في الوقت الذي دعم فيه أحزاب الائتلاف الحكومي رئيسة البرازيل ديلما روسيف لمشروعها القاضي بإجراء استفتاء شعبي حول إصلاح سياسي واسع النطاق، إلا وسارعت المعارضة إلى رفضه، رداً على حركة الاحتجاج التي تهز البلاد منذ أسبوعين، وألتقت روسيف، الرئيسة اليسارية التي ستترشح لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية في 2014،أمس الجمعة، قادة أحزاب المعارضة للتباحث معهم في مقترحها المذكور. كان ندد قادة المعارضة، الخميس، بمشروع الاستفتاء الذي دعت إليه الرئيسة، مشددين على أن الإصلاح السياسي أمر تعود صلاحية النظر فيه إلى البرلمان الذي عليه أن يقر التعديلات المطلوبة ثم يصار إلى طرحها على الاستفتاء الشعبي لإقرارها. ويتركز الخلاف بين الرئيسة والمعارضة حول التعريف الدستوري للخطوة الواجب اتباعها في أخذ رأي الشعب، ففي حين تطالب المعارضة بإجراء "استفتاء عام"، فإن رئيسة البلاد تدعو إلى إجراء "استفتاء استشاري"، والفرق هو أن الأول، بحسب الدستور البرازيلي، يعني وجوب أن يقول الشعب كلمته في النص النهائي للإصلاح المقترح، في حين أن ما تقترحه روسيف هو، بحسب الدستور، استطلاع رأي الشعب في الخطوط العريضة للإصلاح، وبناء على نتائج الخطوة يعد البرلمان التشريعات المناسبة. وعلى الجانب الأخر اجتمعت رئيسة البرازيل، في العاصمة برازيليا، مع قادة الأحزاب المنضوية في الائتلاف الحكومي، يوم الخميس، وقال وزير التعليم الويزيو ميركادانتي "كان هناك تقارب كبير في وجهات النظر" بين المجتمعين حول مبدأ إجراء استفتاء بشأن إصلاح يتناول تمويل الحملات الانتخابية وإعادة النظر في النظام الانتخابي المتبع "النظام النسبي". وتأمل الحكومة أن تدخل هذه الإصلاحات حيز التنفيذ اعتباراً من الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في خريف 2014. رسالة الشعب وشهد شهر يونيو تصاعد في وتيرة الاحتجاجات بشكل غير مسبوق في البرازيل على ارتفاع تكاليف استضافة كأس العالم لكرة القدم العام المقبل، وشهدت مدينة ريو دي جانيرو خروج أكثر من 100 ألف شخص في مظاهرة لم تشهد لها البرازيل مثيلاً منذ 21 عاماً. واستغل مناهضو استضافة البرازيل لكأس العالم إقامة بطولة كأس القارات لتكثيف احتجاجاتهم وتنظيم فعاليات يومية وسط حالة من التوتر الأمني والمخاوف من اقتحام المتظاهرين للملاعب التي تستضيف البطولة التي يشارك فيها أبطال قارات العالم. ووجه المشاركون في التظاهرات انتقادات لاذعة للحكومة البرازيلية وللرئيسة ديلما روسيف واتهموها بإهدار المال العام وإنفاق مليارات الدولارات على إنشاء ملاعب جديدة وترميم أخرى، وتشييد منشآت خاصة بكأس العالم، في وقت يرزح عشرات الملايين من البرازيليين في الفقر المدقع. ونقلت وسائل إعلام برازيلية عن أحد المحتجين قوله إن الرئيسة مُطالبة بتحويل تلك الأموال التي صُرفت من أجل كأس العالم إلى الخدمات المقدمة للشعب البرازيلي، قائلاً إن الحاجة للطعام والدواء والتعليم أكثر إلحاحا من تنظيم المونديال. وتحدثت شابة برازيلية بغضب مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تُصرف الأموال بشكل مهول لكأس العالم واستحقاقاته، فإن المستشفيات تقلص من إجراء العمليات الجراحية للمرضى نظراً لسياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة. وفيما تتصاعد وتيرة الاحتجاجات في البرازيل يراقب الاتحاد الدولي لكرة القدم الموقف بقلق قبل عام كامل من انطلاق الحدث العالمي الكبير، لكن متحدثاً باسمه أكد احترام "فيفا" لحقّ الناس في التظاهر والاحتجاج، وثقته في السلطات المحلّية التي تتولّى مسؤولية تأمين الملاعب. لكن "دبلوماسية" المؤسسة الرياضية الأكبر في العالم قد لا تستمر إذا ما ظلت الأمور على ما هي عليه، خصوصاً أن ثمة مخاطر تهدد حياة المشاركين في المونديال وكذلك كأس القارات، مع تهديد بعض المتظاهرين باقتحام الملاعب. ولم يكن "فيفا" راضياً على تحضيرات البرازيل لاستضافة كأس العالم وانتقد السكرتير العام للاتحاد الدولي جيروم فالكه أكثر من مرة السلطات البرازيلية وقال إنها لم تقم بواجبها على أكمل وجه من أجل تنظيم مثالي لكأس العالم، وتأخرت كثيراً في ترميم وتجهيز الملاعب التي ستستضيف مباريات البطولة. فرصه ضائعة ومن جانبه قال عمدة ريو دي جانيرو إدواردو بايس إن البرازيل ضيعت فرصة كبيرة لتحسين الخدمات العامة بعدما حصلت على حق استضافة كأس العالم 2014. وأضاف خلال مقابلة مع "بي بي سي" أنه كان يتعين على البرازيل الاستفادة من الفرصة والاستثمار في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات. وأشار بايس إلى أن الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق في البرازيل لا علاقة لها بالاقتصاد، الذي شهد تراجعا خلال العامين الماضين. وقال: "لا توجد لدينا أي بطالة تقريبا، وتتعلق هذه الاحتجاجات بمستوى الخدمات في البرازيل." وأكد على أن "المواطنين يرغبون في المزيد من الشفافية، ويريدون قدرا أكبر من الانفتاح وهذا ما سنفعله." كان صعد مئات المتظاهرين على سطح البرلمان في برازيليا حيث لا يوجد أي شريط شائك للحماية، وردد المتظاهرون الذين قدرت الشرطة عددهم بحوالي خمسة آلاف في العاصمة، شعارات مناهضة للحكومة،كما صعد المتظاهرون إلى سطح الكونغرس الوطني في برازيليا وراحوا يغنّون ويرقصون أمام الأنوار الكاشفة لقبتي مجلسي النواب والشيوخ البيضاويتين. وضمن أخر التطورات على الساحة البرازيلية ،أكدت وكالة الأنباء الإسبانية أن شابا في السادسة عشرة من عمره لقي مصرعه أثناء إحدى المظاهرات التي تشهدها البرازيل اعتراضًا على تنظيم كأس القارات. وتوفي الشخص متأثرًا بجروحه إثر اصطدامه بإحدى السيارات أثناء ركوبه لدراجة بعد أن قام المتظاهرون بقطع أحد الطرق في مدينة ساو باولو، وتوفي حتى الآن 6 أشخاص في التظاهرات التي تشهدها البرازيل.