- الناس مساكين لا يعنيها تغيير وجوه السلطة - الليل سيرحل مقتولا بالفجر و الجلاد سيقتله سيفه - لا تكره ظالما بل خذ بيده - من السهل أن تدعى أنك مصلح و لكن ماذا ستفعل إن أتتك السلطة ؟! من ينكرون الظلم و يحاربونه و ذاقوا ويلاته عندما يهديهم القدر " السلطة " هل سيظلون كما هم أم سيتحول المظلوم إلى ظالم ، هذا ما تحكى عنه مسرحية " النهر يغير مجراه " للكاتب أحمد الأبلج . بحس مسرحى ساخر نجح الأبلج فى تصوير حالة الصراع و التحول التى تصيب المرء عندما تفتح له السلطة أبوابها ، ليخلق نصا صالح لكل زمان و مكان . متهم بلا تهمة تبدأ المسرحية بمشهد تعذيب ظابط لمتهم لا يعرف تهمته ، سوى أن سيد القرية أمر بالقبض عليه و تعذيبه ، و يتبين مع الأحداث أن هذا المتهم إنما هو حكيم القرية و معلمها . و يأتى الحارس ليفصح عن التهمة المنتقاة للمتهم ، و كانت المفاجأة أن تهمة الحكيم قتل زوجته ليلة أمس ، و الشهود و أداة الجريمة معدون ، و لكن المشكلة الوحيدة أن زوجته مازالت حية !! و تساءل الضابط كيف أوجه تهمة قتل ، و القرية تعلم أن المقتولة حية ، فرد الحارس : مادام السيد قال ، فالقرية لا تملك أن تنقض قوله ، حتى لو عين القرية رأت ، فلسان القرية لا يجرؤ أن ينطق ، و أن السيد يثق بك لتنفيذ الأوامر ، فابتسم الضابط و هو يقول سأجعله يعترف بما لم يحدث أبدا . و طالب الضابط المتهم بأن يمثل الجريمة ، و هو فى ذهول عن أى تهمة يتحدثون ، فكل ما فعله أنه حضر بالأمس عرس مع زوجته و رقص ببندقية خشب مقلدا صوت الطلق النارى ، فعن أى جريمة يتحدثون زوجته حية و البندقية خشبية . فرد الضابط بلا مبالة سواء كانت خشبية أم حديدية ، المهم ان الطلقة التى قتلت زوجتك خرجت منها ، و لا يعنينى سواء كان تقليد لصوت الطلقات أم حقيقة ، فقد أتى بنتيجة و قتلتها !! شعر المتهم بأنه فى كابوس و تساءل أين يكون ، فكان رد الضابط أنه فى بيت العدل ، فاستنكر المتهم قائلا بل وكر الظلم و سحق الذات . أمر الضابط بإعداد مأتم زوجة الحكيم ، و جمع القرية لتشهد إعدامه ، و ضحك فى وجه المتهم قائلا اليوم ستعطى تلاميذك آخر درس فى الاستسلام ، أنت القاتل فى عرس الأمس و الليلة أنت المقتول ، فأى عرس منهم هو الأجمل . فرد الحكيم : سيفك لن يقطع منى إلا الرقبة أما كلماتى فالسيف عليه لا يقدر كلماتى للقرية لازالت حية تسكن أعماق ضمائرهم تستنهض فيهم روح العزة ما أكثر ما حطمت بقريتنا من أصنام صنم الخوف و صنم الصمت و صنم الاستسلام و الليلة كل القرية ستحطم سيفك مهما حاولت و جمعت الناس و قلت مهما زيفت و حرفت و زايدت لن تسمع أذن القرية إلا كلماتى حتى لو غنيت كلماتك لحنا يطرب و جعلت كلابك تعزفه ليل نهار فالقرية لن تطرب إلا لغنائى فى عرس الليلة يا ظابطنا الأكبر القرية لن تطرب إلا لغنائى عرس الليلة أروع .. عرس الليلة أمجد عرس الليلة أجمل زوجى ثائر تسللت الزوجة لترى زوجها ففرح أنها مازالت حية ، و قالت له : " لا تخشى الليل و لا الجلاد ، فالليل سيرحل مقتولا بالفجر ، و الجلاد سيقتله سيفه " . و فى مشهد خفيف الظل قرر الضابط أن يقتلهما معا ، فسألت الزوجة هل سيقتلنا نحن الاثنين ، فأجابها زوجها لا أعرف ، فقالت : أرجو ألا يخطئ قصده ، فسألها و ما قصده ، فأشارت له و لنفسها فقالت متهم و برئ فمن منا قصده ؟ فقال لها الحكيم سأحاسبك على ذلك فى البيت ، فقالت أتمنى ان يحدث ذلك قريبا . و أمر الضابط الحارس بإحضار السيف ، لكنه أعطاه للجارة تقطع بيه البصل ، فقالت زوجة الحكيم : حد يسلف سيفه و هو عايزه .. الراجل جايب السيف يقضى بيه مصالحه تاخدوه انتوا و تعطلوه .. اهوا قدامه رأسين عايز يقطعهم .. و موقفين حاله يا حبة عينى .. هوه علشان حضرة الضابط الكبير راجل طيب و أمير تترزلوا عليه .. العيب على الحارس الفلاتى . يغادر الضابط الغرفة غاضبا فتقفز الزوجة فى المكان كالأطفال مهللة زوجى ثائر زوجى ثائر ، و تتقمص دور الوسيطة و تقول " الثوار يقرئونك السلام و يطلبون منك الصمود .. وضعوا خطة محكمة لتهريبك ، لكن ليس الليلة ، لأن المدعو رجب المليان ، طاهر ابنه الليلة و دبح عجله ، و نظرا لأن الثوار هفآنين و متداقوش اللحمة من زمان ، فهيرموا عضمهم الليلة ، و الليلة الجاية يهربوك ". فيدخل الضابط فرحا أن القدر كشف له المستور و الآن سيحاكم الحكيم بتهمة أنه زعيم ثوار القرية. لحظة التحول و لكن يشاء القدر أن تنقلب الأوضاع و يغضب سيد القرية أن الضابط لم يستطع أن يحبك عمله و جعل القرية تسخر منه ، فأقسم تحت مفعول الخمر أن يجعل المتهم الضابط ، و الضابط يصير المتهم ، و علم الضابط بذلك فأراد أن ينقذ نفسه بالمكر . و أقنع الضابط المتهم أن السيد أغرق القرية بظلمه و هو لم يملك إلا الاذعان ، و أنه أرسله إليه دون تهمة لأنه يبنى ما يهدمه فى القرية ، و أخبره أنه سيثور على السيد عندما يأتى ليشهد حكم الاعدام و يخلص القرية منه و يصبح هو السيد و يجعل الحكيم هو الضابط . و عندما سأله الحكيم : هل ستقبل القرية ذلك ؟ أجاب : الناس مساكين لا يعنيها تغيير وجوه السلطة ، و استجاب الحكيم قائلا سأحاول تضميد جراح القرية ، و أنسيهم بعضا من قسوتك. و يصور الأبلج ببراعة الحكيم بعد أن ارتدى زى الضابط و أمسك بالسوط و العصى ،الصراع الذى خاضته نفسه ، فهو الآن أصبح حضرة الضابط الأعظم ، ثم يعود فيقول بل أنا معلم القرية ، فكيف من أمسك بالقلم يمسك السوط ؟! و لكنه يفكر فى ظلم الضابط له ، فهلو تعلو نفسه فوق الثأر ؟ و يقرر الحكيم أنه سيخلع عنه هذا الثوب لكن بعد الانتقام من الضابط . و تنقلب اللعبة على الضابط فينام السيد من شدة السكر و لا يأتى ، و ينقلب عليه حارسه و حتى زوجته ، فيقول الحارس أنه عبد لمن يلبس هذا الزى و لو كان حمار ، و زوجته لا تعنى بالوجوه فقد تزوجت زى الضابط . و عندما شهد الضابط كيف تحول الحكيم قال له : لما كنت ضعيفا ، اخترت طريق الكلمات ، و تصورت أنك كاهن صومعة الحكمة ، و مشى الناس وراءك مبهورين ، برقة كلماتك ووداعة نفسك ، و توهمت انك مصلح ، تقف بوجه الطاغية الضابط ، و تقاوم سيد طغيان القرية ، حتى أصبحت أمام الناس ، معلمهم و مخلصهم ، و فجأة من غير توقع أتتك القوة من باب السلطة ، فخرج المارد منك ، يفترس الحكمة و يمزق أردية الرقة ، و اشتعلت فيك الشهوة للثأر . مشهد النهاية عندما اكتشفت زوجة الحكيم ما حصل لامته ، و قالت يمينك تكتب لا تضرب ، ان شم انفك الدم لن تشبع من اكل اللحم ، فأرجع للقرية . و لكنه أصر انه لن يأخذ سوى حقه أما القرية فشاهدوه يظلم و لم يتحركوا ، فقالت له زوجته : ان النهر يغير مجراه ، و لكنه رد : ان النهر إنما يطهر مجراه . كان الحكيم فى حالة نفسية مضطربة تتنازعه نفسه بين الثأر و بين القرية ، و أصوات القرية تناديه ألست القائل : إجعل ثأرك عفوا يصلح نفس الجانى . فيجيب : نفس الجانى لا يصلحها سوى البتر ألست القائل : علم جلادك درسا فى حب الرحمة و القاضى درسا فى حب العدل فيجيب : الرحمة لا تسكن قلب الجلاد و القاضى ضل طريقه ألست القائل : لا تكره ظالما بل خذ بيده ، فالظلم سحابة ويل و دمار ، لا تمطر إلا صاحبها فيجيب : الظالم عربد فى ظلمه و أمطرنى صنوف الويل ألست القائل : ارفع رأسك و انظر للطير لترى كيف يغنى أغنية النصر على كل الصيادين بدون سلاح . فيجيب : كلماتى لم تنقذنى من سوط الجلاد ، السيف بيد و السوط بيد ، و القوة ترفعنى فوق الأعناق ، فلماذا الجأ للحكمة . و ينسدل الستار و الحكيم فى صراع نفسى شديد بين الثأر و القرية ، و القرية تنادى ألست القائل : انزع عن جلدك ثوب الذئب ، و تعال نلبسك الثوب اللائق بك " .