بلاغ من أحد راغبي الشهرة تقدم به إلى النائب العام المستشار الجليل هشام بركات يطالب من خلاله التفريق بين الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى وزوجته لارتداده عن الإسلام !! . وأستند مقدم البلاغ في بلاغه لتسبيب طلب التفريق إلي أن عيسى ظهر فى إحدى القنوات الفضائية في رمضان الماضي وسب الرسول (ص) ! و أنكر فرضية الحجاب ! الأمر الذي يراه مقدم البلاغ قد أخرجه من زمرة المسلمين . ورتب علي هذه المقدمة الملغومة وجوب تطليق زوجة إبراهيم عيسى لأنه بخروجه من الإسلام بتصريحاته فلا يجوز دينيًا أن تظل زوجته المسلمة فى عصمته !! . ما أشبه الليلة بالبارحة فما يحدث سيناريو قديم يطل برأسه كل حين سبق أن سيق مع المرحوم الدكتور نصر حامد أبوزيد من مصر عندما رفعت دعوي الحسبة التي رفعت ضده لتفريقه عن زوجته الدكتورة ابتهال يونس ، وكانت من أشهر قضايا تكفير الكُتاب في القرن العشرين، وقد صدر فيها حكم قضائي نص علي تفريقه عن زوجته بحسبانه مرتداً. وتسبب هذا الحكم والجدل حوله آنذاك في إلغاء قضايا الحسبة من هذا النوع فيما بعد. إلا أن المثير أن الدكتور عبد الصبور شاهين، صاحب التقرير الفني الذي استندت إليه الدعوي القضائية، أنكر فيما بعد أنه قام بتكفيره أو أنه رضي بذلك. وقد كان ولا يزال الدكتور نصر أبو زيد مادة خصبة لمئات من الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية.. ولا ريب أن موقف أبو زيد من التراث وطريقة تناوله له قد جرت عليه ويلات كثيرة صار فيها غرضاً لسهام النقد والتشويه، حتي تواضع الكثيرون علي رميه بالكفر والفسق الصريح. وأشهد للرجل وهو بين يدي بارئه كان يصدح كل عشية وضحاها أنه علي ملة الإسلام وإن كان له فهم خاص لنصوصه يختلف مع البعض . ويقيناً أنك قد تختلف مع الرجل، وقد ترفض بعضاً أو كثيراً مما سطره ، لكنك لن تستطيع بحال مهما بلغت هوة الخلاف أن تخرجه من الملة أو ترميه بالفسق والكفر البواح، فالرجل كان يصدر في فهمه للتراث من خلفية معتزلية لها مذاق صوفي، معولاً في فهمه للنص القرآني علي الجانب اللغوي من خلال ثقافة الإنسان وبيئته المرتبطة بالنص عند تنزيله. وقد سبقه الكثير من أئمة المعتزلة والسادة الصوفية في ولوج هذا الطريق لفهم الكتاب العزيز، ولم تضق بهم عقول وقلوب الآخرين المعاصرين لهم كما ضاقت بنصر أبوزيد. كان الرجل مهموماً بالمنهج التأويلي القائم علي البحث عن المعاني الخفية وراء المعاني الظاهرة في الكلام، مؤمناً أن الخطاب الإلهي يحتوي علي تعددية تجعله مفتوحاً لآفاق التأويل والفهم لما يتميز به من ثراء لغوي. وهو المنهج الذي أسس له الفيلسوف ابن عربي.. الفيلسوف المتصوف أحد أشهر المتصوفين والذي لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفية «بالشيخ الأكبر». والدكتور نصر أبو زيد وهو في ذمة الله لا يستطيع أشد العقلاء المخالفين لمنهجه في التفكير أن يلبسه ثوب التكفير، فاختلف مع فكر الرجل كما شئت لكن لا تستطيع إن اتَّقَيْتَ اللَّهَ أن تضع في موازينك يوم القيامة ذنب ثقيلاً قوامه تكفير رجل مات وهو يقول لا اله إلا الله محمد رسول الله . ما تم ممارسته من قبل مع المرحوم الدكتور نصر أبو زيد يعاد مع الأستاذ إبراهيم عيسي رغم نزع الآلة القانونية المتمثلة في دعوي الحسبة وإبطالها ، وبغض النظر عن حب الشهرة والصيت الذي يدفع البعض لمثل هذه الدعاوي فأنها تكشف عن آفة خطيرة تفتك بمجتمعاتنا الإسلامية وتزيدها تمزيقاً وتعمّق شقة الخلاف بين طوائفها وأبنائها وهي محاولة كل شخص أو جماعة احتكار الشرعية والهداية والاستقامة لنفسها وسلبها عن الآخرين واتهامهم بالفسق والخروج عن جادة الشريعة، وهذا مظهر من مظاهر تكفير الآخر، وممّا يُؤسَف له تهاون مجتمعاتنا إزاءه، وهو ما يؤدي لزيادة هوة الخلاف ومساحة الاختلاف ، و تضيع معه المقاييس الأخلاقية والشرعية للخلاف في الرأي ، ويغدو الآخر سوداوياً قائماً، ويحول الشنآن دون أن تُرى له حسنة واحدة . واستشري الأمر وصار يحصل بين أبناء المذهب الواحد، أمّا لو خرجنا إلى دائرة المذاهب المتعدّدة، فضلاً عن الأديان المتنوّعة، فسنرى أنّ أخلاقيات الخلاف وآدابه وضوابطه الشرعية تتلاشى بصورة ملحوظة وتسقط معه الكثير من المحرّمات والخطوط الحمراء ، ويُستباح الآخر ولا يبقى له حرمة ولا لأهل بيته ، ويعزّز ذلك الفتاوى التكفيرية التي تنطلق من هنا وهناك، فتنزع الحرمة عن أتباع المذهب الآخر والفكر المخالف ، وتُشَرْعِنْ غِيْبَتهم ولَعْنهم وسبّهم.. حتي وصلنا لاستباحة دماءهم وأعراضهم وأموالهم . وللحديث بقية بمشيئة الله إن كان في العمر بقاء ..