"إن كان حظي في الحياة قليلها .. فالصبر يا مولاي فيه رضاكَ" هكذا اختتم الدكتور محمد يسري سلامة حياته بعبارة غرد بها على شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" منذ أيام قليلة في عز محنة مرضه الذي أودى بحياته صباح اليوم ، مخلفا فجيعة لدى كل من صادقوه في مشوار حياته القصير؛ فالرجل الذي لم يتخط العقد الرابع من عمره عُرف بإنتمائه للتيار الديني المستنير، فلم تمنعه نشأته في رحاب السلفية منذ نقد مواقفها من الثورة ومن نقد كافة التيارات الإسلامية التي تخذل الوطن في أشد ما يكون الحاجة إليهم فيه . كان مألوفا أن ترى "سلامة" بميادين القاهرةوالإسكندرية يهتف ضد الظلم بعد الثورة ، وربما تحمل هجوما فوق ما يستطيع بشر بعد استقالته من حزب النور وانضمامه لحزب الدستور المدني، وبعد نقده اللاذع لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس المنتخب منها .. نتوقف هنا عند تغريدات سلامة المختلفة، والتي تعكس هما حقيقيا بالوطن وناسه، فقد كتب " ما زلتم تنازعونني وها هي الأيام تثبت يوما بعد يوم أن (الإسلاميين) ما كان ينبغي لهم أن يكونوا في الصدارة في هذه المرحلة" وأضاف " قلنا مرارا: ابتعدوا بالدعوة عن السياسة، بكل الدعوات عن السياسة، أخرجوا رجالا يقودون الأمة ولكن لا تحرقوا الدعوة بنار السياسة، ولا تجعلوا من ا لخلاف السياسي خلافا دينيا، لم يستمع أحد، وها هي النتيجة: فقدان الثقة في الدعوة، وتقديم السياسة على كل شيء". كان يرى أن الدولة أصبحت أحوالها فوضوية مائعة وكتب يقول : " الفوضى الحادثة الآن نتيجة صدمة الانتقال المفاجئ من الحكم المدعوم بالمؤسسة العسكرية والشرطية إلى الحكم المدعوم بالجماعة، وكثيرون لا يشعرون بأن هناك رئاسة الآن لهذه البلاد أصلا ولا رئيسا. وكان ينبغي على الإخوان تجنيب البلاد مثل هذه الصدمة المفاجئة والاكتفاء بالوزارات ووالمقاعد النيابية الغفيرة التي كانت ستضمن لهم كثيرا من المكاسب في المستقبل. ولكن نحن المصريين لا نثق في بعضنا البعض مع كل أسف، وأنا أقول هذا الكلام وليس لدي أدنى ضغينة تجاه الإخوان،وكيف والذي حفظني القرآن قديما، بل جذبني إلى المسجد أصلا كان إخوانيا؟ فلهم علي منة وفضل". وكتب يوما في نفس السياق : " أتذكر يوم نطق الناطق باسم لجنة الانتخابات اسم محمد مرسي، صفقت وهللت أنا ومن بالبيت، ربما فرحا في خسارة شفيق أكثر من أي شئ آخر، وهذا شيء لن يتغير، ولن يتغير أبدا رأيي في أمثال شفيق امتداد مبارك. لكن مع مرور الوقت ثبت أيها الرئيس أنك لا تصلح للرئاسة، وها هي الأيام تمر ولا نرى نحن نتحمل جزء مما يحدث بسبب أخلاقنا وهو يتحمل جزء بأنه ليس قوياً في موضع نحتاج فيه للقوة وليس للين" .. وكتب أيضا يقول : " يجب ألا ينسى الرئيس وجماعته أنهم أحجموا عن بناء شراكة حقيقية مع رفقاء الثورة،لأن هذا سينتقص من حصتهم في السلطة بالتأكيد، فوضعوا المصلحة الضيقة أمام المصلحة العامة الواسعة. وها نحن أنصار الثورة وعشاقها نسير متحسرين على أحلام ضائعة، وكأن بلادنا لا يراد لها إلا أن تكون هكذا..!" وعن الشهداء كتب بالعامية : " إيه خلاص لحقنا نسينا خالد سعيد وسيد بلال وسليمان خاطر وعبد الحارث مدني وغيرهم ممن ذهبوا ضحية بطش مبارك، وآلاف غيرهم ذهبوا ضحية فساده،وملايين حطمت أحلامهم وآمالهم في عيشة كريمة ومستقبل أفضل وذهبت أعمارهم سدى تحت وطأة الذل والقهر والفساد والجهل؟ أما أنا فلا أنسى أبدا ويجب أن نتذكر أن الشهداء الذين ما زالوا يسقطون هم ثمن ندفعه للتخلص من نظام عتيد أصر الإخوان على الاحتفاظ به، ونجاهد نحن من أجل إسقاطه تماما" عن الثورة كتب يقول : " صحيح أنني لم أحصل على أية مكاسب من الثورة بل خسرت أشياء ولكني لست بنادم، اخترت الثورة وكان يمكنني أن أكون عضوا في كل لجنة وبرلمان، وفخور بذلك ولا أشعر بأدنى تعاطف مع مبارك ونظامه الذي أوصل هذا الشعب إلى ما صار عليه، يستوي في ذلك الإسلاميون وغير الإسلاميين، تدميرا ممنهجا لأمة وشعب .. اليأس لم يتسلل إلى نفسي أبدا برغم كل المساوئ والسلبيات التي زرعها مبارك في هذا الشعب في حقيقة الأمر، ثورتنا مستمرة وستنتصر رغم أنف الجميع"
أما أمريكا فكتب عنها : "مقاطعة زيارة كيري ليست تطرفا في المواقف،أمريكا دعمت وبقوة كافة الأطراف المناهضة لعملية تحول إصلاحي وديمقراطي حقيقي في مصر على خلاف ما تعلنه"!
