يختلف الدعاة إلى الله أداءً وتاثيراً في واقع الدعوة فمنهم من يبرع في الرقائق التي تدمع لها العين وترق لها الأفئدة ، ومنهم من بصدع بكلمة الحق فيستنهض الأمة نحو واجباتها ومنهم من يبرع في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بما لديه من وفرة علم في هذا الباب الذي يطل على معتقدات الآخرين ...وهكذا أبواب عديدة يفتح الله بها على الدعاة المخلصين وكل له فوائده التي لا تحصى. ولقد اكتملت شخصية الداعية في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع بين أبواب الخير كلها حيث وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها ( كان خلقه القرآن ) فكان عليه الصلاه والسلام قرأناً يمشي على الأرض وكمال شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ترجع إلى تأديب ربه له حيث قال (أدبني ربي فأحسن تأديبي ) فكان مثالاً للداعية الذي أدي الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله تعالي به الغمة فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك قال تعالي (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
ومن أبرز سمات الداعية أن يوافق قوله عمله ، وأن يتمتع بنصيب وافر من العلم والحلم والصبر ، والسمت الإسلامية في سلوكياته ، والوقار في تصرفاته ، وحسن السيرة في علاقاته ، كل هذا من سبل النجاح في الدعوة وتمامها ، وكلما كانت شخصية الداعية تقترب من الكمال كلما كانت أفضل أثراً وأعم نفعاً ، ومن كمال الشخصية ألا ينتقم لنفسه أو يضجر من المدعوين ، وحسبه في ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم ، حيث أخرجه قومه وصده أهل الطائف وأتيحت له فرصة الانتقام حين ظهر له ملك الجبال وهو ينتظر أوامره بإهلاك القوم المعاندين الصادين عن سبيل الله فإذا بالنبي صلي الله عليه وسلم يقول (لا ...لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ) ليس هذا فحسب بل لما فتح الله له مكة قال لهم ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟! قالوا أخ كريم وابن اخ كريم ...قال اذهبوا فأنتم الطلقاء ) وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينتقم ، قال تعالى(وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ ).
وقال ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) وانظروا إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو يقول لقادة الجنود الذين ينطلقون للفتح الإسلامي (لأن تأتون بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتوني بأموالهم وذراريهم )
فكان رضي الله عنه يحب للناس الخير والدخول في الإسلام ولايلتفت إلى متاع الدنيا الذي سيملأ خزانة الدولة الإسلامية آنذاك .
ومن الكمال شخصية الداعية ...حسن التوجه بالخطاب اللائق بحال المدعو فدعوة الحكام تختلف عن دعوة العامة ، ودعوة الرجال تختلف أيضاً عن سبيل دعوة النساء ودعوة الكافر الأصلي تختلف عن دعوة العصاة من المسلمين ، وهذا التنوع يدل على سعة أفق الداعية ومدى فهمة للطبيعة النفسية لكل طائفة .
ومن كمال الشخصية أيضاً إيصال الحق الكامل إلى الخلق على النحو المتسلسل الذي يرتقى بحال المدعو فيبدأ بأمر الاعتقاد فيقدمها على غيرها من الواجبات ثم يقدم ما هو واجب على المندوب ثم ما ندب إليه الشرع على العادات والآداب .
فتلك أمور لا تخفى على الداعية ليقوم بدوره في هداية الناس إلى طريق الحق المستقيم قال تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
ولا يفوتني في الختام أن أثني على جهود علمائنا الأجلاء الذين كتبوا في فقة الدعوة وأشاروا إلى تأهيل الداعية وإعداده والمناهج التي يلزم دراستها وأساليب الدعوة فكان لهم الدعوة ونجاحها فجزاهم الله خير الجزاء .
وصلي الله على سيدنا محمد
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه