- تاتشر: حرب فوكلاند دليل على نهاية ضعف بريطانيا - مذكراتها تحوي الأوراق السرية مع أمريكا - قالت : سأعتزل السياسة حين أرى أصحابها في جهنم - اتفقت مع ريجان في عداء الشيوعية - تاتشر اُجبرت على الانسحاب من القناة .. وأيدت ضرب العراق 1990 كتبت - سميرة سليمان
"إنني لست من سياسيّ الإجماع ولا سياسيّ المصالح، إنني من سياسيّ المبادئ والقيم".. كما أن "صبري غير عادي، شريطة أن أحقق ما أريد".
هكذا وصفت "المراة الحديدية" مارجريت هيلدا تاتشر نفسها، وتعد تاتشر التي رحلت عن عالمنا اليوم الاثنين أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا والمرأة الوحيدة التي تولت هذا المنصب الرفيع، كما أنها رئيسة الوزراء الأطول عهدًا في بريطانيا.
وكانت مارجريت تاتشر أول رئيسة وزراء في العالم تترأس مؤسسة بعد مغادرتها الحكومة عام 1992 لكنها أغلقت بسبب مصاعب مادية عام 2005، كما عملت تاتشر مستشاراً سياسياً لمصلحة إحدى شركات التبغ مقابل 500 ألف استرليني في العام، وكانت تتقاضى 50 ألف استرليني مقابل كل محاضرة كانت تلقيها قبل اعتزالها الحياة العامة بسبب إصابتها بالزهايمر .
اعتمدت سياسات مارجريت تاتشر على تحرير السوق وتحرير الاقتصاد، بالإضافة إلى خصخصة شركات القطاع العام، والتقليل من نفوذ النقابات وقوتها، وفي المجمل، يقول البريطانيون عن عهدها إنه كان عهد الرأسمالية الحرة والاقتصاد الحر، ووقفت ضد الاتحاد السوفيتي سياسيًا واقتصاديًا، حتى حصلت من الصحافة السوفييتية نفسها على لقبها الأشهر "المرأة الحديدية".
كانت تاتشر تقف بوضوح ضد الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفيتي، وهو ما جعلها تلقي خطابًا ناريًا يهاجم الشيوعية عام 1976، وأثار جدلا واسعًا وقتها ويعتبر هو خطابها الأشهر على الإطلاق، وسط الحرب الباردة التي كان العالم يشهدها عندئذ.
تراجع الشعبية
في أوائل عهدها، تراجعت شعبية تاتشر قليلا بسبب الكساد الذي كانت بريطانيا تمر به ومعدلات البطالة المرتفعة، إلا أن تلك النسب عادت للصعود بعدما تعافى الاقتصاد نسبيًا وخاضت المملكة المتحدة حربًا لاستعادة جزر "فوكلاند"، وهو ما أدى فيما بعد إلى إعادة انتخابها عام 1983، ثم أعيد انتخابها مرة أخرى في 1987 حتى نهاية عهدها.
ارتبطت سياسات بريطانيا في عهد تاتشر بالولاياتالمتحدةالأمريكية كثيرًا، التي كان يحكمها وقتئذ الرئيس رونالد ريجان، وكان ذلك اعتمادًا على كراهيتهما المشتركة للشيوعية، وضاعفت تاتشر من قوات بلادها النووية عندما اشترت نظامًا نوويًا أمريكيًا واستبدلت به النظام القديم "بولاريس"، ولكنها فيما بعد اختلفت مع ريجان عندما قامت قواته بغزو جرينادا.
يقول السياسيون إن ذروة شعبية تاتشر كانت في عدم توقع أحد أن ترسل القوات البحرية البريطانية لخوض حرب جزر "فوكلاند" وانتصار بريطانيا في تلك الحرب، وهو ما جعل البريطانيون يشعرون بالفخر والسيادة.
وقد استقالت "المرأة الحديدية" من منصبها في أواخر عام 1990، بسبب احتجاجات شعبية، وتذمر داخل حزب المحافظين من سياسات اقتصادية حاولت فيها تاتشر رفع الضرائب على المواطنين وتثبيتها دوريًا، ورغم استقالتها، ظلت تحت الأضواء بلقاءاتها التليفزيونية ومذكراتها التي كتبتها لسرد حياتها الشخصية والسياسية، وعرف عنها حبها للمناظرات والمناقشات، وقوتها لخوض المعارك سواء السياسية أو الفكرية وعنادها واعتدادها الشديد برأيها.
