يفضل هذا الطبيب الكشميري طويل اللحية، عدم ذكر اسمه ويمتنع عن الإدلاء بأية معلومات عن شحصيته، غير أنه واثق أتم الثقة من أن معسكر الناجين من كارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة، يتمتع بأفضل منشأة للرعاية الصحية في مدينة مظفر أباد كلها، علماً بأنها المنشأة التي تديرها منظمته. وكانت "جماعة الدعوة" التي يعمل فيها، قد اتهمت سابقاً بأن لها علاقات مع مجموعات إرهابية ناشطة في الطرف الهندي من إقليم كشمير. إلا أنها أصبحت تعد اليوم في مقدمة منظمات الغوث والعمل الإنساني الموجه للناجين من كارثة الزلزال. وهي منظمة لا تفتر همتها ولا تكل أو تمل، مثلما هو حال بعض المانحين والمنظمات الأخري، الحكومية منها وغير الحكومية. وكما قال الطبيب المذكور، فإن المعسكرات ستغلق يوماً ما، ما أن يعود الناجون إلي بيوتهم وديارهم، وتستنفد الغرض الذي أقيمت من أجله، أما نحن فباقون مكاننا. ومضي مستطرداً في القول إن منظمته ستقدم خدماتها في كل رقعة من البلاد، وفي كل قرية من قراها. وللحقيقة فقد أصبحت هذه المنظمة وغيرها من المنظمات والجمعيات الراديكالية الإسلامية، مؤسسات لا غني عنها في تقديم المساعدات الإنسانية، في أعقاب كارثة الزلازل التي ضربت إقليم كشمير الباكستاني في الثامن من أكتوبر عام 2005. وتلقي الجهود التي تبذلها هذه المنظمات والجمعيات في مجال الإغاثة والعمل الإنساني، تقديراً عالياً من قبل الناجين الذين تستهدفهم هذه الجهود، فضلاً عن مشاعر الامتنان التي يكنها إزاءها المسئولون المحليون. غير أن هناك من المحللين، من يبدي قلقاً إزاء الدور الاجتماعي المتعاظم الذي تحظي به المؤسسات المذكورة. ومثار الخوف والقلق أن مثل هذا النشاط، سيفضي في نهاية المطاف إلي تقوية شوكة الإسلام الراديكالي المتشدد المتطرف، علي حساب الفكر المتسامح المعتدل في المنطقة. أما في مدينة بالاكوت القريبة من مظفر أباد، فيعرب ناصر عودين عن الكثير من مشاعر الفخر والاعتزاز بالسمعة الطيبة التي خلقتها منظمته "أمانة الرشيد"، مع العلم بأنها من بين المنظمات المحظورة في قائمة وزارة الخارجية الأمريكية، لاتهامها بأن لها علاقات مع تنظيم "القاعدة". لكن ولشد ما تنامت شعبية هذه المنظمة، حتي أن رئيسها عودين قال إن خيام معسكراتهم تكتظ بالمؤن والمواد الغذائية المنهمرة عليها في شكل منح وتبرعات عينية. وفي اللحظة التي كان يؤكد لي فيها أن منظمتهم إنما تعمل ابتغاء وجه الله ومرضاته، كان منهمكاً بفتح باب إحدي خيام المعسكر، فرأيت من خلاله ما يزيد علي مئة طفل من الأطفال الذين كانوا يتلقون درساً دينياً في تلك الأثناء. وقال عودين إنه لا يتلقي عوناً من أي منظمة من المنظمات غير الحكومية أو الدولية، لكونه موظفاً ومسئولاً حكومياً. لكن وفيما لو جاءته التبرعات من جهات أخري مشابهة، مثل "جماعة الدعوة" فما الذي يمنعه عن قبولها علي حد سؤاله؟ ويتولي مواصلة الإجابة عنه مسئول حكومي آخر _رفض ذكر اسمه- قائلاً إن كل ما يحتاجه الجائع هو لقمة خبز. وقد أسهم في هذا الجهد عدد كبير من الأفراد، من بينهم الرئيس برويز مشرف نفسه. وقد أدي كل ذلك إلي إكساب المنظمات الخيرية الإسلامية، شعبية غير مسبوقة من إسلام أباد وحتي كشمير. علي أن هناك أملاً في أن تتخلي المنظمات الإسلامية الراديكالية هذه _مثل جماعة "الدعوة" و"أمانة الرشيد" وغيرهما عن التطرف والتشدد، وتستبدلانهما بالعمل الخيري الاجتماعي، خاصة بعد أن رأت المكاسب التي يحققها لها عملها الاجتماعي الخيري. ولكن هناك من يعتقد أن جماعة "الدعوة" إنما تقتفي أثر حركة "حماس" الفلسطينية، التي تمكنت من الصعود إلي سدة الحكم وتحقيق مآربها وغاياتها السياسية النهائية، عبر بوابة العمل الإنساني الخيري.