أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن تقسيم سوريا ليس في مصلحة أحد وأن المساس بوحدتها هو وصفة للخراب. وقال الملك عبد الله الثاني في مقابلة مع رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية عادل الطريفي وزعها الديوان الملكي الهاشمي اليوم الأربعاء إن سوريا مقسمة يعني نزاعا مفتوحا يقوض الاستقرار في المنطقة ويعطل مستقبل أجيالها "، داعيا إلى العودة للحل الأمثل والمنطقي والذي يجب أن يتم دعمه وترجمته بمبادرة وغطاء سياسي دولي والمتمثل في الجهود المبذولة لعقد مؤتمر دولي يطبق ما تم الاتفاق عليه في جنيف من قرارات عام 2012 وهو الوقف الفوري للعنف وإطلاق عملية انتقالية سياسية شاملة تضم وتمثل جميع مكونات المجتمع السوري وعملية مراجعة ومصالحة وإصلاح سياسي حقيقي يتوافق عليه وينفذه السوريون إلى جانب تكثيف الجهود الإغاثية داخل سوريا لتسريع عودة اللاجئين إليها. وأضاف العاهل الأردني" إنه رغم كل الآلام والدماء والعنف والتخريب آمل أن المصالحة والتسوية ما زالت ممكنة"، مشيرا إلى أن مستقبل سوريا وإنهاء معاناة شعبها مسئولية في أعناقنا جميعا". وأشار الملك عبد الله الثاني إلى أنه كان من أول المحذرين من خطورة تطور العنف الدائر في سوريا الذي بدأ كحركات احتجاجية ومطلبية سلمية ومشروعة كان يمكن استيعابها فتحولت من معارضة إلى ثورة مسلحة وتدريجيا إلى نزاع أهلي بأبعاد طائفية ومذهبية. وقال "الآن بات واضحاً للكل أن الأزمة السورية قد تمتد من حرب أهلية إلى نزاع إقليمي ومذهبي، لا تحمد عقباه، ولا يعلم أحد أين يمكن أن يصل مداه" ، مشيرا إلى أنه لطالما حذّر من سهولة تصدير الأزمة السورية إلى الخارج بسبب تداخل التركيبة الديمغرافية لدول الجوار"، منبها إلى أن هناك مساع للهروب من هذه الأزمة داخلياً إلى الأمام عبر تحويلها إلى أزمة إقليمية. وأضاف "على الحريصين على مستقبل المنطقة واستقرارها وأمن أجيالها أن يضعوا حدا للتمدد الإقليمي للأزمة السورية حيث أنها تتسارع وتتضخم"، مؤكدا أن الوضع بحاجة إلى حلول وقد آن الأوان لتنسيق عربي ودولي أكثر جدية من أجل وقف تداعيات الأزمة السورية ووضع حد لها ووقف امتداداتها، محذرا من أن الوضع لا يحتمل الانتظار. وقال العاهل الأردني إننا الأقل عرضة لخطر الانقسام والتوتر الطائفي بسبب التركيبة المتجانسة للمجتمع الأردني والعملية التاريخية لبناء الهوية الوطنية الأردنية الجامعة"، مشيرا إلى أن هذا الأمر كفل حمايتنا من الانزلاق نحو الصراعات الطائفية والعرقية على مدار التاريخ، إلا أننا الأكثر تعرضاً لانعكاسات أزمة اللجوء إذ وصل عدد اللاجئين السوريين في الأردن إلى نحو 550 ألف لاجئ، وهذا يضعنا في قلب الأزمة السورية. وتابع "دعني أؤكد للعالم أجمع بأننا لن نسمح بأن يُمَسَّ أمننا، ولا مواطنونا، ونحن قادرون على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لحماية الأردن، والتجربة تدل على صلابتنا في حماية أراضينا وقواتنا المسلحة الأردنية مشهود لها إقليميا وعالمياً كما أن علاقاتنا الدولية المميزة مكنتنا من توفير المساعدات الفنية لدعم قدراتنا الدفاعية. وقال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين في الأردن يتم على حساب القليل المتاح من مواردنا الذاتية، وهو بالتالي تعامل غير مستدام، ولا يمكن الاستمرار به إلى الأبد، مشيرا إلى أن هناك تقديرا عالميا كبيرا لما يقوم به الأردن، وهناك دعم دولي وعربي، وجهود إغاثية وأخرى خيرية، كلها مشكورة ومقدّرة، ولكن حجمها ومستوى تدفقها لا يفي بالاحتياجات الحقيقية والمتسارعة