قبل أكثر من مائتين وسنتين من السنين اعتزم محمد على باشا والي مصر من قبل السلطان العثماني التخلص من المماليك ، بعدما صدرت له الأوامر السلطانية بعبور البحر الأحمر بجيشه لقتال الوهابيين في الحجاز، شعر محمد على بالتوجس , فالقاهرة ستخلو من جنوده ، وربما طمع فيه المماليك. التخلص منهم إذاً هو الحل. كانت معارك عنيفة قد دارت رحاها بين الوالي الألباني وفلول المماليك ( كان عددهم يقدر ب 2500 من المقاتلة) انتهت بطلب الكثير منهم للأمان لينعموا في القاهرة حياة الأمان والترف بعد طول مكابدة للكر والفر وشظف العيش، فيما أبي القليل منهم الاطمئنان لوعود الباشا الماكر، وفضلوا التحصن في قلب الصعيد. وحدد محمد على الأول من مارس عام 1811 موعدا لتنفيذ جريمته. مسرح الجريمة إذا ذهبت إلى مسجد السلطان حسن فاتجه بنظرك إلى القلعة ، بموقعها المنيع وأبراجها الشاهقة وأبوابها العالية ، ومآذن مسجد محمد على الرفيعة كأقلام الرصاص وقبابه العديدة ، لكن دعك من المسجد فأنه لم يكن موجودا آنذاك ، وانظر إلى القلعة ستجد بابا ضخما غائرا ، ذاك هو باب العزب ، تعلوه أبراج ضخمة ، كان هو باب القلعة الذي يفضي منها إلى ميدان صلاح الدين (الرميلة في ذلك العهد)، فإذا دخلت الباب وجدته يسير صاعدا إلى أعلى لتصل إلى مقر الحاكم الذي اختار القلعة لينأى عن سماع صرخات الشعب البائس. أقام الباشا احتفالا ضخما بمناسبة خروج الحملة العسكرية إلى الحجاز، ودعا إليها كبار رجال الدولة ، والأهم كبار المماليك، واحتشدت الجماهير أسفل القلعة فرحة مستبشرة بأجواء الهدوء التي تعم العاصمة ، وتجاذب المماليك والباشا أطراف الحديث مبديا تسامحه وحسن مقاصده فيما أكدوا هم على ولائهم له.. ودقت الطبول وصدحت الموسيقي إعلانا بالتأهب لتحرك الموكب إلى شوارع القاهرة. وما أن اجتازت طليعة الموكب من الجنود الدلاة قساة القلوب باب العزب حتى أقفلوا الباب إقفالا محكما في وجه المماليك، لقد وقعوا في فخ الباشا الماكر، الباب مغلق من أمامهم ومن ورائهم، الجنود الارناءود أخذوا يصلون المماليك نارا من بنادقهم.. لم يستطع المماليك دفعا للموت ، فالباب مغلق ، والمكان ضيق ، وقد جاءوا الاحتفال من غير بنادق ولا رصاص ، سيوفهم فقط هي التي يحملوها وهل تقف السيوف في مواجهة الرصاص الذي حصدهم حصدا؟!.. فأقبل الموت عليهم من كل مكان. أما الباشا الكبير ، فقد جلس صامتا في قاعة الاستقبال يساوره القلق والاضطراب ، فلما انهمرت أول طلقات رصاص وقف وامتقع لونه وعلت وجهه الصفرة.. وأصوات الرصاص وصرخات الاستغاثة من المماليك تشق عنان السماء.. وهو صامت لا ينطق بكلمة.. فلما خفت الأصوات وسكن أنين المماليك طلب كوبا من الماء شربه دفعة واحدة. تلك هي مذبحة المماليك التي تخلص فيها الباشا من المماليك الذين صدقوا وعود الذئب الأغبر الساكن في القلعة، ولم ينج من المماليك إلا ( أمين بك) الذي كان في مؤخرة الصفوف ، فصعد بجواده إلى سور القلعة، وفضل الموت مترديا على الموت قتلا بالرصاص ، فلكز فرسه ، فلما سار على مقربة من الأرض قفز مترجلا ، وتهشم جواده على الفور ، وأخذ يفر عبر الصحاري حتى وصل إلى الشام. باب العزب الذي شهد تلك المذبحة البشعة نال اهتمام الخديوي إسماعيل عندما طور منطقة ميدان الرميلة ، وأضاف إلى الباب الدرج المزدوج من الخارج.. لكن باب العزب يعاني الإهمال اليوم ، بعدما صار مأوي للصوص وقطاع الطرق والمتشردين. أحد المسئولين في القلعة – طلب عدم ذكر اسمه – قال أن الباب الضخم الذي كان يغلق باب العزب تم نقله منذ فترة إلى داخل الباب مما أتاح وجود مساحة فارغة داخله تتيح لكل خارج على القانون أن يحتمي فيها ، دون أن يكون هناك مبرر لهذا الإجراء. الزائر الآن لباب العزب يراه موحشا منعزلا ، ويصدمه منظر الفضلات الآدمية بعدما صار أنسب مكان لقضاء الحاجة ليلا أو نهارا ، إلى جانب مياه الصرف الصحي التي تطفح في المكان. وبمناسبة أعمال التطوير التي تجري الآن في ميدان صلاح الدين لتطويره ، وتجميل النافورة التي تتوسطه ، فهل يتعطف المسئولون ويهتموا بباب العزب ، وينقلوا بابه الخشبي إلى سابق موضعه ليحرموا اللصوص من مأواهم الآمن؟!.