حرب "فوكلاند"
قالت تاتشر في مذكراتها: "أن حرب فوكلاند كانت علامة على نهاية مرحلة الضعف التي مّرت بها بريطانيا، بعد الحرب العالمية الثانية".
كشفت وثائق خاصة من أرشيف رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر النقاب عن رفض بعض الأعضاء الكبار في حزب المحافظين الحرب بشأن جزر فوكلاند.
وجاء في مذكرة صادرة من مكتب قيادات من حزب المحافظين بالبرلمان تأييد بعض النواب المحافظين لرد فعل عسكري في أعقاب غزو الأرجنتين للجزر عام 1982، ولكن البعض الآخر من النواب كانوا يعارضون هذا الإجراء سرا.
وتظهر الوثائق عمق الخلاف الذي دب بين قيادات الحزب بشأن جزر الفوكلاند. ونقل زعيم المحافظين بالبرلمان عن أحد نواب الحزب قوله "سوف نرتكب خطأ كبيرا". واقترح آخر ترك الأرجنتين تستولي على الجزر بأقل قدر ممكن من الضجيج.
ومن بين المجموعة التي أميط عنها اللثام أيضا بشأن أزمة الفوكلاند مسودة كتبتها تاتشر بخط يدها لخطابها التاريخي في مجلس العموم في الثالث من أبريل / نيسان عام 1982، والذي شرحت فيه للنواب أسبابا تدعو للتدخل العسكري.
ومن بين الأوراق أيضا نسخة من صحيفة "ديلي ميل" يرجع تاريخها إلى اليوم التالي لاندلاع الأزمة عنوانها الرئيسي يتساءل عما إذا كانت رئيسة الوزراء لديها الشجاعة للتعامل مع الأزمة.
وحول السبب وراء احتفاظ تاتشر بمثل هذه الصحيفة، قال اللورد سيسيل باركنسون الذي كان عضوا في مجلس الوزراء الذي اتخذ قرار خوض غمار تلك الحرب إن رئيسة الحكومة آنذاك كانت تحب أن تتابع نقادها.
وتشير بعض المذكرات التي دونتها أنها كرست معظم ساعات النهار والليل لمتابعة الحرب. وقالت يوميات دونها السير آلان والترز، أحد مستشاريها المقربين، أنها كانت تستيقظ في الساعة الثالثة والنصف فجرا - ربما لتلقي التقارير من ساحة المعركة.
المرأة الحديدية
في الوثائق ما يكشف جانبا من شخصية "المرأة الحديدية" وهو اللقب الذي اشتهرت به تاتشر.
فهذه مسودة إحدى الرسائل التي كان من المفترض أن تصل الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان تكشف فيها عن رفضها محاولة الولاياتالمتحدة التوصل لاتفاق سلام. وكان بين سطور الرسالة تلميحا بالغضب :"لقد حاولت طوال فترة رئاستي للوزراء البقاء موالية للولايات المتحدة كحليف وثيق".
ولم يتم إرسال هذه الرسالة بهذا النص إلى ريجان, فقد اقنع بعض الوزراء في الحكومة تاتشر بأن تستبدل العبارات الحادة بلغة اكثر دبلوماسية. ولكن احتفاظ تاتشر بهذه الرسالة وكتابة عبارة "خطاب لم يرسل قط إلى ريجان" يشير إلى قوتها ورفضها للتنازلات.
لم تخل مذكرات تاتشر من الطرافة اذ عرضت المذكرات ورقة عليها رسومات بخط يد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجن احتفظت بها تاتشر ضمن مفكرتها الخاصة دون علم نظيرها الامريكي.
وتعود قصة هذه الرسومات إلى قمة مجموعة السبعة بمدينة اوتاوا الكندية خلال شهر يوليو من عام 1981 حيث كان قادة كبرى اقتصادات العالم منشغلين ببحث القضايا الدولية الكبرى في عز الحرب الباردة؛ إلا أن الرئيس الأمريكي ظل منشغلا برسم خمسة وجوه آدمية والجزء العلوي لجسد رجل وعين امرأة.
