يشغل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي في مصر نسبة مثيرة للدهشة تصل إلى 68.21% من إجمالي مستخدمي الإنترنت (الذين يركزون على موقع فيسبوك)، حيث يقضي الناس وقتهم في تصفح صفحات أصدقائهم أكثر من انخراطهم في محادثات أو في لقاءات معهم وجهًا لوجه. ومع قضاء المزيد من الوقت في تصفح التحديثات غير المحدودة للحالات والمشاركات والإعجابات، تصبح الحياة بلا طعم وتفقد معها المشاعر الإنسانية معناها. وانطلاقًا من خبرة شخصية، أصبحت الأخبار الواردة عن المذابح في سوريا وفقدان المئات تتساوى مع الأخبار الخاصة بمناسبات الميلاد الجديدة وأعياد الميلاد، بعد أن أصبح رد فعل جمهور الفيس بوك على أحداث الحياة السلبية والإيجابية معاً "الإعجاب" و"المشاركة". دعونا نتوقف للحظة لندرس ما هية "الإعجاب" و"المشاركة". في زمن ليس ببعيد، درجت العادة على استخدام "الإعجاب" للتعبير عن اتفاقنا الممتع بشأن فعل ما، وعلى أن يدعم هذا التعبير مساندتنا ورضانا على بعض ما يقوم به الناس مما يتفق وحالتنا العاطفية في ذلك الوقت، ومن ثم موافقتنا عليه. أما "المشاركة" فقد كانت دائماً هي الخطوة الإضافية التي نخطوها بعد الإعجاب، فهي التأكيد والوحدة بين الفعل والعاطفة بشأن هذا النشاط عينه لدرجة أن يرغب هذا الشخص في أن يظهر لجمهوره مساندته الكاملة (أو شدة نفوره في بعض الحالات، مثل أن يقوم مؤيدو الأحزاب السياسية المتنافسة بمشاركة أخبارهم بعضهم البعض، وإن كان ذلك نادر الحدوث). ونظراً للأحداث الحالية والاضطرابات العالمية في بعض المناطق، فقد لاحظت بنفسي انتقال متصفحي صفحات التسلسل الزمني الشخصية على الفيس بوك (timeline) بين مختلف أنواع الأخبار من كل حدب وصوب، وراقبت عواطفهم، وتحديداً تعبيرات وجوههم، وإيماءات الموافقة أو الاختلاف في بعض الأحيان، والابتسامات المصطنعة على تعليق من هنا أو هناك. وبمرور الوقت، أصبحت ردود الأفعال هذه أكثر خواءً، حتى أن منظر طفل مبتور الطرف في حرب أهلية أصبح يتساوى عاطفيًا مع صورة عيد ميلاد في حفل صديق آخر تعلو الخبر الأخير المنشور. وأخشى ما أخشاه هو أن يتسبب هذا التطور الأخير الشائه في الانخراط الاجتماعي، مثل "فيس بوك" وما على شاكلته، في المزيد من الضرر للنفسية الإنسانية. فهل ستساعد شبكات التواصل الاجتماعي الجديدة في إسدال الستار على ما اعتاد أن يكون تعبيرات إنسانية أصيلة نحو الغضب، والكراهية، والضحك، والفرح، لدرجة أن تزيل كل الحدود الواضحة الفاصلة بينها في طرفة عين، مما يحولها جميعًا إلى مفاهيم لا طعم لها ولا معنى في عقل القارئ؟ ولكي تجرب ذلك بنفسك (يمكن تطبيقه على الآخرين أيضاً)، قم بتوصيل حاسب محمول بالإنترنت واجعله في وضع الاستعداد للاستخدام، واطلب من أحد أصدقائك أن يدخل على صفحته على "فيس بوك"، ودعه يطلع على أنشطته على صفحته للتسلسل الزمني (timeline) وأن يراقب ردود أفعاله. وسوف تختلف النتائج المضمونة من مستخدم لآخر حسب الوقت الذي يقضونه على الإنترنت، ومدى انخراطهم وتفاعلهم مع أصدقائهم عبر الإنترنت. إلا إن أغلبية من يقضون الكثير من أوقاتهم على الإنترنت ستكون مشاعرهم