فى خطابه أمام القمة المغربية – الخليجية التى عُقدت بمدينة الرياض السعودية أبريل الماضى أكد الملك المغربى محمد السادس على خطورة الموقف الراهن الذى تعيشه الأمة العربية فى ظل اختلاط الأوراق وضبابية الرؤية فى معرفة الصديق من العدو, ثم تساءل " فماذا يريدون منا ؟ " . تشكل اللحظة الراهنة التى نحياها فى المنطقة منعطفاً شديد الخطورة, حيث تحاول العديد من الدول العربية مصارعة الوقت للبقاء على قيد الحياة, وتتراجع معه أهمية القضية الفلطسينية خاصة أن ما يشغل الأنظمة العربية الآن لم يعد تلك القضايا التحررية ومناهضة الاستعمار كما كان فى حقبة الستينيات من القرن الماضى . 68 عاماً مضت على إعلان الكيان الصهيونى فى 15 مايو عام 1948, ارتكب خلالها الصهاينة المجازر واستباحوا الأرض والإنسان, ومع مضى الوقت تراجع ترتيب القضية الفلسطينية فى سلم أولويات الحكام – وربما – الشعوب العربية, وإذا كان المفكر كلوفيس مقصود الذى رحل عن دنيانا منذ عدة أيام قد عنون مقالة له بصحيفة " الحياة " اللندنية فى عام 2005 " فلسطين (قضية مركزية).. أم أنها تراجعت تدريجياً؟ " فإن السؤال أجدى أن يُطرح الآن . يذهب مقصود فى مقالته هذه إلى غياب الالتزام العربي بفلسطين كقضية,وطالب فى الوقت نفسه بتوحيد الجهود على مستوى الأمة أو ما أسماه " بترميم الموقف " كى يكون ضمانة لردع الاستباحة المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني, لكن القضية منذ 2005 وحتى اللحظة شهدت تراجعاً مخيفاً وتوقفاً لمسيرة السلام الوهمية التى يحاول الصهاينة من خلالها كسب الوقت ريثما يفنى العرب جميعاً, وتشهد أيضاً كما قال الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى كلمته التى بثها " تليفزيون فلسطين " يوم السبت 14 مايو الجارى بمناسبة ذكرى النكبة " إن حكومة الاحتلال الحالية تقوم بكل ما من شأنه إنكار وجودنا الوطنى ورفض قيام دولتنا على ترابنا وتدمير حل الدولتين والاستمرار فى سياسة الاستيطان وغطرسة القوة والإعدام بدم بارد بل والتعدى على المقدسات الإسلامية والمسيحية وبخاصة فى القدس الشريف – عاصمتنا الأبدية – وإطلاق العنان لعصابات المستوطنين لتعيث فى الأرض فساداً وترتكب أبشع الجرائم " . لكن ما أثار انزعاجى حقاً ما قرأته فى دراسة صادرة عن " مركز كارنيجى " بعنوان " فلسطين تتلوّى.. من البحث عن دولة إلى البحث عن تكتيكات " جاء فيها " ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر 2015، فإن 29 % من الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة يدعمون حلّ الدولة الواحدة، ارتفاعاً من 12 % فقط في أكتوبر 2003 … " المقصود بالطبع حل دولة واحدة مع الصهاينة, فمن الممكن أن يدفع اليأس البعض لاتخاذ مواقف – ربما – يراها وقتية حتى ينصلح الحال ولا تستطيع بدورك أن تلوم الضحية, لكن الشباب الفلسطينى له على ما يبدو رأي آخر حيث هب رافضاً لكل المداهنات والمماحكات المرفوضة . ما شغل بالى وأنا أخط هذه الكلمات ليس سرد وقائع تاريخية عن قضية فلسطين لأنه من السهل البحث فى شبكة الإنترنت عنها ومنها مثلاً ما تذكره التقارير عن وجود 6 ملايين لاجىء الآن بعضهم لا يزال يحتفظ بمفاتيح منازله, , أيضاً ما أورده مركز الأسرى للدراسات عن وجود مليون أسير منذ بدء الاحتلال منهم من أُعدم, لكن ما أردت التأكيد عليه هو استشراف المستقبل, وأين نقف, وإلى أين نحن ذاهبون ؟! بقراءة تقارير ومقالات صادرة عن مؤسستين تعنيان بالشأن الفلسطينى ومقرهما بيروت هما " مؤسسة الدراسات الفلسطينية " و" مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات " تكتشف – دون عناء – ألا حل فى الأفق وربما مزيداً من التعقيد,ففى الملخص التنفيذى للتقرير الاستراتيجى الفلسطينى ( 2014 – 2015 ) الصادر عن المركز يقول "وتبدو نقطة التحول – صراعات العالم العربى حالياً – هذه أكبر خطر يتهدد القضية الفلسطينية في المرحلة الحالية " ويرى أيضاً عدم وجود تحولات جوهرية للقضية خلال العامين المقبلين, بدوره رأى مروان البرغوثى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وعضو المجلس التشريعي، والأسير في سجن هداريم الصهيونى فى مقالة له من وراء الجدران بعنوان " نحو توليد نخبة سياسية جديدة " بمجلة الدراسات الفلسطينية الصادرة عن المؤسسة السابقة أن انتفاضة الشباب الأخيرة بالسكاكين والدهس للصهاينة فتحت المجال أمام تصويب المسار وتوضيح الرؤية, حيث من العبث الادعاء بأن السلطة الفلسطينية تقود حركة تحرر فى حين تُنسق أمنياً مع مسئولى الكيان الصهيونى, وقال " فالتكلس يحول دون التجديد، ودون السماح للشباب باستلام مواقع قيادية تمكّنهم من التأثير في السياسات والمواقف، بما في ذلك إنقاذ المشروع الوطني ", فالمطلوب إذن ضخ دماء جديدة فى شرايين الحياة الفلسطينية بصفة عامة واستعادة الخطاب التحررى من وجهة نظر البرغوثى . ومن المؤسف ما ذكره تقرير الزيتونة السابق نقلاً عن أحد المسئولين الأمنيين الفلسطينيين بأن هذا التعاون الأمنى أحبط نحو مائتى هجوم ضدّ إسرائيليين في الأشهر الثلاثة الأولى لانتفاضة القدس, على الرغم من قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير في 5 مارس من العام الماضى بوقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في سائر الاتفاقيات مع الاحتلال, ويبقى السؤال " ماذا يريد الصهاينة من الفلسطينيين ؟ ! " لعل الإجابة عند الرئيس الفلسطينى حيث قال فى كلمته المتلفزة السابقة "… وترتكب أبشع الجرائم بحق شعبنا ما يهدد بتحويل الصراع إلى صراع دينى هو الأكثر استعصاءً على الحل وسفكاً للدماء ولاينتهى إلا بالإبادة أو التهجير .", وهذا ما أتفق فيه مع الرئيس عباس ألا وهو التخلص من القضية الفلسطينية برمتها عن طريق التخلص من البشر لكننى أعتقد أن الصهاينة واهمون, فإرادة المقاومة لدى الفلسطينى لا تزال على مستواها ويكفى أن تقرأ كلمات والد الشهيدة أشرقت طه ذات ال 16 ربيعاً والتى قضت نحبها على أيدى القوات الصهيونية بعد محاولتها طعن فتاتين من المستوطنين كانتا تقفان في محطة للحافلات رداً على شروطهم لتسليم جثتها, حيث رفض هذه الشروط والتى تقضى بدفن الجثامين ليلاً بمشاركة عدد قليل من أفراد العائلة ومن دون مسيرات شعبية وقال بأنه لن يتسلم الجثة "حتى لو احتُجزت مئة عام.", باب آخر للمقاومة – لكن بالكلمة – حاول الباحث والدكتور الفلسطينى بمعهد بروكنجز إبراهيم فريحات أن يطرقه – على الرغم من تعويلى على الوحدة الفلسطينية – فى مقالة له على موقع المعهد بعنوان " لإنقاذ إرثه السياسي في الشرق الأوسط، لا بدّ أن يعترف أوباما بدولة فلسطينية الآن " وختمها بقوله " سيدي الرئيس، اعترف بفلسطين الآن." ومن يدرى ربما يدفع ذلك الأمور فى الاتجاه الصحيح . ولا أرى أفضل من تلك الكلمات التى كتبها أحد شباب الانتفاضة الأخيرة " بهاء عليان " صاحب ال 22 ربيعاً وهو منفذ إطلاق النار داخل حافلة إسرائيلية في القدس تسببت فى استشهاده ومقتل وجرح ثلاثة إسرائيليين أكتوبر من العام الماضى,لأختم بها حيث كتب على صفحته الشخصية على الفيسبوك " سأصنع للوطن انعكاساً بالماء ..وأعطيه حقه من النرجسية .. لعلي أموت وأنا مفتون بجماله " [email protected]