أطفالنا مظلومون .. لم تعد ظروف الحياة الاقتصادية تسمح لهم بأن يقضوا فسحة جميلة مع ذويهم أو حتى يأكلوا ذرة مشوية وترمس فى المساء بجوار النيل الخالد .. وأخطر ما يتعرضون له هو دروب السياسة التى دخلوها مبكراً ففقدوا براءتهم وضحكتهم ومرحهم البرىء .. أيام الحزب الوطنى ظهر مايعرف باسم أطفال الشوارع المتسربين من التعليم ‘ ليكسبوا قروشاً قليلة يساعدوا بها عائلاتهم .. وانتهى عصر مبارك وجاءت ثورة يناير بحسناتها ومساوئها .. اسقطت نظاماً ديكتاتورياً ‘ لكنها لم تعالج المشاكل التى خلفها وأهمها الأطفال الهائمون على وجوههم ..فى البداية سقطوا فى أيدى من يقال عنهم "فلول الوطنى" ليقوموا بأعمال التخريب ومهاجمة السفارات مقابل أجر يومى لا يقل عن 30 جنيهاً وأحياناً يصل ل 50 جنيهاً .. الأطفال والمراهقون كانوا وقوداً لكل الفتن التى سبقت حكم الإخوان مثل محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء وسيمون بوليفار وماسبيرو وغيرها .. وعندما وصل الإخوان للحكم اختفى الأطفال من مواكب الشغب والإتلاف والحرائق المتعمدة .. الأمر الذى يقطع بأن الجماعة الإسلامية كانت من تحركهم قبل وصولهم الحكم .. كان الإخوان هم الطرف الثالث ‘ الذى تكلم عنه الجميع ولم يستدلوا عليه أو لم يجرأوا على التصريح به ..وبعد ثورة 30 يونيو انتقل الأطفال من خانة "المهيجين" و "قاذفى الأحجار والمولوتوف" إلى خانة الضحايا .. والضحايا نوعان .. الأول يفتك به بلطجية الإخوان كما حدث مع الأطفال الذين قتلوهم فى الإسكندرية بإلقائهم من أسطح العمارات .. والنوع الثانى تقدمه الأمهات طائعات مختارات ليذبحوا قرباناً للمرشد العام محمد بديع دفاعاً عن الإسلام فى حرب ضد الكفرة العلمانيين .. والضحايا فى الحالتين لا يملكون لأنفسهم نفعاً أو ضراً .. فقد فقدوا أى خيار .. وإذا كانت أمهاتهم وأباؤهم يقدمونهم "قرباناً" لنيل البركة من المرشد فهل يعطف عليهم بلطجية وفتوات الإخوان إذا ما صادفوهم فى مظاهرة تعترض على حكم الإخوان!! حاملو الأكفان إننا لن ننسى العدسة التى التقطت صورة مريعة لسيدة ومعها طفلاها فى طريقم إلى اعتصام أنصار محمد مرسى فى ميدان "رابعة العدوية" (شرق القاهرة) يجرى تداولها حالياً على أنها تؤرخ لاستغلال الأطفال وتعريضهم للخطر وتشويه تركيبتهم النفسية والعصبية وإقحامهم فى اقتتالات ‘ إن لم تكن زاهقة للأرواح فهى مدمرة للأطفال نفسياً وعصبياً . الصورة يتداولها الإعلام الداعم والمؤيد للحكم الدينى وتيارات الإسلام السياسى فى مصر على سبيل الإعزاز والتبجيل والتقدير ل "الأم الرائعة" التى وضعت طفليها فى المقدمة وسارت وراءهما تحمل كرسياً مطوياً تشد من أزرهما ‘ بعدما سلمت كل منهما كفنه يحمله بين يديه لدعم الشرعية والشريعة. فى المقابل ‘ اعتبر الإعلام غير الداعم وغير المؤيد لمرسى الصورة عاراً على جبين كل أم تزج بصغارها فى معركة كهذه . البعض تساءل عن الفكرة من حمل الأكفان من جانب الصغار ‘ والبعض الآخر سخر من سعادة الأم بأن صغيريها مشروعا شهيدين ‘ والبعض الثالث توقع أن تكون الأم واقعة تحت تأثير غسل الأدمغة على أيدى