وحين اكتشفت رئيسة وزراء بريطانيا الجالسة بجانبه الأمر سحبتها منه قبيل رفع الاجتماع واحتفظت بالورقة لنفسها دون أن يأبه الرئيس الامريكي لذلك!.
تدرجت تاتشر في المناصب حتى شغلت منصب وزيرة دولة للتعليم، في حكومة إدوارد هيث 1974 – 1970 ولكنها أثارت الغضب واُتهمت بأنها " سارقة الحليب" عندما اقترحت ألاَّ يحصل طلاب المدارس، الذين تعدَوا الثامنة، على الحليب المجاني.
عقب هذه الحادثة الأليمة، قيل أن زوجها، دنيس تاتشر، نصحها باعتزال السياسة والسياسيين ولكنها ردّت عليه بغضب قائلة: "عندما أراهم في جهنم أولاً". من أقوالها:
- إذا كان هدفك أن تعجب الناس فسوف تكون مستعداً للمساومة على أي شئ في أي وقت، ولن تحقق شيئاً.
- لن تصبح أوروبا مثل أمريكا أبداً؛ فأوروبا صنعها التاريخ، أما أمريكا فصنعتها الفلسفة.
- الرغبة في الفوز تولد في معظمنا، وإرادة الفوز مسألة تدريب، أما أسلوب الفوز فمسألة شرف.
- إن أردت القول فابحث عن الرجل.. وإن أردت الفعل فابحث عن المرأة.
قالوا عنها
يقول الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في مذكراته إنه كان من أكثر المعجبين ب "السيدة الحديدية"، وأن صداقتهما في أواخر ثمانينات القرن الماضي اشعلت نار الغيرة في صدر الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران.
وافضى شيراك بأسرار العلاقة التي كانت تربطه بالبارونة تاتشر في الجزء الأول من مذكراته، فيقول أنها امرأة شرسة وذات اسلوب مميز في الدفاع عن المصالح البريطانية في المجموعة الاوروبية، لكنها تتحرى العدل دائماً "ولا تفرض دائماً وجهة نظرها، لكنها تستخدم كل طاقتها في الإقناع".
سُجّلت لمحة مختصرة عن حياتها أَعَدَّها البرلمان البريطاني، ما تحبه وما تكرهه:
"كانت تفضل خلق الثروة؛ والمغامرات؛ ووجود منافسة أكثر فاعلية مع مستويات أدنى من الأجور والقوة النووية؛ ومساواة المرأة بالرجل في المعاملة وحكم الإعدام كذلك.
كانت تكره المضربين عن العمل؛ ومناصري الاتحادات المهنية والمجالس المحلية ذات الإنفاق المرتفع؛ والفيدرالية الأوروبية والروس.
قال عنها الرئيس الفرنسي السابق، ميتران أنها "تمتلك عيني كاليجولا، إمبراطور روماني، وفم مارلين مونرو، وقال عنها هارولد ويلسون ، رئيس الوزراء السابق لحزب العمال: "إنها أفضل الرجال في حزب المحافظين".
وقال السير آين جيلمور من المحافظين الأحرار، وكانت قد أسقطته من حكومتها: "إنها قوية وتصمم على تحقيق ما تريده حتى لو كان خطأً".
كانت تاتشر لا تمل من العمل، فكانت، نادراً، أثناء عملها رئيسة للوزراء ما تتناول إفطارها ولم يزد نومها عن خمس ساعات في اليوم، وقد مزحت ذات مرة بقولها: "يجب أن يكون لدي أفضل مصنع أدرينالين في المملكة المتحدة".
كانت حادة الذكاء، وما أن تقرر رأيها، فنادراً ما تعدل عنه، وقد استشهدت بقول شكسبير، في إحدى مسرحياته: "ليس من السهولة تغيير رأيي، فأنا أعرف طريقي ومصممة على تحقيق هدفي" للتعبير عن صلابتها وعنادها. وعلى الرغم مما كانت تتمتع به من رغبة حديدية فقد كانت دوما تنكر أنها قاسية، معللة ذلك بقولها: "إن صاحب الهدف دائما يُتهم بأنه متسلط". تاتشر وأمريكا في حرب السويس، سنة 1956 عندما أجبر الضغط الأمريكي بريطانيا وحلفاءها، الفرنسيين والإسرائيليين على التخلي عن عدوانهم على مصر، في عهد الرئيس عبد الناصر. وقد صرحت تاتشر قائلة: "يجب ألا نضع أنفسنا، مرة أخرى، في مواجهة الولاياتالمتحدة في أي أزمة دولية تؤثر في المصالح البريطانية".
