مع تصاعد أعمال العنف التي تشهدها سورياً حالياً، ازداد عدد النازحين إلى الدول العربية طلباً للعون والمساعدة وهرباً من دوي الطلقات النارية التي تسببت في تحطيم منازلهم وضياع الآلاف من أبنائهم، ورغم تدفق العديد من السوريين إلى مصر كمحاولة لبدء حياة جديدة بعيداً عن العنف والقتل، إلا أنهم واجهوا العديد من المشاكل التي حالت دون العيش في حياة كريمة، ومن أبرزها الأعباء المالية التي ظهرت في ظل معاناة المجتمع المصري من قلة فرص العمل المتاحة، إضافة إلى مشاكل اجتماعية استجدت، أخطرها قضية زواج السوريات من المصريين بشكل يحمل إهانة كبيرة للمرأة السورية. أسباب اللجوء وقد يبدو أن لجوء أعداد كبيرة من السوريين إلى مصر أمر مستغرب، فمصر ليست إحدى دول الجوار لسوريا، بالإضافة إلى بعد المسافة نسبياً، فقدوم أسرة واحدة مكونة من خمسة أفراد يتكلف حوالي ثلاثة آلاف دولار، ولكن هذا الأمر له مبررات عدة.
فبداية لا يحتاج اللاجئ السوري إلى تأشيرة دخول إلى مصر والعيش بشكل طبيعي لمدة ثلاثة أشهر كسائح، ثم يتم تقنين الإقامة بشكل قانوني دون صعوبات.
كذلك فإن معاملة الطلاب السوريين كقرنائهم المصريين من النواحي المادية يجعل الأمر أكثر يسراً من دول أخرى، أما من الناحية المعيشية فإن اللاجئين السوريين لا يعيشون بمعسكرات إيواء بل يمكنهم إيجار الشقق السكنية أو حتى تملكها، كذلك إمكانية الحصول على فرص عمل أو تملك المشروعات التجارية وفقاً للإمكانات المالية دون عوائق قانونية.
أما على المستوى السياسي فإنه قد يبدو أفضل حالاً من دول أخرى كثيرة، فالسلطات تسمح بممارسات سياسية ومدنية دون قيود تُذكر، بالإضافة إلى الموقف الرسمي المؤيد للثورة في سوريا تماشياً مع الموقف المجتمعي المرحب بالسوريين في مصر دون اعتبارات طائفية أو مذهبية.
تحديات ومشاكل لكن لا تبدو الصورة بهذه المثالية على الإطلاق، حيث تفجرت مشاكل اجتماعية واقتصادية عديدة للاجئين السوريين، حيث أشار محمد الدايري رئيس المكتب الإقليمي لمفوضية اللاجئين في مصر إلى أن اللاجئين السوريين في مصر يواجهون عدداً من التحديات المتعلقة بالحماية والصحة وكسب الرزق.
فعلى المستوى الاقتصادي تراجعت المساعدات المقدمة من قبل مفوضية اللاجئين من 400 دولار شهرياً إلى أقل من مائة دولار، بعد تزايد أعداد اللاجئين، هذا بالإضافة إلى الأعباء الاقتصادية الخانقة التي يعانيها الاقتصاد المصري، ويبدو أن اللاجئين الأوفر حظاً بمصر هم من يمتلكون موارد مالية كبيرة تمكنهم من إقامة مشروعات متوسطة أو صغيرة الحجم توفر لمالكيها مستويات دخل معقولة.
وجاء في تقرير صدر مؤخراً عن لجنة الإنقاذ الدولية أن "السمة الأبرز والأكثر إثارة للقلق في الحرب الأهلية في سورية هي الاغتصاب، الأمر الذي ترى فيها النساء والفتيات سبباً رئيساً للفرار من سورية إلى دول الجوار".
والمثير للجدل أنه مع ازدياد عدد اللاجئين في الفترة الأخيرة انتشرت ظاهرة زواج اللاجئات السوريات من مصريين مما جعل منظمات المرأة في مصر، تنتفض وتصدر بيانات مناهضة لهذه الظاهرة، معتبرة إياها “جريمة ضد المرأة”، وازدادت حدة القضية بعد تدخل مشايخ المساجد كطرف فيها لدعوة الرجال المصريين المقتدرين للزواج من اللاجئات السوريات كنوع من أنواع "الستر".
وتعتبر هذه القضية حساسة في مصر ولا يبدي سوى عدد قليل من الناس استعداداً للحديث عنها، لكن العديد من العائلات السورية كشفوا عن أنهم يشعرون بالاستغلال لأن هذه الزيجات تكون في الكثير من الأحيان رخيصة ودون الضمانات المعتادة.
وحسب تقرير لموقع “بوابة الأهرام”، أفرزت الظاهرة “سماسرة” لهذا الزواج وبمهر متواضع لا يتجاوز ال500 جنيه، وفي المقابل انتشرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، و”تويتر” تناهض وترفض هذه الظاهرة.