كتب يسري أشياء إنسانية أيضا تصادفه بحياته منها مثلا "أول مرة اتصفح التليفزيون من مدة طويلة....عايز يتفجر" ، و"أن يكون أقصى ما يتمناه الإنسان أن يعود إلى منزله...المتواضع" وقد اشتبك يسري مع كثير من الكتاب المنتمين لتيارات إسلامية مختلفة، ومنهم مثلا الدكتور خالد صقر الذي اعتبر أن النموذج المعرفي السلفي يفترض أن العلم يقل بالبعد عن عهد النبوة ويفترض أن تكون القرون الفضلى في المركز وأن تراث بن تيمية هو تراث المتقدمين ، فقال : لو أن السلفية المعاصرة تمثلت حقا تراث ابن تيمية لما صار حالها كما هو الآن، لكنها عناية شكلية بتراثه دون معرفة حقيقية بمنهجه .. و مكمن الخلل ليس في (مركزية) ابن تيمية دون المتقدمين، لأن ابن تيمية لم يأت بشئ زائد عنهم، بل على العكس كانت جهوده كلها منصبة نحو توجيه الأمة مرة أخرى نحو تراث الأسلاف وطريقتهم" . أما الإخوان فكان نقده لهم أشد فقال أنهم لا يمكنهم مقاطعة الإنتخابات لأنها هي التي صنعتهم ببرلمانها، وقد دافعوا عن حكم العسكر ثم دافعوا القضاء بعد فضيحة تهريب الأمريكان ورفضوا مناقشة قانون السلطة القضائية في البرلمان رغم أنها كانت فرصتهم الذهبية ! وكان يعتقد أن سر نجاح الإخوان في التنظيم فقط لا غير.
وردا على إيمان عقل التي استنكرت أن يستشهد يسري بمقال للصحفي ابراهيم عيسى ووصفته ب"شاتم الصحابة" والمقال يتحدث عن أن التاريخ يعيد نفسه حين وضع اسماعيل صدقي رئيس الحكومة دستورا على المقاس الملكي عام 1930 وصدق الملك فؤاد عليه وتبعه قانون انتخاب فما كان من الأحزاب إلا مقاطعة الانتخابات بجميع عملياتها " فرد يسري : "نعم وقد استشهد من هو خير مني بمن هو شر منه؛ استشهد النبي صلى الله عليه وسلم ببعض شعر الجاهليين،وكذا الصحابة، ماذا أقول عن قلة العلم!" ومن رواياته في سماحة الإسلام "قال مجاهد بن جبر: كنا عند عبد الله بن عمرو، وغلام له يسلخ شاة، فقال: يا غلام، إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، حتى قالها ثلاث مرار، فقال له رجل من القوم: كم تذكر اليهودي؟ فقال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى حسبنا أو رأينا أنه سيورثه" إشارات - نعت أحزاب النور والدستور والوسط والتيار الشعبي ومصر القوية رحيل يسري سلامة ، وكذلك شخصيات سياسية عامة من بينهم البرادعي ونور والأسواني وحبيب وبكار ومحسوب والصياد .. - ترك يسري سلامة مؤلفات كثيرة وكان باحثا بمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية ومن أعماله " «معجم ما طبع من مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومعه مقدمة في التاريخ لنشر تراث شيخ الإسلام» و«التعريف بابن تيمية للشيخ محمد أبو زهرة»، و«النشأة العلمية لابن تيمية وتكوينه الفكري للمستشرقين هنري لاووست»، و«رياض الأزهار في معاني الألفاظ الشرعية والأدعية والأذكار» و«القولُ النَّصيح لِمَن ردَّ حديثَ الصحيح دراسةٌ فيما كتبه الشيخ علي حشيش وطعنِهِ في حديث الزُّهري في بَدْءِ الوحي». - تخصص سلامة بطب الأسنان في بدايته ولكنه اتجه لتحقيق التراث بعدها وبخاصة الإسلامي . أما والده فهو الدكتور يسري محمد سلامة، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وجامعة الإمام محمد بن سعود، ووالدته الشاعرة الإسكندرانية عزيزة عبد الوهاب كاطو، وهما اللذان حببا إليه العربية والتراث، واتاحا له التربية الإسلامية السلفية على يد الدكتور محمد إسماعيل المقدَم، مؤسس المدرسة السلفية بالاسكندرية.