المتوقعة هي مجرد شفاه جامدة لا تتحرك مع تغير المواقف. ومن التجارب الشيقة الأخرى، مشاركة قصتين مختلفتين لهما نهايتان متنافرتان عاطفيًا بين نقطتين زمنيتين لا يفصل بينهما الكثير من الوقت. وسيكون من المثير أن ترى أن متابعيك يتفاعلون مع هاتين القصتين على نحو مختلف. وهذا أمر، إن عرض على طبيب نفسي منذ 10 سنوات مضت فستصيبه الدهشة والحيرة، وربما يقوده ذلك إلى تصنيف هذا الشخص خطأً على أنه مصاب بانفصام في الشخصية. وهنا يطرح سؤال آخر نفسه: لماذا يعجب الناس بالحالات التي تخبر بوفاة أشخاص آخرين؟ ماذا يعني "الإعجاب" في هذا الموقف؟ هل يمكن أن يكون "إني أشعر بك"؟ أم "إني حزين لحزنك على فراق هذا الشخص"؟ أم أنه "تنفس الصعداء وشعور بالشماتة وأنك تستحق ما حدث"؟ ما الذي يمكن أن يعنيه الإعجاب لشخص فقد أحد أحبائه عندما يقرأ "جون مورجان معجب بحالتك: "لقد توفي أبي لتوه، ليرحمه الله"؟ أي عبث هذا بمزيج المشاعر الإنسانية؟ إننا في حاجة إلى أن نقيم الدور الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل النفسية البشرية، فنوعية الأخبار التي تتم مشاركتها وكيفية ذلك هي الأطراف الرئيسية في بناء اللبنات التي تشكل شخصيات البشر. ففي الماضي، لم يكن من السهل توقع الأخبار من حيث توقيت مشاركتها وكيفيتها. وإذا أردنا أن نعرف ما يحدث في العالم، فقد كنا نشاهد نشرات الأخبار، أما أعياد الميلاد وأخبار ميلاد أطفال جدد فقد كانت محل احتفال ومشاركة من الناس أنفسهم مباشرة، وجميعنا تشاركنا في المشاعر من خلال انتقال المعلومات من شخص إلى آخر. أما الآن، فهناك عمود جانبي (side bar) يخبرنا من يوافق عيد ميلاده اليوم، بل ويعطينا الفرصة لتمني عيد ميلاد سعيد جماعياً لكل من تقع أعياد ميلادهم في هذا اليوم. وبدلاً من تقدير قيمة الابتسامة ومصافحة الأيدي بصدق، أصبح هناك شكل كمي جديد من التقدير (مثل كم عدد أصدقائي الذين هنأوني بعيد ميلادي من إجمالي أصدقائي البالغ عددهم 700 صديق، مقارنة بمن اهتم بالفعل وأراد أن يكون بجانبي). وعلى الرغم من عدم قتامة الصورة إلى هذا الحد، إلا إن كون الوقت يضيق والمسافات تلعب دوراً حيوياً في تفاعلنا مع أصدقائنا، فالمحك الحقيقي هنا هو كيف نحصد مزايا هذا العملاق القوي المنتشر ذي السلطات الجديدة – شبكات التواصل الاجتماعي – دون كل هذه الآثار العكسية التي يمكن أن يؤتيها علينا؟ سيكون من السذاجة غض الطرف عن إيجابيات المشاركة الاجتماعية مهما كانت درجة الاستقطاب الشعوري الذي يظهره المشتركون، إلا إنه إذا كانت هناك حقيقة واحدة صادقة، فهي اليقين بأن كل فعل له رد فعل مضاد مساوٍ له في القوة ولكنه في الاتجاه المعاكس. وفي هذه الحالة عينها، لا يملك المرء إلا أن يتوقف ويتأمل مليًا في رد الفعل المضاد للمشاركة الاجتماعية عبر الإنترنت. هل تكون هي الحرب الاجتماعية مثل المثال الحديث جداً للهجمات المنظمة المستهدِفة التي تقوم بها حركة "Anonymous" التي لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تعريفها وتشكيلها؟ أم تكون شيئًا مختلفًا تمام الاختلاف؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.