الفلوس وانحراف الفاتنات والفاتنين وظيفة الفن ليست وظيفة وزارة الصحة ، او وزارة الشئون الاجتماعية، وليس مطلوبا من الفن في كل مايقدمه ان يعالج المشكلات ، ويضع لها الحلول ، لكن من المهم ايضا الا يتحول كاتب الدراما الي مجرد ناسخ شاطر لمشكلات الواقع من اجل المتاجرة بهذه المشكلات .والمزايدة بها وعليها. لنا أن نتخيل مئات الافلام التي تلعب فيها الفلوس الدور الرئيسي والأوحد في خراب البيوت ، وفساد الذمم ، وانحراف البطلات ( الفاتنات ) ، وضياع الأبطال ( الفاتنين ) . هذا غير انهيار العلاقات بين الاخوة والأخوات . في افلام زمان كان النصر دائما في جانب الحب والصداقة في مواجهة (الفلوس) اللعينة ، لكن في هذا العصر ولان ( الفلوس ) أصبحت هي دينامو الحياة وبواسطتها نستطيع ركوب السيارة والتسوق في احدث المجمعات وقضاء الصيف في أسبانيا أو في مارينا، وشراء البامبرز واقتناء عطورات ميريام فارس . لان أهمية ( الفلوس ) أصبحت كذلك فإن اغلب الافلام والمسلسلات ومنذ التسعينيات ، كرست مقولتي ( الرزق يحب الخفية ) و (فتح عينك تاكل ملبن ) ، وهذا الملبن من الممكن أن يكون ( خبطة ) العمر التي تأتي عن طريق تهريب شحنة مخدرات ، أو عن طريق ( نصبة ) ينصبها ( بطل الفيلم ) علي نصاب آخر . كانت مشكلة كبيرة ، وسهر ليال طويلة ، إذا حدث وقرر بطل الفيلم أن يقتل عمه العجوز للحصول علي الذهب الذي يخفيه في عمود السرير . واذا حدثت عملية القتل فإن البطل يقع صريعا لتأنيب الضمير ، وسرعان ما ينتحر أو يسلم نفسه للشرطة لتأخذ العدالة مجراها ، وفي كل الحالات كان هذا البطل المجرم يبدي علامات الندم ويكاد يبوس القدم ، ليعتذر لنا عن جريمته النكراء . في افلام اخري كان البطل عندما يرتشي فلا بد لكاتب القصة أن يسوق لنا مبررات تكفي واحدة منها لكي يذرف المشاهد الدموع ( بحورا وانهارا ) ، تعاطفا مع هذا البطل المسكين الذي اقدم علي فعلته الشنعاء . صورة البطل النبيل يبدو أنها علي وشك الاختفاء ، فالبطل المعاصر علي استعداد دائم لقتل أمه إذا استدعي الأمر ، ومن السهل عليه ان يرمي زوجته من الطابق العاشر اذا رفضت ان تصنع له كوبا من الشاي . ولايكتفي بهذا وانما يكون هذا البطل في حالة استعداد لاطلاق النار علي كل من تسول له نفسه الاقتراب منه باعتبار ان القتيلة هي امه وهو حر فيها ! أو هي زوجته والشرع اعطاه الحق في تأديبها ! واصبح بطلنا لايخجل من تلقي الرشوة باعتبار انها حق شرعي طالما انه ( يسلك ) مصالح الاخرين .واذا كان هذا البطل موظفا صغيرا فإن الرشوة ليست برشوة وانما هي هدية صغيرة ( والنبي قد قبل الهدية ) اما اذا كان البطل وزيرا مهما او مسئولا كبيرا فإنه بدعوي الجهود العظيمة التي يبذلها رجال الحكومة في خدمة الشعب ، فان الرشوة هي هبة ومنحة رسمية تقديرية من قبل الحكومة لمن يخدمه بأمانة واخلاص !! كما ان اهل الحكومة هم اولي من غيرهم بالتمتع بالدخل القومي للبلاد . ! القتل والتآمر والخيانة والزواج بامراة ثانية من وراء ظهر الزوجة الاولي ، واعلاء قيمة المال علي اية قيمة اخري ، وافتقاد الحب والصداقة وانهيار العلاقات الاسرية ، كل هذا وغيره اصبح هو الشغل الشاغل للدراما المصرية . سواء السينمائية او التليفزيونية او الاذاعية . ويتساوي في ذلك ( اهل كايرو ) مع ( اهل الصعيد ). ويحدث ذلك مع زوجات الحاج متولي كما يحدث لأزواج الحاجة زهرة !. الموضوع ليس عمل مقارنة وتفضيل بين الدراما القديمة والجديدة لان لكل عصر ملامحه الخاصة به ، ولكن الموضوع يختص بحالة استسهال كتاب الدراما عندنا في التركيز علي القيم السلبية في حياتنا (حتي اذا كانت هي الغالبة )، وعدم التطرق الا في ما ندر الي الصور المضيئة التي تدفعنا لمواصلة الحياة . نعم الحياة اصبحت بطعم المر ، وارتدي النهار حلة السواد ، ولم يعد يجدي اضاءة الشموع التي تكالبت عليها لعنات الظلام . لكن فعل الميلاد مازال يحدث كل يوم ليحرك فينا الرغبة في رسم الواقع بلون الامل . وظيفة الفن ليست وظيفة وزارة الصحة ، او وزارة الشئون الاجتماعية ، وليس مطلوبا من الفن في كل مايقدمه ان يعالج المشكلات ، و يضع لها الحلول ، لكن من المهم ايضا الا يتحول كاتب الدراما الي مجرد ناسخ شاطر لمشكلات الواقع من اجل المتاجرة بهذة المشكلات .والمزايدة بها وعليها. [email protected]