي العكس- في تعميقها وتعقيدها وسيقضي علي البقية الباقية من مصداقية الولاياتالمتحدة تحديداً في العالم. فقد أفرغ بوش مفاوضات الوضع النهائي من محتواها بعد أن أعطي شارون وعوداً بتنفيذ كل مايريد في قضايا الحدود واللاجئين والقدس المحتلة، وأحرج حلفاءه العرب وأجبرهم علي مراجعة مواقفهم منه وهو في أمس الحاجة لدعمهم في ظل ورطته الكبيرة في العراق وأفغانستان وفي الحرب المزعومة علي "الإرهاب". والأسوأ أن بوش منح أعداءه قوة وفاعلية في ضم المزيد من الحانقين علي سياساته إلي صفوفهم. أما شارون فستحقق سياسته في تجاهل المسئولين الفلسطينيين المنتخبين والتفاوض مباشرة مع بوش (كان لقاؤهما الأخير هو العاشر) فشلاً ذريعاً، ولن ينتج عنها سوي المزيد من الفوضي وانعدام الأمن في إسرائيل. ويخلص مروان بشارة في تحليله إلي أن واشنطن ستدرك في فلسطين، كما في العراق، أن القوة والمال وحدهما ليسا كافيين لتحقيق السلام وبناء الديمقراطية.