تناولت في مقال الأسبوع الماضي 1862007 الوضع في لبنان وغزة وأشرت فيها الي الخطأ الكبير الذي ارتكبه كل من حزب الله وحركةحماس في حق الشعب اللبناني والفلسطيني بصفة خاصة والعربي بصفة عامة - كان ذلك تقديراً مني للثمن الكبير الذي سوف يدفعه الشعبان بل المنطقة من جراء هذا الفعل الذي يعد شكلاً من أشكال المراهقة السياسية واغتصابًا لقرار الشعوب واللعب بمصائرها، حتي الآن الخسائر "بعد 10 أيام" تقدر في لبنان ب 9 مليارات دولار - وعدد القتلي دخل المائة الثالثة. وأوضحت أنه لا يختلف اثنان في شرعية المقاومة التي تهدف إلي رد المعتدي وإخراج المحتل وأن للمقاومة أساليب عديدة من ضمنها المسلح وإن كان ليس من أفضلها- وأن هناك شعوباً عديدة أخري لجأت الي أساليب للمقاومة يمكن وصفها بأنها مقاومة بناء يخرج منها المُقاوم من حالة المقاومة في مستوي أفضل - مقاومة تراكمية تنتهي بنهاية إيجابية للحاضر والمستقبل. للأسف الشديد قوبل هذا المقال من الأغلبية برفض شديد وصل الي وصفه من أقرب المقربين لي بأنه المقال الأسواء - نعم أعلم أن المقال قدم رأيا ضد التيار - نعم أعلم أنه رأي صادم للمشاعر والعواطف - لكني مازالت حتي اليوم أؤكد أن هذا الرأي هوالحقيقة المتوقعة والتي سوف تصبح يقينًا خلال أيام والتي عندها يكون لبنان قد فقد بنيته الأساسية ومئات القتلي وتوقفت التجربة الديمقراطية بل تراجعت- وتحولت ميلشيات حزب الله الي جماعات إرهابية تمارس تصفية حساباتها داخل لبنان وخارجه وتأثير ذلك علي الوضع الطائفي في لبنان - تراجع الاقتصاد اللبناني - مزيد من نزوح وهجرة اللبنانيين - تأثر نظام الحكم في سوريا باختفاء هيكلية المنظمة لحزب الله وانعكاس ذلك علي لبنان- مشاهد الجنازات والدفن الجماعي - والعويل والصراخ - ومناشدة العالم تقديم المساعدة لشعب لبنان - موت أوأعتقال أوانتقال حسن نصر الله الي سوريا أوإيران - انتفاء أوتقلص سيادة إيران في لبنان وسوريا - فتح باب التبرع من أجل إعادة بناء لبنان . هذا هوالسيناريوالمتوقع والذي بدأت خطواته في التحقق. هذا السيناريوالمتكرر والذي لم يتغير علي مدار الخمسين عاماً الماضية باستثناء حرب أكتوبر 1973. ' وسؤالي الأول للذين صدمهم هذا الرأي مع كل أحترامي وتقديري وكذلك للذين نظموا وخرجوا في مظاهرات القاهرة وعمان رافعين صور الرئيس جمال عبد الناصر هل نحن في حاجة الي أسلوب جمال عبد الناصر الآن هل مقدراتنا وقدرتنا والوقت والظروف تسمح لنا باستخدام أسلوب عبد الناصر هل نحن الآن في حاجة الي محام عن الحق العربي أم نحن في أشد الحاجة الي مفاوض عن الحق العربي - والفرق كبير بين المحامي والمفاوض - فالمحامي يطالب بأقصي الحقوق أم المفاوض فهويطالب بالحق الممكن المتاح الآن ويبني عليه ثم يطالب بباقي الحقوق في مرحلة تالية يكون الوضع العربي فيها قد تحسن، وسؤالي الثاني لهؤلاء هل كان الرئيس عبد الناصر سوف يسمح لحسن نصر الله أن يغتصب قرار الدولة ويجرها وشعبها الي هذا الهلاك؟ أم أن السحل بكل تأكيد كان سوف يكون مصيره، والسؤال الثالث هل البطل هومن أضاع الأرض أم من أستعادها - هل البطل هومن يهدم أم من يبني؟ هل البطل هو من يدفع وطنه الي الأمام أم يقهقره الي الخلف؟ وسؤالي الرابع هل نحن في حاجة الي أسلوب حسن نصر الله وخالد مشعل الآن أم إلي أسلوب رفيق الحريري؟ لماذا يخاف الرأي العام العربي من الحقيقة لدرجة أنه لا يريد أن يراها أويسمعها؟ وما هودور المثقف في مثل هذه الأزمات؟ هل هو الإنسياق سواء خلف الجماهير أوالحكومات؟ هل دوره هومغازلة الجماهير علي حساب الحقيقة؟ أم أن دوره الحقيقي في اظهار الحقيقة دون أي هوي شخصي أوصبغة سياسية قد تطفوعلي الشأن الوطني - إن دور المثقف يجب أن يكون حيادياً ويسموعلي ردود الافعال الآنية حتي يستطيع ايصال رسالته التي تتفق مع دوره في المجتمع وبما يتناسب مع مختلف القضايا السياسية - حتي لوتصادمت مع مشاعر وعواطف الجماهير من هنا مارست دوري مُجنباً العواطف والمشاعر والميول الشخصية.. لأننا نتحدث عن مصير ومستقبل بلاد وشعوب المنطقة ككل. ولذلك يجب علي المثقف أن يلعب دوره التنويري مستنداً علي القراءات الحقيقية للازمات معتمدا بذلك علي معطيات الواقع والتحليل العقلاني لها - وبعيدا عن القراءات العاطفية للاحداث . والشئ بالشيء يذكر فعلي الرغم من اختلافي مع الادارة المصرية في قضايا كثيرة إلا أنني أحيي الرئيس مبارك علي قراءته العاقلة والموضوعية وتحليله وقراره من الأزمة. عندما يكون مفهوم الوطن أنه "جزء" من المواطن وليس وعاء له - تكون أولي خطوات المقاومة هي بناء الانسان - علينا أن نسأل أنفسنا ما هي أسباب استعمار أي بلد؟ ولماذا تطول فترة الاستعمار في بلد وتقصر في بلد آخر؟ في تقديري إذا تغير مفهوم الوطن في الشارع العربي فإن هذا يستتبعه تغير في مفهوم المقاومة واسلوبها. يحيث تتحول المقاومة الي اسلوب بناء للانسان وليس هدمًا لمقدراته وبالتالي تنتقل المقاومة من الساحة العسكرية الي ساحة القدرات والكفاءات من ساحات العنف والدماء الي ساحات التفاوض والتسويات السياسية طبقاً لمقدرات الواقع. ' أخيراً أتمني أن أكون مخطئاً في رأيي وتحليلي - وأن تفرز الأيام القادمة عكس ما توقعت - وإن كان هذا يخالف كل منطق وعقل وموضوعية. وأتمني علي المجتمع الدولي ودعاة ومحبي السلام في كل العالم أولاً: أن يمارسوا ضغوطاً حقيقية علي حكومة اسرائيل من أجل وقف هذا العقاب الجماعي للشعب اللبناني علي فعل مجنون ارتكبه أحد فصائله - ثانياً : ضرورة عقد مؤتمر دولي لتحقيق الأمن في المنطقة تُفرض نتائجه فرضاً علي كل الأطراف وأن يعاقب كل من يخالفه عقاباً أممياً.أمين عام مركز الحوار الإنساني