أسبوع كامل خرجنّ فيه بلا كلل، لا يحملن معهن سوى "طرومبيطة" (طبلة كبيرة) ووشاح أصفر يضعنه على جباههن، وإسبراي "زجاجة مملؤوة بسائل ملون" لتكتب إحداهن على حائط الجامعة ما يجول في خاطر زميلاتها من عبارات احتجاجية. ذلك هو حال رابطة "ألتراس بنات أزهري"، اللواتي يطلقن صفة "الانقلاب العسكري" على الإجراءات التي اتخذها الجيش المصري في ال 3 من شهر يوليو، وأسفرت عن عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ومن خلال مسيراتهن الاحتجاجية داخل أسوار جامعة الأزهر، والتي بدأت مع انطلاق الدراسة بالجامعة يوم السبت قبل الماضي، تطالب عضوات الرابطة، التي تعد أول رابطة "ألتراس" نسائية - سياسية في مصر، بعودة ما يطلقن عليه ب"الشرعية الدستورية"، في إشارة إلى عودة مرسي للحكم، وعودة العمل بدستور 2012 الذي تم تعطيله، وعودة مجلس الشورى. وتشكلت في الأعوام الأخيرة روابط التراس نسائية لتشجيع اندية كرة القدم الشهيرة في مصر مثل الاهلي والزمالك. الهتافات الاحتجاجية التي يصدحن بها والصخب الصادر عن الطبلة التي يحملنها بدأ مشهدا غير مألوفا على طالبات جامعة مثل جامعة الأزهر اللواتي يتمتعن بمظهر محافظ، إلا أن عضوات رابطة "ألتراس بنات أزهري" لهن ما يبرر ذلك. وحول ذلك تقول ندى عبد الرحمن الطالبة في كلية الدراسات الإسلامية والمتحدثة باسم الرابطة: "عندما بدأت الدراسة في الجامعة (السبت قبل الماضي) وجدنا أنفسنا بنات فقط في جامعتنا، ففكرنا أنه يجب أن نتحرك ويكون لنا دور، تحركنا في مسيرات". وتضيف لوكالة الأناضول: "خشينا أن يكون تحركنا صامتا ولا تصل الرسالة، فوجدنا أنفسنا نهتف ونحضر طرومبيطات وبعدها فكرنا في تأسيس رابطة الألتراس". وتشير إلى أن عضوات الرابطة "لسن متظاهرات حديثاً، حيث شاركن في جميع الفعاليات ضد الانقلاب"، على حد وصفها. وبحسب ندى، تأسست الرابطة في البداية من 15 فتاة، قبل أن ينضم لهن المئات في وقت لاحق. وتلفت إلى أن الرابطة تستعد لعدة فعاليات احتجاجية خلال الأسبوع الجاري بينها عروض فنية تعبر عن فكرة التظاهر ضد "الانقلاب". يقطع حديث ندى صوت فتاة تهتف بحماس قائلة: "افتح محضر واثبت حالة جامعة الأزهر كلها رجالة". وتضيف لوكالة الأناضول - مفضلة عدم الكشف عن هويتها - "لا نتخيل أن نُقبل على حياتنا وندرس وزملائنا موزعون بين قتلى ومعتقلين، وأخرون مثلنا موجعون، سنظل نهتف ضد الانقلاب، مهما حاولوا أن يعترضوا طريقنا، فما زال أمامنا الكثير لنفعله". وعلى بعد أمتار، وقفت آية عبد الرازق إحدى طالبات جامعة الأزهر ومنسقة بالرابطة تخاطب زميلاتها اللواتي كن ملثمات مؤكدة على ضرورة الالتزام بسلمية فعاليتهن، قائلة: "لن نتبع أسلوب الاشتباكات أبدا .. فكرتنا سياسية ونريد أن تصل، وغدا نرتدي وشاح رابعة في وجوه جميع من يؤيدون الانقلاب داخل الجامعة". ووشاح رابعة مرسوم عليه شارات "رابعة"، وهي عبارة عن كف ترفع 4 أصابع في إشارة إلى اعتصام "رابعة العدوية" لمؤيدي مرسي الذي سقط فيها أعداد كبيرة من القتلى والجرحى خلال فضه بالقوة في منتصف أغسطس. وفسرت آية لجوء بعض المشاركات في الرابطة إلى تغطية وجوههن، قائلة: "بعضنا يغطي وجهه بشال أصفر (لون خلفية شارات رابعة)، حتى نتجنب أي تصعيد من جانب الجهات الأمنية، وهذا لا يعني أننا