في ظل الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات، حيث تجاوزت تلك التي عرفتها الأزمة النفطية عام 1973، يبحث المستهلكون والسياسيون في كلا الحزبين الأمريكيين عن طرف ما يلقون عليه اللوم. وقد يغرينا في هذا الإطار توجيه سهام النقد لشركات النفط العالمية مثل "شيل" و"إكسونموبيل"، فأصحابها يفاخرون بالأرباح الطائلة التي حققتها شركاتهم إثر ارتفاع أسعار النفط، ولا يكفون عن نشر الأرقام التي تؤكد ذلك، بينما نضطر نحن لشد الأحزمة علي بطوننا والاتجاه إلي مزيد من التقشف. بيد أن استياءنا المشروع من الأرباح الكبيرة التي جنتها شركات النفط الكبري، يجب ألا يحجب عنا السبب المباشر وراء ارتفاع أسعار الطاقة، ألا وهو السياسات الخرقاء لإدارة بوش، وليس جشع الشركات النفطية بالدرجة الأولي. ولكي نفهم الموضوع أكثر علينا أن ندرك أن ما يحدد أسعار النفط في السوق العالمي هو العلاقة البديهية بين العرض والطلب. وإذا كانت المعادلة بسيطة وتقول إنه كلما قلَّ العرض وكثر الطلب ارتفعت الأسعار، فإن علي الأمريكيين أن يشكروا إدارتهم لأنها أساءت التصرف في شقي المعادلة. فبينما أدت السياسة غير المسئولة لإدارة الرئيس بوش في مجال الطاقة الداخلية إلي رفع الطلب العالمي علي النفط، قادت سياستها الخارجية المتهورة إلي خفض حجم الإمدادات العالمية والتأثير سلباً علي كميات النفط المعروضة في السوق. فعلي صعيد السياسات الداخلية لم يعد خافياً عرقلة إدارة بوش للجهود الرامية إلي تقليص اعتماد الولاياتالمتحدة علي النفط. فرغم اعتراف بوش في خطاب "حالة الاتحاد" بإدمان الولاياتالمتحدة علي النفط، فإن إدارته لم تبذل أية جهود لتطوير برامج ترشيد استهلاك الطاقة، أو الاستثمار في مصادر أخري بديلة. أما علي صعيد السياسة الخارجية فقد ساهمت الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها هذه الإدارة في العديد من مناطق العالم، من العراق ونيجيريا إلي فنزويلا وروسيا، في تراجع إنتاج النفط نحو مستويات أقل بكثير مما كانت عليه سابقاً. ومع ذلك لم تنلْ إدارة بوش ما تستحقه من لوم وعتاب علي الطريقة التي أفضت بها سياساتها إلي ارتفاع أسعار الطاقة بالنسبة للمستهلك الأمريكي. ولو بدأنا بالعراق سنجد أن عجز الإدارة الأمريكية عن إحلال الأمن وفرض سيادة القانون، تسبب في انخفاض مطرد لمستوي إنتاج النفط، علما بأن العراق يمتلك ثالث أكبر احتياطي من النفط في العالم. فبينما كان حجم إنتاجه من النفط قبل الغزو الأمريكي لأراضيه في مارس 2003 يصل 2.5 مليون برميل يومياً، تراجع هذا الرقم مع حلول 2005 إلي 1.8 مليون برميل. وفي نيجيريا التي تزخر بمواردها الهائلة من الطاقة، لم تحرك إدارة بوش ساكناً للدفع بالإصلاحات الحكومية وإنهاء الصراعات الدموية المستفحلة في البلاد. فقد أدت المواجهات العنيفة، علي خلفية الصراع حول توزيع عائدات النفط واستفادة السكان الفقراء من المداخيل، إلي منع إنتاج النفط بصورة طبيعية. وهكذا قام المسلحون في شهر يناير الماضي بتفجير أنابيب نقل النفط، كما خطفوا العديد من موظفي الشركات الأجنبية. وفي مطلع الشهر الجاري لقي حوالي 150 شخصا حتفهم عندما انفجر أنبوب للنفط نتيجة الأعمال التخريبية التي ينفذها المتمردون، وهو ما أدي في النهاية إلي انخفاض نسبة إنتاج النفط ب20% مقارنة بالعام السابق. وبالانتقال إلي مثال آخر علي سياسة بوش الخارجية في مجال النفط، تطالعنا فنزويلا التي كانت إلي عهد قريب رابع مزود لأمريكا بالنفط. فقد أدي تأييد إدارة بوش لانقلاب عسكري فاشل ضد هوجو شافيز عام 2002 إلي تسميم العلاقات المتوترة أصلاً بين البلدين، ما دفع شافيز إلي التمادي في تحدي الولاياتالمتحدة مستفيداً من سياساته المالية وأسعار النفط المرتفعة. وفي الشهور الأخيرة فرض شافيز ضرائب باهظة علي الشركات الأجنبية العاملة في مجال الطاقة، كما سيطر علي بعض مشاريع التنقيب التي كانت في يد شركات أجنبية، ما أسفر عن مغادرة تلك الشركات لفنزويلا وبالتالي انخفاض مستويات الإنتاج. والأكثر من ذلك أن هذه التطورات تزامنت مع ارتفاع سعر الخام العالمي بسبب مخاوف السوق من تقلص الإمدادات النفطية. أما في روسيا فقد أدي تغاضي إدارة بوش عن تراجع الرئيس فلاديمير بوتين عن الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها بلاده في وقت سابق وتأميمه لشركة النفط العملاقة "يوكوس"، إلي انخفاض حصة روسيا من الإنتاج العالمي للنفط. وليست روسيا الوحيدة التي تتصدر لائحة السياسات الفاشلة للرئيس بوش، بل هناك أيضاً إيران التي تعد رابع أكبر منتج للنفط في العالم. فقد رفضت إدارة بوش بعناد منقطع النظير التفاوض مباشرة مع طهران معززة بذلك احتمالات المواجهة العسكرية، أو فرض عقوبات عليها، وهي العقوبات التي قد توجه ضربة قاصمة إلي الإمدادات العالمية من النفط ما سيرفع الأسعار إلي مستويات قياسية ويلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد العالمي. وإذا كانت الولاياتالمتحدة معنية حقاً بأمنها في مجال الطاقة، فإن عليها الكف عن انتهاج سياستها المتأرجحة بين غض الطرف غير المبرر، وبين أسلوبها العدواني في بعض الأحيان، وأن تنخرط في سياسة بديلة تقوم علي الشفافية ودعم حقيقي للإصلاحات السياسية والاقتصادية. أما في حال الفشل فمن الأفضل أن يعوّد الأمريكيون أنفسهم علي استخدام الدراجات الهوائية في الذهاب إلي العمل.