للاجئين السوريين. وأضاف أن الأردن يتحمل عبئا هائلا يتمثل في الضغط على البنية التحتية والموارد الطبيعية، خاصة المياه والطاقة، والصدمات التي يتسبب بها تدفق اللاجئين للاقتصاد الوطني مثل التشوهات في سوق العمل ومزاحمة الأردنيين على المتوفر من الفرص، فضلا عن التعليم والرعاية الصحية. وحذر من وجود تخطيط وتنفيذ مدروس في تحويل الأزمة السورية من مشكلة داخلية إلى مشكلة إقليمية، وعلى الدول الحريصة على دعم نهج الاعتدال والاستقرار ألا تترك الأردن وغيره من الدول الشقيقة يواجهون هذه المخططات لوحدهم. وقال الملك عبد الله الثاني "عندما علت بعض الأصوات داخلياً اعتراضاً على تدفق اللاجئين من الأشقاء السوريين، كان الرد الإنساني: كيف يمكن لنا أن نغلق حدودنا في وجه امرأة تحمل رضيعها وتهرب تحت القصف . وزاد " ما أخشاه هو أن نُوْضَعَ في موقف صعب، لا قدّر الله، نعجز فيه عن تقديم المساعدة الإغاثية لأشقائنا اللاجئين السوريين، وهذا يمثل نجاحاً لمساعي تصدير الأزمة السورية ويجب أن لا نسمح بذلك إنسانيا وسياسيا، وألا يتراجع الجهد والدعم الإغاثي ويجب ألا يتوقف الضغط السياسي من أجل حل سياسي انتقالي شامل". وعبر العاهل الأردني عن خشيته من أن يتوسع الصراع في سوريا، ويتحول إلى فتنة بين السنة والشيعة على مستوى المنطقة، وقال "إن التخوف الذي حذرنا منه في السابق هو أن يكون هناك هيمنة سياسية لمحور على أساس مذهبي.. وليس القصد المذهب الشيعي كعقيدة القضية هي في استغلال الدين والمذهب كوسيلةً لتحقيق مآرب سياسية"، مؤكدا أن الإسلام أكبر وأعظم وأسمى من كل ذلك، وأنبل من أن يُتخذ وسيلة للوصول للسلطة وبث الفرقة. وأكد أنه لا يمكن لنا السكوت على محاولات العبث بمصير المنطقة وشعوبها عبر استغلال الدين والمذاهب في السياسة واتخاذها وسيلة للفرقة"، محذرا من أن التوسع في إذكاء نار الطائفية في العالمين العربي والإسلامي سيكون له أبعاد مدمرة على أجيالنا القادمة وعلى العالم. وردا على سؤال حول جولات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة لتحقيق السلام ، قال الملك عبد الله الثاني إن الأردن معني بشكل أساسي، ومن منطلق مصلحة الوطن العليا، وأمنه القومي في تحقيق السلام في المنطقة، وليس كوسيط أو عامل مساعد". واعتبر العاهل الأردني أن ما تمر به المنطقة من اضطرابات هو حافز رئيسي للإسراع في تحقيق السلام، فانسداد أفق السلام سيفجر العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على شاكلة تحاكي احتجاجات الربيع العربي، سواء في إطار انتفاضة جديدة، أو دوامة عنف وعنف مضاد من خلال فقدان الأمل بحل الدولتين وبروز واقع دولة واحدة يُضطهد فيها الفلسطينيون، ما سيشعل ثورة شعبية تعبّر عن الظلم التاريخي الذي لحق بهم. وأكد أن هناك ضرورة حقيقية لحل النزاع على أساس رؤية الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، كاملة السيادة على أراضيها، قابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني، استنادا إلى خطوط ما قبل يونيو عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. وقال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يعمل بشكل مكثف وأسلوب واقعي يبتعد عن الأضواء والضجيج الإعلامي ويركز على تقريب وجهات النظر، واقتراح حلول عملية للملفات الصعبة، خاصة أن إعادة إطلاق مفاوضات مباشرة يعني الخوض في قضايا الحل النهائي مثل القدس، واللاجئين، والحدود، والأمن وغيرها،وهذه قضايا معقدة، بحاجة لحلول تاريخية وعملية تكفل قيام سلام عادل وشامل ومستدام للأجيال القادمة. وأشار