خائفين، لكننا نحافظ على أنفسنا حتى نستطيع الاستمرار ولا نفقد عددنا". وتتفق "مريم" مع ما ذهبت إليه "أية" بشأن تغطية الوجوه أثناء التظاهر بالطرومبيطة، حيث تقول: "نحن نجوب الجامعة من 3 إلى 4 مرات في المسيرة الواحدة، وأمن البوابات يعرفنا بالشكل، فلو تركنا وجوهنا مكشوفة سنتعرض للمضايقة أو القبض علينا". وتروي مريم موقف تقول إنها تألمت بسببه كثيرا، قائلة: "بطبيعتي عندما أدخل مكان أتعرف على الناس وأوطد علاقتي بمن حولي، وخاصة في الجامعة حيث أننا بنات فقط، والعاملات داخل الكلية يعرفوني جيدا، لكن المؤلم أنه بالرغم من معرفتهم بي وبزميلاتي لكنهم ما اكتشفوا أننا نتظاهر بدأوا ينظروا لنا نظرات سيئة ويهينونا". وبصوت مخنوق تضيف: "ظلمهم صعب لكن ما يهونه تفاعل الطالبات الكبير معنا، رغم أننا كنا متخوفين من أن العدد يكون قليل لكن ما شاء الله كل يوم ينضم وجوه جديدة". ورغم حديث مريم وزميلاتها الحماسي، لكن هذا النمط من الحراك قوبل بانتقاد من عدد من شباب الحركات الإسلامية المؤيدة للرئيس السابق محمد مرسي خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي نقاشات إلكترونية اعتبر عدد من هؤلاء الناشطين أن أداء مجموعات الألتراس المتسم بالخشونة والعنف "لا يتوافق مع طبيعة المرأة". لكن مريم عبد الوهاب، إحدى طالبات الأزهر التي لم تنضم بعد إلى رابطة "ألتراس بنات أزهري" تخالف وجهة النظر هذه. وحول ذلك، تقول لوكالة الأناضول: "بغض النظر عن المسميات، لكن تظاهرنا بالطرومبيطة داخل الجامعة وسيلة تعبير عن فكرة نؤمن بها، وليس بها أي إساءة لأحد، بالعكس فهي تحمل دلالة أننا نفعل كل ما في وسعنا برغم الضغوطات". وانتقلت فكرة روابط مشجعي الكرة (الألتراس) من أوروبا إلى أفريقيا عام 2000، وتحديدا إلى تونس بسبب الجيوغرافيا (القرب من إيطاليا)، وبعدها بدأت في الانتشار ببلاد أخرى مثل مصر والجزائر والمغرب. وظلت روابط الألتراس في مصر بعيدة عن مجال السياسة، حتى انخرطت فيها بقوة مع حلول ثورة 25 يناير 2011، والفعاليات السياسية التي شهدتها المرحلة الانتقالية التي أعقبت الثورة والتي لا زالت مستمرة للآن. وعادة يكون تواجد الفتيات في فعاليات الألتراس "محدود" حيث يرفض أعضاء الرابطة تواجدهن في كثير من الفعاليات أو حتى اعتصامهن. وتتراوح أعمار المنتسبين إلى مجموعات "الألتراس" ما بين 14 إلى 30 عاما، تجمعهم مبادئ وأفكار ثابتة من الولاء الشديد للنادي ودعمه بكل قوة، ولهم أدواتهم الخاصة للتشجيع، مثل الأعلام والدفوف والشماريخ (الألعاب النارية) واللافتات والأناشيد الخاصة. وعلى مدار أكثر من عامين عقب ثورة 25 يناير، شاركت مجموعات الألتراس في العديد من المليونيات، كما كان لها دورا بارزا في أحداث محمد محمود الأولى في نوفمبر 2011، التي شهدت مواجهات بين الشرطة ومحتجين أسفرت عن مقتل العشرات. وفي الانتخابات الرئاسية الماضية، ظهرت مجموعات مختلفة من الألتراس من بينها "ألتراس نهضاوي" الذي كان يرشح الرئيس السابق محمد مرسي، كما شكل على ذات الغرار مؤيدو المرشح الرئاسي المستبعد آنذاك حازم أبو اسماعيل، مجموعة "التراس النور" و"ألتراس حازمون"، وكذلك شكل مؤيدو كل من المرشحين السابقين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح روابط مماثلة.