تقدم منافسات البوندسليجا طبقاً كروياً شهياً هذا الموسم، يتخلله الكثير من التشويق والفرجة والمنافسة والندية والحماس. ويعد الدوري الألماني الوحيد من بين أبرز البطولات الأوروبية الكبري الذي مازال يضم فريقاً لم يتجرع طعم الهزيمة حتي الآن. كما تنحصر فيه المنافسة علي اللقب بين ثلاثة أندية، بخلاف العديد من دوريات القارة العجوز التي بات فيها الصراع ثنائياً بعدما قطعت الأندية المتنافسة نصف المشوار هذا الموسم.وبالتمعن في أسماء اللاعبين الذين يؤثثون فضاء البوندسليجا ويصنعون أمجاد أنديتها، نجد أن العديد منهم ينحدرون من الجارة هولندا، مما قد يكون سببا كافياً لتفسير نجاح الثورة الكروية التاريخية التي تشهدها الملاعب الألمانية في الآونة الأخيرة.وقد أصبح النجم المخضرم رود فان نيستلروي عاشر لاعب هولندي يلعب في دوري البوندسليجا بعد انضمامه إلي صفوف هامبورج يناير الماضي وهي حصيلة مشرفة لمملكة الأراضي المنخفضة، التي تأتي في المركز الثالث من حيث الدول المصدرة للاعبين المحترفين إلي ألمانيا بعد كل من البرازيل (26 لاعباً) وسويسرا (11). ولم يتأخر مهاجم مانشستر يونايتد وريال مدريد السابق في إثبات علو كعبه في موطنه الجديد، حيث سرق كل الأنظار وخطف كل الأضواء في ثاني مباراة له مع ناديه الجديد بتسجيله ثنائية رائعة قاد من خلالها أبناء الشمال للعودة بفوز ثمين من ملعب شتوتجارت 3-1، بعدما دخل المباراة من دكة الاحتياط. وقد علق النجم الهولندي علي هذه الانطلاقة المبهرة قائلاً: "يا لها من طريقة رائعة للدخول في أجواء المنافسة، فقد دُهشت أنا أيضاً لرؤية ما أكد مواطنه وزميله في الفريق يوريس ماثيسن، أن قدوم فان نيستلروي إلي هامبورج سيعزز حظوظ النادي في التنافس علي مراكز القمة هذا الموسم، موضحاً أن "الفريق أصبح قادراً علي مواجهة أي تحد وتحقيق أي شيء في ظل وجوده في خط الهجوم." ثم تابع قائلاً: سأكون سعيداً لو انضم إلي تشكيلة المنتخب المسافرة إلي جنوب أفريقيا كذلك، لكن القرار ليس بيدي، ومع ذلك فإني أنتظر بفارغ الصبر ما تخبئه لنا الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة."ويعد فان نيستلروي رابع هلوندي يدافع عن ألوان هامبورج هذا الموسم، بعد كل من ماثيسن وإليرو إيليا وروميو كاستيلن، وقد صرح الهداف البرتقالي العائد من الإصابة قائلاً: "لم أتحدث بعد مع مدرب المنتخب الوطني، بيرت فان مارفيك. لكني مطالب الآن بإثبات نفسي مع نادي هامبورج أولاً وقبل كل شيء." ويشاطر ماثيسن زميله الرأي ذاته، حيث أكد لنا بدوره أن "حلم كأس العالم يراود كل اللاعبين، لكن الشيء الوحيد الذي يشغل بالنا من الآن وحتي شهر مايو هو الدفاع عن حظوظ هامبورج وبذل الغالي والنفيس من أجله. فوحدهم اللاعبون الذين يقدمون كل ما لديهم مع أنديتهم من سيستحقون السفر مع المنتخب إلي جنوب أفريقيا، إذ لا يحق لأي لاعب أن يدخر جهوده طيلة الموسم ثم يمني النفس في تمثيل منتخب بلاده. إن الأمور لا تعمل علي هذا الأساس، بكل بساطة." ولا يقتصر تألق الجالية الهولندية علي شمال ألمانيا فقط، حيث نجح عملاق الجنوب بايرن ميونيخ في تحقيق 9 انتصارات متتالية في منافسات البوندسليجا بفضل نجميه البارزين مارك فان بوميل وأريين روبن الذي سجل ثمانية أهداف وكان وراء ست تمريرات حاسمة. هذا ويعد فان بوميل أول لاعب أجنبي يحمل شارة الكابتن في صفوف النادي البافاري، في الوقت الذي يواصل فيه روبن دغدغة مشاعر الجماهير وخلب ألباب المشجعين الأوفياء بفضل لمساته الساحرة وتمريراته الحاسمة وأهدافه الرائعة.وفي مقابلة حصرية مع مجلة سبورت بيلد الرياضية الواسعة الانتشار في ألمانيا، صرح قائد البايرن قائلاً: "إن مساحة بلادنا أصغر من ألمانيا بخمس مرات، مما يعني أن الفرص المتاحة أمامنا تكون أصغر كذلك. فإذا أردنا التغلب علي الألمان علينا أن نتفوق عليهم من الناحيتين التكتيكية والفنية. لكننا تعودنا علي الفلسفة كثيراً في كرة القدم، فمنذ نعومة أظافرنا نتعلم كيفية تحليل كل موقف وحالة علي حدة حتي نجد الحل المثالي. وعندما يكون الحل بين يديك يصبح من السهل عليك أن تلعب بسرعة أكثر داخل الملعب. ولهذا السبب فإن لاعبينا يصقلون مواهبهم أسرع من نظرائهم الألمان."