إلى أن الأردن يساهم بشكل فاعل في توفير أجواء إيجابية تساعد الفلسطينيين والإسرائيليين على العودة إلى المفاوضات المباشرة، والتقاط فرص السلام والبناء عليها قبل أن تتلاشى فرص حل الدولتين، بسبب تغيّر الواقع على الأرض، خاصة الاستيطان الذي يجمع العالم على أنه غير قانوني، والذي يبتلع أرض الدولة الفلسطينية المستقبلية، وهو العقبة الرئيسة في وجه السلام، ورؤية الدولتين. وأكد أن مبادرة السلام العربية توفر فرصة تاريخية على إسرائيل التقاطها قبل فوات الأوان لتحقيق السلام مع العالمين العربي والإسلامي، منبها إلى أن ما هو على الطاولة اليوم، قد يصبح فرصة ضائعة مستقبلا. وعبر العاهل الأردني عن اعتزازه بالعلاقات الأخوية التي تجمعه مع قادة دول الخليج العربية ، واصفا علاقة بلاده بالأشقاء في هذه الدول بأنها تاريخية لا سيما مع المملكة العربية السعودية. وقال الملك عبد الله الثاني إن آليات التنسيق وتقريب المواقف ارتقت إلى مستويات متقدمة بفضل عمق علاقات الأخوة التي تربطني مع أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، الذي ستبقى جهوده رائدة في تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك". وأضاف إن هناك ثوابت لهذه العلاقة، أهمها الايمان المطلق بأن أمن دول الخليج العربية والأردن صنوان ومتلازمان، وهذا ما يجعلنا على قناعة ثابتة بأن أمن أشقائنا في الخليج هو من أمننا القومي"، مشيرا إلى أن الأحداث والتوترات الإقليمية الأخيرة اثبتت أهمية التنسيق والتشاور، وأظهرت أيضاً الارتباط التاريخي بين الأردن ودول الخليج العربية، نظرا للامتداد الجغرافي والعمق الإستراتيجي بين الطرفين، وهذا يتطلب استمرار انسجام المواقف من القضايا الإقليمية والعربية لضمان حماية مصالحنا المشتركة. وحول رؤيته لمستقبل المنطقة ، قال الملك عبدالله الثاني: الطموح هو أن نصل إلى حالة متقدمة في المنطقة العربية يسود فيها الازدهار الاقتصادي، والديمقراطية، وأن يكون هناك احترام حقيقي للإنسان العربي وكرامته"، مشيرا إلى أن هذه الآمال مثلت صلب مطالب ربيع الشعوب العربية، داعيا إلى عدم فقدان الأمل بالرغم من كل التحديات والصعاب والاستمرار في العمل الجاد من أجل الإصلاح، واستعادة الاستقرار، وإعادة إطلاق النمو. وفي الشأن الداخلي ، وحول مقاطعة جماعة الإخوان المسلمين بالأردن للانتخابات النيابية الأخيرة ، أعرب الملك عبد الله الثاني عن أسفه لمقاطعة أي قوى سياسية للعمل السياسي المنتج والبناء والذي تستطيع من خلاله تمثيل ناخبيها، وطرح برامجها، والمشاركة في التشريع وصناعة القرار، وتداول الحكومات، وخاصة عندما تأتي المقاطعة من حركة سياسية مثل جبهة العمل الإسلامي في الأردن، التي عُرِفَ عنها تاريخيا بحكمتها وعقلانيتها. وقال إن الانتخابات الأخيرة، وما تلاها من مشاورات نيابية قادت إلى تشكيل الحكومة، هي تجربة وخطوة على طريق التحول الديمقراطي وتعميق نهج الحكومات البرلمانية، بما فيها من دروس وبما ستُراكِمُ من خبرات. وأضاف إن مجتمعنا ماضٍ نحو الديمقراطية، والمواطنة الفاعلة، وفيه أطر وقنوات عديدة للمشاركة وللتعبير والتمثيل والتمكين الديمقراطي، سواء بشكل مباشر من خلال مجلس النواب، أو مؤسسات المجتمع المدني، أو من خلال الإعلام، أو العمل الجماعي أو الفردي التطوعي. كما أننا ذاهبون باتجاه الانتخابات البلدية، وستكون الفرصة متاحة من جديد للجميع للمشاركة والتعبير وتولي مسؤولية تمثيل المواطنين، معربا عن أمله في أن تسود روح المشاركة والرغبة في التغيير الإيجابي وتتراجع دعوات المقاطعة والسلبية والتشكيك.