خبراء فى التطرف الدينى ‘ لكن أحداً لم يتكلم عن حقوق الصغار فى التمتع بطفولة آمنة ‘ أو حتى طفولة تحاول تجنبهم أكبر كمية ممكنة من الخطورة ‘ وليس وضعهم فى فوهة مدفع الخطر. لكن هناك من تنبه إلى قبح ما تحمله الصورة من معان ‘ تبدأ بعدم وعى الأم بقيمة الطفولة وزجها بصغارها لخدمة مبادىء سياسية أو دينية تعتنقها من دون مراعاة لحياة الصغار ‘ وتمر بالرسالة الدموية التى ترسلها إلى كل من حولها ‘ وهى الرسائل المخضبة بالدماء أو الموت الذى يرمز به الكفن الذى يحمله الصغير فرحاً ‘ وتنتهى بما تخلفه مثل تلك التجربة فى نفوس الصغار. "الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان" أدانت ظاهرة اصطحاب معتصمى "رابعة العدوية" للأطفال فى ما اعتبرته "ظروفاً غير آدمية" للمعيشة. ورأت الجمعية أن معيشة الأطفال فى الخيام فى العراء وفى تكدسات بشرية كبيرة فى مكان ضيق وعدم تيسير وسائل النظافة الشخصية وغيرها مخالفة صريحة للاتفاق الدولى لحقوق الطفل ‘ إذ تجرى المتاجرة بهم واستغلالهم ‘ فضلاً عن شبهة استخدامهم دروعاً بشرية . كما يعد استغلال الأطفال بهذه الطريقة مخالفة لقوانين الطفل المصرى ‘ بالإضافة إلى قانون مكافحة الإتجار بالبشر. تحذير دور توعوى استباقى للأحداث الجارية رحاها فى مصر حالياً قام به المجلس القومى للطفولة والأمومة حين أصدر تحذيراً من استغلال الأطفال فى التظاهرات والاعتصامات. وأشار المجلس إلى أن قانون الطفل المصرى يجرم تعريض حياة الطفل وأمنه للخطر ‘ ويحظر كل مساس بحق الطفل فى الحماية من الاستغلال . أما العقوبة فهى السجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات ‘ وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه مصرى .وإذا كان الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية ‘ فإنه فى هذه القضية يفسد قضية الود بأكملها.لقاءات سريعة مع أطفال "رابعة" تبثها شبكات عنكبوتية إسلامية . يسأل المراسل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والثانية عشرة: "لماذا جئتم (إلى هنا) ؟" وتأتى الإجابة مستنسخة: "جئنا لننصر الشريعة وندافع عن الشرعية وننقذ الإسلام". وحين يتلعثم الصغير محاولاً تذكر اسم الرئيس الذى جاء لنصرته ‘ يبادر من حوله بإنقاذ الموقف ‘ فيهتفون "مرسى مورسيى هو هو".ثم يبادر المراسل إلى طرح السؤال التالى: "ألا تخشون حدوث ضرب وعنف؟" , ومحدداً تأتى الإجابة النموذجية المتفق عليها ‘ ولكنها هذه المرة بنسخ مختلفة: "عادى هاموت شهيد" أو "أنا مشروع شهيد" أو "هاستشهد عادى يعنى" و"إيه يعنى لما أكون شهيد؟". وينصرف المراسل سعيداً بالتقرير الجميل ‘ فيما ينصرف الصغار إلى داخل الخيم سعداء بظهورهم على شاشات الكومبيوتر والآى باد ‘ وينصرف الأهل إلى الهتاف : "إسلامية ... إسلامية". فى المقابل ‘ينصرف العالم إلى البحث والتدقيق فى حقيقة ما حدث فى مصر ‘ وهل هو إنقلاب عسكرى أم شعبى ‘ فيما ينصرف معارضو مرسى إلى حياتهم المعتادة . وتستمر الأم فى المضى قدماً نحو ساحة الاعتصام سعيدة بطفليها وهما يحملان حلتيهما الجديدتين معهما: كفنيهما!