تعتزم بي نظير بوتو، التي عادت الي باكستان بعد ثمانية أعوام في المنفي، القيام بجولة في البلاد سعيا لكسب تأييد الناخبين. لكنها ظلت مختبئة في كراتشي عقب محاولة الاغتيال التي أوشكت ان تودي بحياتها. الحكومة الباكستانية رفضت من جانبها توفير حتي حد أدني من الحماية الأمنية لرئيسة الوزراء السابقة ضد أية محاولات اغتيال أخري محتملة. ويشير ذلك بوضوح الي صعوبات الشراكة الجديدة بين بي نظير بوتو والرئيس الجنرال برويز مشرف، الذي أعيد انتخابه رئيسا لباكستان في 6 اكتوبر الجاري. الوزير الأول لمحافظة السند، أرباب رحيم، رفض توفير تزويد بي نظير بوتو بحماية خاصة من الشرطة أو سيارات ذات زجاج مظلل أو معدات التشويش التي تستخدم في إفشال انفجار العبوات الناسفة. إلا ان مكالمة هاتفية فقط من الرئيس برويز مشرف لأرباب رحيم أو واحد من مساعديه ستؤدي الي منح بي نظير بوتو الحماية التي تريد. تري، من الذي يريد ان يغتال بي نظير بوتو؟ ليس مشرف، لأنه يدرك جديدا ان أي تواطؤ من جانبه في اغتيالها سيكون له اثر سياسي مدمر عليه. لكنه رغم ذلك لم يبد حماسة تجاه التحقيق في انفجار 18 اكتوبر في كراتشي أو منع تكراره. هذا الوضع يضع الرئيس جورج بوش في مأزق. ففيما تصور ادارته الجنرال برويز مشرف كونه من الزعماء الملتزمين بمحاربة الارهاب، تدرك ايضا أن بي نظير بوتو إذا أصبحت رئيسة للوزراء ستكون ضد التطرف الإسلامي. تنظيم "القاعدة" وحركة طالبان يقفان وراء التفجير الانتحاري الذي استهدف بي نظير بوتو، لكنهما لم يعملا وحدهما فيما يبدو. فبالإضافة الي التفجير، الذي أودي بحياة 140 شخصا، تعرض موكب بي نظير بوتو لرصاص قناصة، وهذا أمر لم يعلن عنه. وهذا التكتيك يشير الي جهاز الاستخبارات الباكستانية أو علي الأقل بعض العناصر المارقة التابعة له. يلاحظ ايضا ان الجنرال مشرف لا يمارس سيطرة كاملة علي جهاز الاستخبارات الباكستانية علي الرغم من انه يشغل منصب القائد العام للجيش، علما بأن جهاز الاستخبارات الباكستانية يعتبر دولة داخل دولة، فضلا عن دوره في تشكيل حركة طالبان. من الصعب التعرف علي منفذي محاولة الاغتيال، ذلك ان وزير الداخلية الباكستاني، افتاب خان شيرباو، "رفض بشدة" تلقي مساعدة من محققين متخصصين في مجال الأدلة الجنائية تابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالي (اف.بي.آي). وكان شيرباو في السابق قياديا في حزب الشعب الذي تتزعمه بي نظير بوتو، لكنه غير ولاءه مقبل اعفائه من تهم جنائية وجهها له مشرف. وكان شودري شجاعت حسين زعيم حزب مشرف، رابطة باكستان الاسلامية، قد قال الاسبوع الماضي، ان بي نظير بوتو وزوجها رتبا الهجوم بغرض استدرار التعاطف الشعبي. وزعم ان عدم تعرض بي نظير بوتو لأية اصابات تدعم هذه النظرية. وأصدرت الحكومة الباكستانية قرارا بحظر التجمعات العامة، بدعوي أن ذلك يصب في مصلحة السلامة العامة. إلا ان حظر الندوات السياسية يهدف فيما يبدو الي انقاذ الرابطة الاسلامية من الحرج بسبب التأييد الشعبي الضئيل لها، كما من المحتمل ان يساعد الحظر ايضا علي تسهيل عملية تزوير الانتخابات البرلمانية، بهدف منع حزب الشعب الباكستاني من تحقيق انتصار رئيسي. إلا أن بي نظير بوتو ستقود حملتها الانتخابية في كل الأحوال، وتعتزم زيارة اسلام أباد. ويقول خبراء أمن يعملون مع بي نظير بوتو ان اسلام أباد اكثر أمنا لها من كراتشي، حيث يمكن توفير الحماية. رغم ذلك، حذر مستشار رئيس الوزراء الباكستانية السابقة من ان هجمات من النوع الذي حدث في كراتشي من المحتمل ان تنتقل الي اسلام آباد. وكانت بي نظير قد قالت خلال مقابلة اجريت معها في نيويورك في أغسطس الماضي ردا علي سؤال حول ما اذا كانت تعتقد انها ستتعرض للاغتيال اذا عادت الي باكستان انه ينبغي عليها ان تعود، وتركت بذلك انطباعا بأن العيش في ظل المخاطر هو مصيرها. يجب ان يدرك الجنرال مشرف ان النهاية السياسية للرئيس الفلبيني السابق فيرديناند ماركوس عام 1983 كانت بسبب ضلوع رجاله في اغتيال منافسه بينينو اوكينو، لدي عودته من المنفي. من دون تواطؤ في عملية الاغتيال، سمح الجنرال مشرف لمرؤوسيه باتخاذ موقف عدائي تجاه بي نظير بوتو خلال الاسبوعين السابقين. في واقع الأمر، الجنرال مشرف هو المحتاج الي بين نظير بسبب شعبيتها، كما ان بي نظير في حاجة اليه بهدف تحييد الجيش. بعد اسبوع علي محاولة الاغتيال التي تعرضت لها، وجهت بي نظير انتقادات عنيفة للمدارس الدينية، وقالت انها تفرّخ الارهاب وتروج وتخرّج أفرادا غسلت ادمغتهم وباتوا اشبه بالروبوتات. لم يجرؤ مشرف علي شن مثل هذا الهجوم علي المدارس الدينية. إلا ان الادارة الأمريكية لا ترغب فيما يبدو الانحياز علنا إلي طرف من الأطراف في الأزمة الباكستانية.