ظن البعض أن الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ستحقق الاستقرار والديمقراطية وستوفر مزيداً من الهدوء في الشارع المصري، لكن مجريات الأوضاع تشير إلى أنها قد تخسرهما معا "الديمقراطية والاستقرار". إذ تخيل المراقبون أنه عقب إسقاط مظاهرات "30 يونيو" للرئيس المعزول مرسي ، ستهدأ الأمور وستنطفئ المظاهرات بعض الشيء، إلا أنها ظلت واستمرت كما هي من الطرف والطرف المقابل، إلى أن تفاقمت مسيرتها، حتى وصلت إلى مصادمات دامية راح ضحيتها 55 قتيلاً، وذلك قبالة دار الحرس الجمهوري. وعاودت لحظات عدم الاستقرار من جديد خاصة مع عودة التفجيرات في جنوبالعريش لخط الغاز الرئيس الذي يمد الأردن وإسرائيل بالغاز المصري على الحدود المصرية. كما حدثت أزمة سياسية أخرى حول الإعلان الدستوري الجديد الذي أصدره الرئيس المؤقت للبلاد عدلي منصور، إذ رفضته كافة القوى السياسية الموجودة على الساحة، لما شابه من عيوب، أبرزها أنه لم يطرح كتابة دستور جديد، بما يمثل مأزقاً قانونياً في المستقبل. وكذلك الأمر بالنسبة لتشكيل الحكومة الجديدة التي صار الاختلاف حول شخص رئيسها، فبينما تؤيد الحركات الثورية وجبهة الإنقاذ الوطني ترشيح الدكتور البرادعي، يرفض حزب النور السلفي هذا الاختيار وكذلك تيارات الإسلام السياسي، حتى بعد اختيار الدكتور حازم الببلاوي رئيساً للحكومة الانتقالية. مما أثار تساؤلاً: إلى أين ستذهب مصر؟. مأزق عويص والآن أصبح مؤكدًا وفقاً لعدد من وجهات النظر المتشائمة أن الإطاحة بالرئيس مرسي لن تمر بسهولة وسلاسة، وأن محاولة وضعه في ثوب الاستجابة لمطالب شعبية تواجه مأزقًا عويصًا. فيرى أنصار هذا الفريق، أن أفضل نتيجة يمكن أن يحصل عليها من قاموا وأيدوا الإطاحة هو إدخال البلاد في حالة طويلة من عدم الاستقرار، وإحداث خلل هيكلي في بنية مصر السياسية ووضع انتقالي سيئ. ويرجع البعض ذلك لجملة من الأسباب، منها افتقاد النظام الجديد غطاء قانوني ودستوري، علاوة على احتماليه استمرار واستماتة أنصار الرئيس المعزول في رفض شرعية الرئيس القادم. وبالتالي من غير الممكن استبعاد احتمال اندلاع العنف المسلح والمعارض للنظام الجديد، خاصة مع انتشار السلاح في أنحاء البلاد بصورة غير مسبوقة، والشعور بالمظلومية الناجمة من الإطاحة بنظام شرعي بقوة الجيش، وهو ما بدا جلياً في أحداث الحرس الجمهوري. عمود فقري هذا إلى جانب بروز فرضية عودة الجيش في النظام الجديد وممارسة دوره التقليدي باعتباره شريكًا رئيسًا في حكم البلاد، حيث يفترض ألا يصل من دعوا الجيش ودعموا قراره بالتدخل إلى الحصول على جدول زمني قاطع للمرحلة الانتقالية التي وعد بها بيان الفريق السيسي، أو قد يظهر مرحلة من عدم اليقين قد تكون محل خلاف بين الجيش والجبهة التي ساندته في الإطاحة بمرسي (الإعلان الدستوري، مسألة الحريات). كما يرى المراقبون أن النظام الجديد لا يمكنه احتلال موقع العمود الفقري السياسي لمصر، لا سيما في ظل وجود جبهة الإنقاذ، ففي حقبة ما بعد ثورة 2011، لم يكن هناك قوة سياسية رئيسة إلا الإخوان المسلمين من وجهة نظرهم. خياران ومعضلة ومن هنا، فمصر تتأرجح بين الإقصاء والتوافق، وهو ما يعمق من المعضلة المصرية الراهنة، حيث يخُتلف حول كيفية الجمع بين الديمقراطية والاستقرار، فالذين أطاحوا بمرسي يعتقدون أن شرعيته الانتخابية لم تحقق الاستقرار، بل أثارت سياساته الأزمات والسخط والاستياء لدى قطاعات واسعة من المصريين، وأن الإطاحة به، هي القرار الصائب الذي يمتص السخط الشعبي ويعيد الاستقرار، أما الذين يؤيدون بقاء مرسي فيعتقدون أن شرعيته ما زالت سارية، وأنهم على يقين تام من وصوله مره أخرى إلى السلطة لتحقيق الاستقرار من وجهه نظرهم . وبغض النظر عن مدى صحة وسلامة وجهه نظر الفريق المؤيد للرئيس المعزول، يتوقع المحللون أن الموجودين في السلطة اليوم وبعد الغد، سيقعوا فريسة أخطاء انتهاك الديمقراطية وهز الاستقرار، وبخاصة لأن أمامهم خيارين رئيسين: خيار الإقصاء الذي يتُصور به القضاء على مناصري مرسي وجماعة الإخوان، من خلال الحلول الأمنية والإجراءات القانونية المتشددة. ولكن نتائجه غير ذلك، حيث سيزيد حالة الاستقطاب، وتصير المبادرة في أيدي المتشددين من الطرفين، وتنجر مصر إلى حرب أهلية. وتبدو مؤشرات هذا الخيار واضحة اليوم في اعتقال قيادات إخوانية وغلق منابر إعلامية، وقتل العشرات من مناصري مرسي بالرصاص أمام مقر الحرس الجمهوري. وعلى الرغم من ذلك، فإن احتمالات تحقق هذا السيناريو ليست كبيرة؛ لأن القوات المسلحة المصرية تواجه ثلاثة أمور: الضغط الأمريكي الذي يضع استقرار مصر فوق باقي الاعتبارات، والغطاء الشعبي الذي يرفض الإقصاء، وبناء القوات المسلحة المصرية الذي يتسم بالانفتاح على المجتمع، ويتأثر بما يجري فيه من توافق أو استقطاب. أما عن الخيار الثاني وهو التوافق الذي بموجبه تلتزم مختلف القوى بالتنافس السلمي على السلطة، من خلال آليات ديمقراطية تسمح بمشاركة الجميع بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين من جديد وتيارات الإسلام السياسي. إلا أنه يواجه عقبات عدة، على رأسها كيفية التعامل مع مرسي، وكيفية إشراك جماعة الإخوان المسلمين في النظام السياسي الجديد، والتي ترفض حتى الآن الاعتراف بالإجراءات المترتبة على الإطاحة بمرسي.