التفجيرات التي شهدتها بغداد يوم الاحد الماضي والتي قُتل فيها اكثر من 130 عراقيا وجُرح فيها اكثر من 700 اخرين، والتي استهدفت موقع وزارة العدل وفندق المنصور ومقر الاذاعة والتليفزيون، اعادت الي الاذهان تفجيرات الاربعاء الدامي التي وقعت في اغسطس الماضي، وكشفت بالتالي عن العديد من المخاطر التي تواجه العراق، كما اكدت ان وصول العراق الي محطة الاستقرار لا يزال ابعد مما يتصور، اصابع الاتهام اشارت منذ اللحظة الاولي لنفس القوي التي جري اتهامها بالقيام بتفجيرات اغسطس، وهذه القوي البعثية من بقايا النظام السابق، وتنظيم القاعدة والدول المجاورة التي تأوي وتسهل وتمول تلك العمليات. والملاحظة الاولي علي العملية الارهابية الجديدة انها استهدفت مثل سابقتها وسط بغداد وفي قلب المنطقة الخضراء حيث اشد الاجراءات الامنية عبر دفع شاحنتين ملغومتين بمئات الاطنان من المتفجرات الي حيث مقار وزارة العدل والاذاعة والتليفزيون وفندق المنصور الذي يستضيف اهم الشخصيات التي تزور بغداد، وبالطبع فان مرور الشاحنتين بسهولة الي تلك المواقع يشير كما حدث في المرة السابقة عندما استهدفت شاحنتان مماثلتان مقري وزارتي الخارجية والداخلية يشير الي تورط امني كبير او حدوث اختراق في الأجهزة الامنية، مكن المهاجمين من المرور بامان وتنفيذ عملياتهم في وضح النهار دون اي عوائق. والملاحظة الثانية ان اي جهة لم تعلن رسميا مسئوليتها عن القيام بتلك العملية نظرا لوقوع ضحايا من المدنيين اساسا ولن يخاطر تنظيم القاعدة او حزب البعث المحظور والذي تم حله باعلان مسئوليته عن قتل مئات المدنيين العراقيين.. وبالتالي نصل الي الملاحظة الثالثة حيث يتبين ان الهدف المباشر لتلك العملية هو اشاعة الفوضي في بغداد وافشال الخطة الامنية التي جري تعديلها وتطويرها عدة مرات، واثارة الشكوك حول سلامة الاجهزة الامنية ذاتها، في ظل حقيقة مؤكدة وهي ان هناك ايادي داخلية سهلت بل وشاركت في تنظيم العملية الارهابية الاخيرة. ثم نأتي الي عنصر التوقيت وهو بالغ الاهمية ايضا اذ تمت تلك العملية الارهابية بعد اسبوع واحد من مؤتمر دول جوار العراق الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية علي مستوي وزراء الداخلية في تلك البلدان، وخيم علي اجواء المؤتمر العملية الارهابية الاولي التي وقعت في اغسطس الماضي والتي تسببت في حدوث توتر شديد للعلاقات السورية- العراقية في ظل اتهام عراقي رسمي لسوريا بتقديم مساعدات للارهابيين سواء عبر استضافتهم او تقديم معونات لوجستية (نقل متفجرات) لهم. ورفض العراق كل الجهود التي بذلتها دول عربية اخري منها السعودية لفتح حوار مع سوريا لتنسيق الجهود الامنية، حيث اصرت بغداد علي تدويل هذه القضية عبر فتح تحقيق دولي موسع حول الاطراف المحلية والاقليمية التي قامت بتفجيرات الاربعاء الدامي في اغسطس الماضي، مؤكدة ان لديها وثائق واعترافات تثبت تورط مسئولين من سوريا في تلك العمليات الارهابية. وفي مؤتمر شرم الشيخ اصر الوفد العراقي علي المضي في عملية تدويل التحقيقات وبالتالي جاء الرد سريعا بعد اسبوع واحد من مؤتمر شرم الشيخ بتفجيرات اخري لا تقل عنفا عن تفجيرات اغسطس لتعيد ارباك الوضع الداخلي والخارجي باكمله. فالانتخابات العراقية علي الابواب والمشاورات التي تتم من اجل تنسيق الحملات الانتخابية والقوائم الانتخابية والتحالفات السياسية ، تعرضت كلها لضربة قاصمة في ظل عودة الملف الامني ليفرض نفسه علي بقية الملفات، واصبح هناك من يطرح فكرة تأجيل الانتخابات بل الاستعانة من جديد بالقوات الامريكية والحليفة التي انسحبت من بغداد والمدن العراقية الي قواعد في الصحراء علي اساس ان حماية النظام السياسي الجديد وتأمين الشارع العراقي اصبح له الاولوية القصوي الان. واصبحت قضية التدويل تتصدر واجهة السياسة العراقية الرسمية الان، وهو ما يعني اغلاق الابواب العربية امام اي امكانية للتنسيق الامني، وابعاد العراق عن محيطه العربي وهو احد اهم اهداف العملية الارهابية الاخيرة، واصبح متصورا تقديم العراق لشكوي رسمية الي مجلس الامن ضد سوريا بتهمة ضلوعها في تلك العمليات. وفي ظل نفي سوري حاسم واستعداد للتعاون مع اي جهة عربية او دولية لتبرئة ساحتها، وعدم اعلان القاعدة او البعث المسئولية عن هذه العملية الارهابية فان التحليلات وحدها هي التي تظهر علي الساحة بحثا عن متهمين آخرين. واتسعت الاجتهادات التي لا تقوم علي معلومات بعضها ناحية اسرائيل وامريكا لاستمرار ابقاء الاحتلال الامريكي للعراق، استعدادا للمواجهة القادمة مع ايران. وهناك من يلقي باللوم ايضا علي دول مجاورة اخري تحاول ابقاء العراق اسيرا للمادة السابعة من ميثاق مجلس الامن كدولة تحت الاحتلال، وعدم السماح له باستعادة سيادته الكاملة، وتشير ايضا اصابع الاتهام الي ايران باعتبار ان لها مصلحة في استمرار استنزاف الولاياتالمتحدة في العراق وافغانستان، وبالتالي منعها من فتح جبهة ثالثة مع ايران. ومع كل تلك التحليلات وغيرها فان المستهدف في الحساب النهائي هو تفجير العملية السياسية الجديدة والتوافق بين القوي الرئيسية في العراق السياسية والطائفية، ومنع تحوله الي بلد ديمقراطي تعددي، ولذلك فالهدف اكبر من مجرد تفجير مقر وزارة العدل وفندق المنصور، فالهدف هو تفجير العراق بعد تفكيكه، حيث لا تريد قوي اقليمية انهاء حرب العراق قبل انفجار حرب ايران القادمة.