كان وراء ارتباط تاتشر بالولاياتالمتحدة، إلى حدٍّ كبير اتفاقها الشديد مع الرئيس رونالد ريجان على المستوى الشخصي فهما ثنائي يوحدهما فكر واحد، تجاه السوق الحر وعدائهما الشديد للشيوعية. ومن ثم أصبح ريجان وتاتشر رفيقا أيديولوجية، وصديقين شخصيين، وقد قالت تاتشر للشعب الأمريكي في واشنطن في 1985: "إننا نرى أشياءً كثيرة بطريقة واحدة… يمكنكم التحدث عن وجود اتفاق حقيقي بين العقول..إنني لا أشعر أن هناك ما يمنع من وصف هذه العلاقة بأنها خاصة جداً جداً".
أثناء غزو العراق للكويت، في أغسطس سنة 1990، كانت تاتشر، كذلك هي التي ساندت الرئيس بوش، في قراره، بمجابهة الزعيم العراقي صدام حسين وشن حرب ضده لإجباره على الخروج من الكويت. ويقال إنها قالت للرئيس الأمريكي حينئذ: "تذكَّر يا جورج أنه لا وقت للتردد".
وفي الشرق الأوسط، عملت تاتشر على ترويج الصادرات البريطانية كما شاركت الحكومات العربية المعتدلة، في محاولات لتعزيز السلام بين العرب وإسرائيل وقد أُعجب كثير من العرب بشخصيتها القوية والدور المهم الذي أدته عندما ساندت القرار الأمريكي في أزمة الخليج 19901991 ولكنهم صدموا بانحيازها إلى جانب إسرائيل، وعدم اكتراثها بطموحات الفلسطينيين.
سقوط المرأة الحديدية
في سيرتها الذاتية، "سنوات دوننج ستريت"، التي نُشرت في 1993، هاجمت تاتشر الاتحاد الأوروبي ووجود عملة موحدة هي "اليورو"، قالت السيدة تاتشر أنها غير آسفة على موقفها المتشدد تجاه أوروبا "فالدول كما صرحت كيانات سياسية، قائمة، ومن الحماقة، أن نسعى إلى تجاهلها من أجل إقامة كيان أكبر، مثل الكيان الأوروبي النظري".
وصرحت أن المحافظين، كان من الممكن أن يكون موقفهم أفضل في الانتخابات الأوروبية عام 1989 لو أعلنوا بجرأة أكبر عن عدم ثقتهم باليورو.
عند مغادرتها "داوننج ستريت"، مُنحت مارجريت تاتشر وسام الاستحقاق من الملكة إليزابيث على الرغم مما عُرف، على نطاق واسع، عن توتر وعدم استقرار في العلاقة بين تاتشر والملكة أثناء فترة حكمها.
وقد أوصى رئيس الوزراء الجديد - جون ميجور - بمنح البارونية لدنيس تاتشر، حتى تصبح إبنة البقال القادمة من جرانثام، البارونة تاتشر.
وصفها أتباعها بأنها كانت شخص من المستحيل العمل معه نظرًا لنوبات الغضب والصراخ والدموع والتغييرات المزاجية التي كانت تنتابها. في واحدة من حالات الغضب الاستثنائية، صرخت في المستشار جيفري هاو وكبار الزملاء في وزارة الخزانة أثناء عملهم طوال الليل لإعداد بيان الخريف وقالت: "إذا كان هذا هو أفضل ما يمكنك القيام به، إذا من الأفضل أن أرسلك إلى المستشفى وأقوم بتسليم البيان بنفسي".
وعندما أطيح بمارجريت من قبل أعداءها في حزبها نوفمبر عام 1990 تم تصويرها وهي تبكي أثناء خروجها من مبني رئاسة الوزراء. وكان واحد من بين عدد قليل من الذين رأوها في رئاسة الوزراء قبل ليلة من استقالتها، هو فرانك فيلد وقال "في لقائي النهائي مع تاتشر، سألت لماذا أتيت؟. و أجبتها: لأقول لك أنك قد انتهت مهمتك". وقالت: "لكنه أمر ظالم وغير عادل".