ولأنه لم يعرف يوماً بالخروج عن الموضوعية واشتهر دوماً بأنه مثال للتمسك بأدبيات الحوار وأخلاقياته، جاء اعتراض الكاتب الكبير يسري الجندي علي ما يحدث في الدورة الثالثة للمهرجان القومي للمسرح مهذباً وهادئاً وشديد الموضوعية، عندما أعلن انسحابه من المناقشة علي جائزة التأليف عن مسرحية، "الاسكافي ملكاً" استنكاراً للشرط الذي تضمنته اللائحة ويقضي بألا تزيد مدة عرض أي مسرحية مشاركة في المهرجان عن الساعتين وألا تقل عن ساعة ونصف، وهو الشرط الذي أكد أنه ليس له وجود في تاريخ مهرجانات المسرح، وكان من نتيجة تطبيقه أن رفض اختصار عرض مسرحية "الاسكافي ملكاً" ثم اعتذر عن المنافسة. وبنفس الموضوعية ودماثة الخلق قال لنا: أنا غير راض عن المهرجان علي الرغم من إدراكي لاهميته القصوي بالنسبة للمسرحيين جميعاً، والدور المهم والرسالة النبيلة التي يمكن أن يتبناها، فقد جاء هذا المهرجان بمثابة رد اعتبار لتجاهل طويل من قبل وزارة الثقافة لمطالب المسرحيين في أن يكون لهم مهرجان قومي مصري للمسرح، وعلي الرغم من كل السلبيات التي يتحدث عنها الجميع هذه الايام، فأننا متمسكون ببقائه وحريصون علي استمراره، بشرط أن يحظي باحترام الجميع بدلاً من حال التجاهل التي يلقاها مقارنة بمهرجانات أخري علي الساحة، والشرط الثاني والأهم أن نتدارك السلبيات، التي نبهنا إليها منذ الدورة الأولي، وكتبناها في شكل توصيات لإدارته، وكنت في تلك الدورة عضو لجنة تحكيم، لكن احداً لم يلتفت إلي تلك التوصيات، ولم يؤخذ بها، وربما لم يقرأها أحد، لهذا فوجئنا في هذه الدورة الثالثة بأن السلبيات تتكرر بحذافيرها، ومازال الخلط قائماً بين الهواة والمحترفين في المنافسة، ومن ثم الجوائز، في اهدار واضح لمبدأ تكافؤ الفرص، ويعني ظلماً بيناً علي الهواة لحساب المحترفين، فهناك أخطاء في اللائحة كشفتها التجربة، وكان لابد من تصحيحها، من بينها تحديد مدة العرض، وكأنه مهرجان للمسرح التجريبي، الذي يتبع هذا الشرط لخصوصيته، بينما لا تطبقه مهرجانات المسرح في قرطاج وسوريا والاردن وغيرها.. لهذا رفضت أن اختصر مدة "الاسكافي ملكاً" من ثلاث ساعات إلي ساعتين لأن هذا يخل بالمضمون ورسالة وشكل العرض ويؤدي إلي تشويه العمل علي مستوي الفكر والشكل، ورفضت المشاركة في مهرجان احسست انه يعامل بشئ من الاستخفاف، بل ينظر إليه البعض بوصفه، "ابن الجارية" أولاً عندما أجلوا موعده بلا سبب لمدة خسمة أيام كاملة في الوقت الذي لايجرؤ فيه مسئول علي تأجيل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ساعة واحدة أو التجريبي لمدة يوم واحد؟! أمر أخير أحب الكاتب الكبير يسري الجندي أن يختتم به " الروشتة "التي يمكن أن تصبح علاجاً لأمراض المهرجان وتدعم استمراره حين قال: أيضاً لابد أن تختار إدارة المهرجان أعضاء لجان التحكيم بعناية بدلاً من أن تتورط في اختيار أشخاص ليسوا فوق مستوي الشبهات وتثار من حولهم أقاويل أقلها اتهامهم بتشجيع التطبيع، والهجوم علي كل الاعمال التي تؤكد علي قيمة المقاومة ونبلها أو تكشف حقيقة المزاعم الصهيونية، ولهذا كان طبيعياً أن يهاجم هذا الشخص نفسه، الذي أختير عضواً في لجنة التحكيم (!) مسرحية "اليهودي التائه" دون أن يشاهدها لمجرد أن فضحت الصهاينة (!) ولولا الضغوط التي تعرضت لها إدارة المهرجان من عمار الشريعي وعلي الحجار والمخرج حسام الدين صلاح والشاعر جمال بخيت وآخرين والهجوم علي رئيس المهرجان من قبل الصحفيين ماصدر قرار استبعاده واستبداله بالكاتبة فتحية العسال، وحفظاً لماء الوجه قيل ان لينين الرملي اعتذر(!) فلماذا لا نراعي الدقة في اختيار أعضاء لجنة التحكيم بحيث تأتي وجوه لها تاريخها السياسي والثقافي المشرف، أما المهرجان فلا أحد يجرؤ علي المطالبة بالغائه، ولنا في مهرجان المسرح التجريبي الاسوة ، فقد تحملنا فشله 19 عاماً ومازال مستمراً، فهل يصعب علينا أن نتحمل فشل المهرجان القومي للمسرح لمدة ثلاث دورات فقط.