عامان مرا على الثورة الشبابية في اليمن، واحتفل الشباب بذكراها الثانية، وسط حضور رسمي باهت، واهتمام شعبي محدود، ويرجع ذلك كما يبدو إلى استمرار تداعيات الأوضاع المعيشية، والاجتماعية، التي يعاني منها الناس في مختلف المدن اليمنية، والاهم من ذلك التداعيات النفسية عند المواطن اليمني، وما حدث فيها من تصدع تحتاج إلى سنوات لترميمها كما هو حال الشباب الثائر الذي تظهر عليه علامات الإحباط من الواقع الذي انزلقت إليه البلاد وانحراف مسار ثورتهم عن الأهداف التي سعوا إلى تحقيقها ودفعوا ثمنا باهظا من اجلها، ولم تلبي طموحاتهم، ووجدوا أنفسهم في مواجهة مع تحديات من نوع آخر. واقع لم يتغير بعد مرور عامين على الثورة في اليمن.. واقع أنتج نفسه من جديد.. يراه البعض نسخه مشوهة من الواقع السابق..، ورغم محاولات حثيثة لتصحيح مسارها من بعض مكونات الثورة في ساحات التغيير، وعلى وجه خاص في محافظة تعز قلب الثورة وطاقتها الداعمة؛ ألا أنها سرعان ما تواجه بالإجهاض، ولجوء من يملكون السلطة اليوم وأصحاب القرار إلى المسكنات الوقتية وامتصاص كل محاولة للشباب الثائر من تغيير هذا الواقع، وهكذا تذهب كل محاولاتهم أدراج الرياح حتى بات الربيع اليمني خريفا مع سبق الإصرار والترصد، وشعارهم اليوم من نحن ؟ وأين نحن؟
لا شك أن هناك أبعاد محلية وإقليمية، ودولية قد لا يدركونها الشباب، وليس عليهم لوم في ذلك، فاليمن بلد مهم في المعادلة الدولية، ولا يمكن أن يغفل المجتمع الدولي ذلك، ومؤتمر الحوار الذي سينعقد في الثامن عشر منتصف شهر مارس القادم هو نتيجة الاهتمام الدولي باليمن وترجمة لذلك.. لكن هذا ربما لا يرضي الكثير من شباب الساحات الذين يرون في الحوار مضيعة للوقت، وأن ثورتهم مازال بركانها مشتعلا حتى تحقيق كافة الأهداف وتصحيح المسار.. هذا ما يتعلق بالشباب والثوار في اليمن..
أما على الصعيد السياسي، والرسمي في اليمن؛ فالمشهد من زاويتهم مختلف؛ يرون أن ما تحقق منذ تغيير النظام السابق إلى اليوم يعد انجازا مهما في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد خلال العامين الماضيين.. بدءً بنزع فتيل الأزمة وكبح الانزلاق نحو حرب أهلية كانت على وشك الحدوث، وإعادة ترتيب المؤسسة العسكرية، والحياة الطبيعية تدريجيا إلى مدن وقرى اليمن، والتقريب بين الفرقاء للجلوس على طاولة الحوار، والنجاح في احتواء بعض مكونات الحراك الجنوبي وإشراكهم في الحوار، وهذا في الحقيقة انجاز يحسب للرئيس عبدربه منصور هادي، وإن كان البعض يرون أن تحدي الحراك وأجندة على سالم البيض الزعيم الجنوبي السابق؛ لا يزال عائقا أمام نجاح الحوار، وإن مفاجآت من العيار الثقيل ستكون حاضرة في مؤتمر الحوار القادم.
فليس خافيا على احد أيضا أن هناك الأجندة «الحوثية»، والأجندة «الاخوانية» ممثلة بحزب الإصلاح، وأجندات لأطراف حزبية أخرى، «المؤتمر»، و«الاشتراكي»، وغيرها؛ فلكل أجندته، ولكل مصالحه، وكل ذلك للأسف على حساب الأجندة الوطنية..
فالحوار الوطني اليمني سيأتي بعد أسابيع، ولازالت رائحة هذه الأجندات تفوح من أصحابها، وببساطة يمكن مشاهدتها وملامستها من خلال وسائل الإعلام التي تمتلكها هذه الأطراف، وهي تحديات مرهون تجاوزها بالحوار عند كثير من المتفائلين، وإلا لما وجد الحوار أساسا..؟
هكذا هو المشهد اليمني اليوم بعد مرور عامين من انطلاق الثورة في اليمن .. فهل ينجح الحوار ؟ وبنجاحه يدخل الرئيس هادي التاريخ من أوسع أبوابه ؟ ويدخل اليمن منعطف تاريخي جديد ؟ والاهم من ذلك هل هناك نوايا إقليمية، ودولية صادقة لإخراج اليمن من محنته؟ ويكون الحوار هو قارب النجاة لليمنيين والثوار الشباب وتنجو اليمن من الغرق في أتون صراع من نوع جديد ؟ أم أن اللاعبين الإقليميين، والدوليين لهم أجندة مختلفة لا يفهمون أبعادها؛ إلا الراسخون في السياسة ؟.
وأخيرا ما نرجوه هو اكتمال فصل الربيع اليمني بأهدافه النبيلة التي حملها الشباب وقدموا دمائهم الزكية رخيصة في سبيل تحقيقها .. والله من وراء القصد .
** كبير الإعلاميين اليمنيين
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه