فالكونفوشيوسية فلسفة اجتماعية إنسانية تدور حول البشر والمجتمع، وتؤكد علي سيادة القيم في المجتمع وتهتم بالجانب الإنساني والأخلاقي. د. نادية حليم باحثة سياسية مصرية متخصصة في الشئون الصينية اعتبر مفهوم الثقافة السياسية منذ ظهوره أحد المفاهيم الكبري في علم السياسة، إذ بدا واعداً بتجاوز كثير من المشكلات المثارة فيه، لا سيما تلك المتعلقة بكيفية تأثير الناس علي النظام السياسي وطبيعة تفاعلهم معه، علي المستويين الكلي Marco والجزئي Micro. لقد نظر إلي الثقافة، ومن ثم الثقافة السياسية، كمفهوم قد يتجاوز الأفراد، وإن كان لا ينكر حركتهم كلية.. إذ أن الأفراد ينشئون بالفعل في إطار ثقافة ما، لكنهم أيضاً ينتجونها أو يعيدون إنتاجها، ومن ثم، أشارت دراسات عديدة لاختلاف أنماط القيم والاتجاهات والمعتقدات من بلد لآخر، بل وداخل نفس البلد، وذلك تبعاً لاختلاف تجارب الحياة، والخبرات التاريخية، ومستوي التعليم، والمستوي الاقتصادي والاجتماعي.. وفي ضوء ذلك شاع استخدام الاقتراب الثقافي لتفسير هذا الاختلاف، وبدا أن ثمة ارتباطاً بين طبيعة الثقافة السياسية السائدة في مجتمع ما، وطبيعة النظام السياسي القائم في هذا المجتمع، فضلاً عن تأثيرها علي الاستقرار السياسي. فمع تطور علم الاجتماع خلال القرن التاسع عشر، بدا الاعتراف بأهمية العوامل الثقافية والدينية في تفسير الظاهرة السياسية والاجتماعية.. فقد أولي .سان سيمون. Saint Simon الاتجاهات الأيديولوجية الدينية أهمية تفوق ما للاتجاهات الاقتصادية في الحفاظ علي الاستقرار وتحقيق التقدم الاجتماعي، كما نظر .أوجست كومت. Comte إلي المجتمع باعتباره نسقاً من الأفكار الأخلاقية العامة. أساساً - من إبداعات فكر رجلين عظيمين هما .كونفوشيوس. و.ماوتسي تونج.، اللذان كان لهما أعمق الأثر في تاريخ الصين القديم والمعاصر، ولا يبالغ إذا قيل أن لهما أعمق الأثر في تشكيل الهوية الصينية، هذا بالإضافة لما خلقه تعامل الصين مع العامل الخارجي من ندبات علي وجه الثقافة السياسية الصينية. الواقعي. وهي صفة قديمة اتصف بها الصينيون وتعني سرعة تكيفهم مع الأوضاع وقد ساعدت علي مدي استجابة وتأقلم المجتمع مع المتغيرات والأوضاع المستحدثة. وتعتبر الثقافة السياسية الكونفوشيوسية شقاً أساسياً من الثقافة العامة، كما تعد الكونفوشيوسية واحدة من أقدم الثقافات والحضارات علي مر التاريخ، وتتميز الحضارة الصينية بعنصري الاستمرار والاستقرار.. وعلي مستوي الثقافة السياسية شهدت الصين دولة المؤسسات السياسية منذ 1500 سنة ق.م وكان ذلك في عهد أسرة شانج، وقد شكلت هذه الثقافة الكونفوشيوسية الشخصية القومية للمجتمع الصيني وما تتسم به من تقاليد مميزة، وتعتبر الكونفوشيوسية، والماوية إحدي أهم جذور وركائز الثقافة الصينية. فقد كانت الكونفوشيوسية مصدر إلهام هام للثقافة الصينية عبر قرون عديدة وكان أهم تأثير لها هو الاعتقاد بأهمية المحافظة علي الحياة الإنسانية العظيمة، ورعايتها وقد ارتبط هذا الهدف بكل أوجه الحياة وبصفة خاصة بالسياسة والأخلاق، ومن ثم فقد كان هدف هذه الثقافة الكونفوشيوسية يدور دوماً حول كيفية جعل المرء عظيماً، ولهذه العظمة للثقافة الكونفوشيوسية وجهان: الوجه الأول للثقافة الكونفوشيوسية: هو وجه داخلي ويتمثل في شموخ الروح التي يعبر عنها سلام الفرد مع نفسه ورضاؤه لكماله. الوجه الثاني للثقافة الكونفوشيوسية: هو وجه خارجي ويتمثل في .القدرة علي العيش بصورة جيدة علي الصعيد العملي مع الشعور بالعزة في السياق الاجتماعي.. وقد تبلورت هذه العظمة في المثل الصيني الذي يقول .بالحكمة في الداخل والنبل في الخارج.. وتعتبر .الكونفوشيوسية. الفلسفة الأخلاقية ذات النظرة الاجتماعية والكونية للحضارة الصينية كما تمثل جوهر فكر الثقافة السياسية الصينية، وتعتبر أفضل طريقة لفهم الشعب الصيني هو فهم أفكار .كونفوشيوس. 479 ق.م. والذي كان موظفاً حكومياً في إحدي حكومات النبلاء والإقطاعيين بعد انهيار الحكم المركزي لأسرة تشو في نهاية القرن السابع .ق.م.، وقد جمع تلاميذه كتاباته وآراءه في شكل حوارات - كحوارات سقراط التي جمعها تلميذه أفلاطون - ونشرت تحت اسم .المنتخبات. والتي أصبحت تسمي .المعرفة العظمي. فيما بعد. فالكونفوشيوسية فلسفة اجتماعية إنسانية تدور حول البشر والمجتمع، وتؤكد علي سيادة القيم في المجتمع وتهتم بالجانب الإنساني والأخلاقي، وهو الأمر الذي حال دون اكتسابها أي أساس للتطرف أو التعصب شأنها في ذلك شأن أي فلسفة أخلاقية ومثالية، ويؤمن .كونفوشيوس. بأن حل المشاكل الاجتماعية يكون عن طريق التحلي بالسلوك الحميد، وتوقير الكبار، والعطف علي الصغار، والأمانة، والتحكم في الانفعال بما يضمن استقرار المجتمع وبدون ذلك فلن يوجد إلا الفوضي.. وفي المجال السياسي فقد عرف .كونفوشيوس. الحكومة الصالحة بأنها التي تعمل علي إسعاد رعاياها، كما أكد علي حق المواطنة المستنيرة Enlightened Citi.enship واعتبرها ركناً أساسياً وضرورياً من أركان النظام، وذلك علي اعتبار أن الحكم هو تفويض من السماء للحاكم مشروطاً بالالتزام بالقيم والأخلاق في الحكم، والتحلي بالأخلاق والعمل علي رفاهية شعبه.. فالفقر يولد الجريمة وعدم الاستقرار في المجتمع، كما أنه علي الحاكم أن يعطف علي الرعايا الأجانب المقيمين في بلاده، وفي حالة عدم التزام الحاكم وتحليه بالصفات المذكورة فإنه يفقد التوكيل الممنوح له من السماء. ويمكن القول بأن الصين أصبحت تعتمد علي الحكمة الصينية كما عبر عنها كونفوشيوس في رده علي سؤال حول عالم الميتافيزيقا والغيب بقوله: .إننا لم ننته من اليوم ومن بناء عالم الواقع حتي نفكر في عالم الميتافيزيقا وعالم ما بعد الطبيعة..