حلول الأزمة وفي محاولة منه لمواجهة هذه المشكلة، أكد المجلس القومي للمرأة، رفضه بأن تكون مصر أداة رخيصة تحت ما يسمى بزواج السوريات اللاجئات في محاولة لحل مشاكلهم مع بلادهم، معتبراً ذلك جريمة تُرتكب في حق المرأة تحت ستار الدين.
ومن جانبه أكد “راسم الأتاسي”، وهو سوري مقيم بمصر، ويعمل رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أنه يقوم حالياً على إيجاد حلول لهذه الظاهرة بالتنسيق مع المنظمات النسائية في مصر، وأيضاً جمعيات حقوق الإنسان، مضيفًا أن تلك الظاهرة قد أصبحت شيئاً مهيناً للسوريين، وهى شيء ضد الإنسانية.
وفي كلمته أمام المؤتمر الدولي للمانحين لدعم السوريين، أعلن السفير ناصر كامل مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، أن مصر تدرس إقامة مستشفى ميداني للنازحين واللاجئين السوريين على الحدود السورية مع تركيا أو الأردن لتقديم الرعاية الصحية اللازمة في إطار جهود مصر ومساعيها المستمرة للتخفيف من معاناة أبناء الشعب السوري في محنته الحالية.
وأوضح محمد الدايري رئيس المكتب الإقليمي لمفوضية اللاجئين في مصر، أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ومنظمة الإغاثة الإسلامية وجمعية مصطفى محمود بدءوا في تنفيذ برنامج دعم للاجئين السوريين في مصر، كما تم إرسال بعثتين مكونتين من منظمات أممية وجمعيات أهلية إلى الإسكندريةودمياط لتقييم احتياجات السوريين والإمكانات المتاحة لهم.
وبعد التفاقم الشديد لظاهرة زواج السوريات، قررت مجموعة من الناشطات في سوريا شن حملة إعلامية تحت عنوان «لاجئات لا سبايا»، وأكدت الناشطة «مزنه دريد» منسقة الحملة، بعد تردد أنباء عبر وسائل الإعلام، خاصة في مصر حول زواج السوريات، قررنا عمل حملة للتصدي لمثل هذه الأفكار.
وأعلنت الحملة انطلاقها في 28 أغسطس الماضي، وتم إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وتم التواصل مع عدد كبير من الحالات داخل مصر إلى جانب عدد آخر بالأردن.
وفي محاولة للتصدي لتلك الظاهرة، قرر عدد من الناشطين والحقوقيين السوريين في مصر التوعية بخطورة الأمر وضرورة توثيق الزواج بشكل رسمي، والذهاب لأقرب مستشفى حال التعرض لأي انتهاكات من قبل الزوج، ورفع دعوى قضائية.
إحصائيات وحول أماكن تواجد اللاجئين، عرفت مدينة 6 أكتوبر بمدينة اللاجئين السوريين، إشارة إلى ما ذكرته مفوضية اللاجئين في مصر أن معظم اللاجئين يرتكزون في مدن 6 أكتوبر، خارج القاهرة، ومنطقتي الهرم، وفيصل، ومدينة العبور، ومدينة نصر، والرحاب.
وبخلاف أكتوبر يقيم سوريون في أحياء أخرى بالقاهرة علاوة على عدد محدود بمدن الإسكندريةودمياط وبورسعيد الساحلية وبعض مدن دلتا النيل.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن 14,375 لاجئ وطالب لجوء من سوريا مسجلون لديها في مصر. وفي نهاية شهر نوفمبر 2012 أشارت تقديرات الحكومة المصرية إلى وجود ما يقرب من 100,000 سوري في مصر.
فيما أعلن السفير ناصر كامل مساعد وزير الخارجية للشئون العربية أن عدد اللاجئين السوريين في مصر بلغ حالياً ما بين 100 ألف إلى 120 ألف سوري، رغم أن عدد المسجلين رسمياً في مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة يقدر بنحو 14 ألف مواطن سوري فقط.
وتشير التقديرات إلى أن عدد السوريين المسجلين في الإسكندرية ومحيطها بلغ 6 آلاف سوري مقابل 2600 في دمياط وجمصة ورأس البر، مشيراً إلى أن مركز تسجيل اللاجئين السوريين في الزمالك يشهد يومياً تسجيل ما بين 50 إلى 100 سوري.
وبعيدا عن فتاوى الحلال والحرام في عقود الزواج من السوريات، تبقى مسؤولية دول اللجوء التي توجد فيها السوريات قائمة على اعتبار أنها ملزمة وفقاً للشرائع والاتفاقيات الدولية بحماية اللاجئين من الانتهاكات والابتزاز الجنسي، وبتوفير العيش الكريم لهم.
ويبقي الثابت أنه رغم أهمية تعبئة الموارد والمساعدات الدولية لمواجهة الآثار الإنسانية الكارثية للأزمة السورية، سواء على السوريين أنفسهم أو على الدول المجاورة، إلا أن حل جذور الأزمة والخروج منها هو الأساس، وهو الذي يمكن له وحده إنهاء كل التداعيات والآثار السلبية الأخرى.