في أثناء عام 1971، وبعد انهيار الدولار مع اقتراب نهاية العمل بنظام سعر الصرف الثابت الذي بدأ العمل به في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قال جون كونلي، وزير مالية الولاياتالمتحدة آنذاك، خلال اجتماعه بنظرائه الأجانب: "الدولار عملتنا، ولكنه مشكلتنا نحن". ومنذ ذلك الوقت اكتسب الدولار مكانة عالمية استمرت حتي الآن. حين يلتقي زعماء المال علي مستوي العالم في واشنطن هذا الشهر أثناء اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السنوية، فلربما كان عليهم أن يشعروا بالسعادة لعدم وجود بديل واضح للدولار كمعيار عالمي للعملة، ولو كان اليورو في أتَمّ استعداده لاحتلال الصدارة فلربما كنا نري سعر صرفه في مقابل الدولار، وقد قفز ليتجاوز الدولارين، وليس 1.65 أو 1.70 دولار فقط كما هو متوقع علي أية حال، وما كان لأحد أن يتعامل مع عملائه بهذا القدر من السوء، كما فعلت الولاياتالمتحدة أخيراً، لو كان يعلم أنهم قد يجدوا بديلاً عنه. مع استمرار الولاياتالمتحدة في تسجيل مستويات عجز تجاري غير مسبوقة تاريخياً علي مدار الأعوام الستة الماضية، هبطت القيمة التجارية للدولار بنسبة تتجاوز الربع. وفي ظل اقتصاد ضعيف، ونظام مالي مضطرب بشدة، ومخاوف جادة بشأن مستويات التضخم المتصاعدة، بات من الواضح أن الدولار سوف يميل نحو الانحدار مدة طويلة، أياً كانت نهاية الأزمة الحالية، وهذا ليس كل شيء. إن محاولات بنك الاحتياط الفيدرالي لإنقاذ النظام المالي ليس من المرجح أن تصادف النجاح ما لم تجد البنوك رؤوس أموال جديدة، وبكميات ضخمة. والحقيقة ان صناديق الثروة السيادية البالغة الثراء لديها من المال ما يكفي لإنقاذ بنوك الولاياتالمتحدة، ولكن ليس من المرجح أن تكون لديها الرغبة في الاضطلاع بهذا الدور في هذه المرحلة، حتي ولو سمح النظام السياسي في الولاياتالمتحدة بذلك. عوضاً عن ذلك، ومع استمرار أزمة الائتمان وانحدار أسعار المساكن، أصبح من المرجح علي نحو متزايد أن نشهد حملة بطولية لإعانة مديني الرهن العقاري، وهذا يعني أن دافعي الضرائب في الولاياتالمتحدة سوف يتكبدون نحو التريليون دولار أو أكثر. المشكلة هنا كالتالي: هل من المعقول بعد كل هذه الأعوام من العائدات الضحلة علي الأصول الدولارية، أن يقدم المستثمرون العالميون حقاً علي استيعاب تريليون دولار آخر من ديون الولاياتالمتحدة في ظل أسعار الفائدة الحالية وسعر الصرف الحالي؟ إن دين الولاياتالمتحدة لا يبدو كصفقة مربحة الآن، حتي ولو لم يكن الدولار في هبوط. فمازالت المغامرات العسكرية المأساوية مستمرة في الضغط علي الموارد المالية للبلاد، حيث من المرجح أن تتجاوز تكاليف هذه المغامرات عدة تريليونات من الدولارات، وفقاً لدراسة حديثة أجراها جوزيف ستيجليتز بالاشتراك مع ليندا بيلميز. ويكاد يكون من المؤكد أن يشهد العام القادم ارتفاعاً هائلاً في مستويات عجز الشركات في الولاياتالمتحدة عن سداد ديونها، رغم دخول العديد من الشركات حالة الركود، وهي تتمتع بموازنات قوية نسبياً، أما الأحوال المالية في الولايات والبلديات فهي أسوأ كثيراً. فمع انهيار عائدات الضرائب نتيجة لهبوط أسعار المساكن والدخول، أصبح من المحتمل أن تخضع العشرات من البلديات في الولاياتالمتحدة للحراسة