والواقع أن تألق نجوم مملكة الأراضي المنخفضة في سماء كرة القدم الألمانية ليس وليد اليوم، إذ يعتبر فان نيستلروي اللاعب الهولندي رقم 75 الذي انتقل للدفاع عن ألوان أحد أندية البلد المجاور، بينما كان ياكوبوس برينس أول من شد الرحال بحثاً عن فضاء أرحب في البوندسليجا عام 1963، أما فيلي ليبنس فهو أفضل هداف هولندي في تاريخ الدوري الألماني برصيد 92 هدفاً بالتمام والكمال، يليه الداهية روي ماكاي (78) ثم إيريك ماير (38). وبخصوص حظوظ المنتخب البرتقالي في نهائيات كأس العالم FIFA، أوضح ماثيسن قائلاً: "نحن (الهولنديون) نملك مجموعة منسجمة وذات جودة عالية إضافة إلي لاعبين من الطراز الرفيع، علماً أن بعضهم يلعبون هنا في البوندسليجا. صحيح أن الكل يعتبر فريقنا من أبرز المرشحين، لكن نهائيات كأس العالم عودتنا علي المفاجآت، إذ تصبح كل الاحتمالات واردة بمجرد أن تدخل غمار البطولة. إن مجموعتنا ليست سهلة علي الإطلاق، لكن إذا بدأنا علي نحو جيد فسيصبح كل شيء ممكناً."وفي رد علي سؤال بشأن إمكانية مشاركة كل لاعبي هامبورج الهولنديين في العرس الكروي الذي تستضيفه القارة السمراء لأول مرة في تاريخها، علق إيليا قائلاً: "سيكون أمراً رائعاً من دون شك، بل قد يشكل امتيازاً للمنتخب الهولندي، علماً أننا تعودنا علي اللعب سوية ووفق أسلوب تكتيكي معين كما يعرف كل منا كيفية لعب الآخر وتمركزه وإيقاعه."وكان إيليا قد استهل مشواره الدولي مع المنتخب البرتقالي بأداء تاريخي سيبقي خالداً في سجله إلي الأبد، فقد دخل المباراة من دكة الاحتياط ليسجل هدف الفوز علي اسكتلندا ضمن التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم FIFA 2010، وهو ما علق عليه بالقول: "لقد كان إحساساً جميلاً لا يصدق، وأتمني أن يضعني المدرب في حساباته للسفر مع المنتخب إلي جنوب أفريقيا. سيكون ذلك بمثابة حلم قد تحقق علي أرض الواقع، لكن يجب ألا نستبق الأحداث بل علينا أن ننتظر ونتريث لأن المنافسة علي المقاعد باتت حامية الوطيس. وفي انتظار القرار النهائي، فإن ما يتعين علي فعله الآن هو بذل كل ما في وسعي من أجل نادي هامبورج وإخراج كل ما في جعبتي حتي أُقنع المدير الفني بقدراتي وإمكانياتي." وعلي صعيد آخر، يؤكد ماثيسن أنه "لا يمكن أن ننسي أن مباريات خروج المغلوب ضمن بطولة كأس العالم تُحسم بجزئيات بسيطة، وبالتالي فإن ما نحتاجه هو العمل بجد وتفان حتي تصب تلك التفاصيل الجزئية في مصلحتنا. وإذا نجحنا في ذلك فإننا سنملك حظوظاً وافرة للظفر باللقب، إذ نضم في صفوفنا ما يكفي من المواهب والمهارات. إننا نسعي لبلوغ أبعد نقطة ممكنة، ونحن نضع المباراة النهائية نصب أعيننا. ولتحقيق ذلك، يتعين علينا أن نلعب علي نحو جيد وأن نتسلح بالإرادة والعزيمة والصبر والمثابرة، دون نسيان عامل الحظ الذي يلعب دوراً مهما في مثل هذه الاستحقاقات كذلك."هذا وتبقي إمكانية مشاهدة نزال تاريخي بين هولنداوألمانيا احتمالاً وارداً في نهائيات كأس العالم جنوب أفريقيا 2010 FIFA، إذ من الممكن أن يتقابل الفريقان في المربع الذهبي أو المباراة النهائية إذا واصلا مشوارهما بنجاح حتي الأشواط الأخيرة من البطولة. وفي حال تأكد ذلك، فإن الموقعة ستشهد منافسة حامية الوطيس بين عدة لاعبين ينتمون لنفس النادي، إذ سيكون روبن في مواجهة زميله في البايرن ميروسلاف كلوزه، بينما سيقابل ماتيسن رفيقه تروشوفسكي. وقد سبق للمنتخب البرتقالي أن واجه نجوم المانشافت في مباريات تاريخية مازالت عالقة في أذهان عشاق المستديرة الساحرة في كل أرجاء العالم، حيث تقابل الفريقان في نهائي دورة ألمانيا 1974 وموقعة ثمن نهائي إيطاليا 1990. وإذا حكم القدر علي هولنداوألمانيا بخوض معركة كروية أخري وجهاً لوجه، فالأكيد أن تلك الموقعة ستدخل التاريخ من بابه الواسع وستُكتب بأحرف من ذهب في سجلات كرة القدم العالمية.