المشهد في الوطن العربي في قلعة الكُتاب والشعراء.. والمبدعين يذكرني بجوقة الغناء التي خرجت علي النص. بعضهم يقبضون علي الجمر في استماتة وهم فقراء، أغنياء بمواهبهم.. وبعضهم يقبضون الألوفات.. والبعض الآخر انسحب في هدوء، يجر احلامه المحبطة، يغمّس خبزه بطيف الذكريات، يتنهد وهو يرقص منفردا في حلبة الوحدة الاختيارية ولا يشعر بالحزن علي نفسه، ولكن علي غيره! هذا المشهد في قلعة الكُتاب والشعراء والمبدعين يزداد سوادا.. ولا يبعث علي الفرح، فهو يثير عواصف القلق، ويحرك عواصف صامتة تؤكد ان الوطن ينظر الي المستقبل من خلال عيني ضرير، وقد حدد مسبقا الشاطيء الذي سيقف عليه، انه شاطيء اللهو.. والاستهتار، وممنوع - بعد الوصول - علي هذا الشاطيء السباحة في اتجاه جزر العقل.. أو الاشتياق لموجة من المشاعر الراقية، وهذا ما يدفع البؤساء من أمثالي للبحث عن نافذة يطل منها علي الابداع الحقيقي الذي يذكرني، وبالتأكيد يذكرك أنت أيضا بالبحث عن دواء يشفي أوطاننا من معاناتها، ويمسح عن وجهها شخبطة طباشير الرعب والخوف، وكثيرا ما ينتقدها بعنف، ربما تفيق، وفجأة سقطت دمعة من عيني.. لقد رحل "محمد الماغوط" صاحب مسرحية "كأسك يا وطني". رحل الكاتب، الشاعر التي ستظل كلماته كحد السيف، لا تعرف الالتواء أو مناورة اعداء الانسان، منحازا الي فقراء الوطن العربي في بحثهم عن الحرية هويتهم المفقودة، ولا يزال البحث جاريا، فهل رحل قرير العين؟!.. لا اعتقد، ولهذا ادعوك ان تتأمل معي قصيدته "جريدة الحائط" كتب: كنا أصحاب حق، فصرنا أصحاب سوابق/ نحن الزوايا الميتة في بناء العالم الجديد/ الأرض لمن يحترمها، لا لمن يملكها/ جميع الحقوق محفوظة ويكفلها القانون، قانون الطواريء طبعا/ الالتزام أصعب من الخيانة/ عمر الانسان بعمر شرايينه، وعمر الأنظمة بعمر سياطها/ لا أجهزة تنصت في الوطن العربي في أي مكان.. لأنه في الأصل لا احد يتكلم/ أكون جائعا لا أكتب، بل أقاتل/ هذه المسرحية ستكسر الدنيا. هذه الاغنية ستكسر الدنيا. هذا المسلسل سيكسر الدنيا، ولذلك الفن عندنا "حطام"/ نحن بناة الأهرام المعاصرون، ونزلاؤها الأبديون دون تحنيط أو صلاة أو عطور أو سياح/ لا أضلاع مثلثة في العالم، بل أضلاع محطمة/ لا أري في هذه الأيام قصيدة حديثة أو قديمة، بل في منابع البترول/ لا أراهن علي نفاد الخبز أو الماء، بل علي نفاد الصبر/ ما جدوي أن يكون النظام من حديد والمواطن من زجاج/ العرب كطائرة الهليكوبتر ضجيجها أكثر من سرعتها/ رغم التطور المذهل في عالم الطب والاتصالات والمواصلات فإن العربي لن يشفي من شيء، ولن يصل الي شيء/ كان كل شيء عابرا ما عدا الأوطان، والآن صار كل شيء خالدا ما عداها.