القضائية، كما حدث مع مدينة نيويورك أثناء سبعينيات القرن العشرين. والآن أصبحت المتاجرة في السندات البلدية في الولاياتالمتحدة تتم وفقاً لعلاوة مخاطرة ضخمة، وحتي الآن لم يحدث بعد أول تخلف حكومي ضخم عن السداد. بطبيعة الحال، إذا ما سقط الدولار من عليائه باعتباره العملة المهيمنة علي مستوي العالم في أي وقت قريب، فإن اليورو سوف يشكل البديل الجاد الوحيد له. وقد يحل اليوان محل الدولار أثناء النصف الثاني من هذا القرن، إلا أن الضوابط الرهيبة التي تفرضها الصين علي رأس المال وغير ذلك من أساليب القمع المالية تجعل اليوان غير مؤهل في الوقت الحالي للعمل كمرساة للنظام الاقتصادي العالمي. من حسن حظ الدولار أن اليورو أيضاً يعاني مشاكله الخاصة، فمازالت البنوك الأوروبية مجزأة إلي ما يشبه الدويلات، حيث تسعي الأنظمة الوطنية المختلفة إلي دعم أبطالها، وقد يكون القدر الأعظم من دين الحكومات الأوروبية باليورو، إلا أن الأمر مختلف في ألمانيا وإيطاليا، وهذا يعني أن سوق سندات اليورو الحكومية تفتقر إلي العمق والسيولة الذي يتمتع به سوق سندات الخزانة الأمريكية. فضلاً عن ذلك فإن المستثمرين الدوليين يستطيعون شراء وبيع العقارات في الولاياتالمتحدة بيسر وسهولة مقارنة بأغلب بلدان أوروبا. وغياب السياسة المالية التي تشمل أوروبا بالكامل يتسبب في حالة من عدم اليقين بشأن الكيفية التي قد تتمكن بها البنوك المركزية الأوروبية من تمويل نفسها إذا ما تعرضت فجأة لخسائر ضخمة ناتجة عن ديون مصرفية معدومة بعد محاولة إنقاذ كبري. بيد أن اليورو يتمتع بمواطن قوة متنامية، فبأسعار الصرف الحالية في السوق، أصبح الاتحاد الأوروبي أضخم من الولاياتالمتحدة اقتصادياً. هذا فضلاً عن القدر الهائل من الحيوية والمرونة التي جلبتها البلدان الأعضاء الجديدة من شرق ووسط أوروبا علي الاتحاد الأوروبي. وفي ذات الوقت، اكتسب البنك المركزي الأوروبي قدراً معقولاً من المصداقية بفضل تعامله مع أزمة الائتمان العالمية، وإذا ما تمكنت منطقة اليورو من إقناع بريطانيا العظمي بالالتحاق كعضو كامل العضوية، وبالتالي اكتساب أحد المركزين الماليين العالميين الرئيسيين (لندن) في صفها، فقد يبدأ اليورو حقاً في البروز كبديل حقيقي عن الدولار. أثناء عام 1971، وبعد انهيار الدولار مع اقتراب نهاية العمل بنظام سعر الصرف الثابت الذي بدأ العمل به في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قال جون كونلي، وزير مالية الولاياتالمتحدة آنذاك، أثناء اجتماعه بنظرائه الأجانب: الدولار عملتنا، ولكنه مشكلتنا نحن. ومنذ ذلك الوقت اكتسب الدولار مكانة عالمية استمرت حتي الآن، علي الرغم من العديد من نوبات الإهمال وسوء الإدارة. إن المعايير التي تحكم العملة النقدية العالمية تتسم بقدر هائل من الجمود. فالجنيه البريطاني لم يتنازل عن مكانته للدولار الأمريكي إلا بعد خمسين عاماً من الانحدار الصناعي وبعد حربين عالميتين، إلا أن التحول قد يحدث علي نحو أسرع كثيراً هذه المرة، ويتعين علي محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية أثناء تفكيرهم في الكيفية التي يمكنهم بها التدخل لدعم الدولار، أن يشرعوا في التفكير أيضاً في التصرف الواجب القيام به حين يصبح لزاماً عليهم أن يكفوا عن المحاولة.