وجوه من الميدان يرسمها الفنان د. مصطفى الرزاز بنزعة تعبيرية درامية شاهدناها في معرضه الأخير الذي أقيم بقاعة "أحمد صبري" بمركز "الجزيرة" للفنون، والذي تم عرضها بعنوان "عودة العصفور الأخضر.. وجوه من الميدان" تخليدا لتضحيات الشهداء والجرحى والقابضون على جمر الكفاح العبقري. خمسون لوحة وأثنى عشر تمثالا برونزيا عرضهم الفنان د. مصطفى الرزاز في معرضه، ترجم من خلالها إحساسه بثورة 25 يناير الذي انعكس على تلك الأعمال تعبيرا عن أيام الثورة، ومدى الأسى لأهالي شهداء الثورة الذي رسمهم وهم على الأرض يحتضنون أبناءهم الشهداء في عدد من اللوحات بأسلوبه التعبيري الدرامي المميز الذي يبدو وكأنه يرسم أسطورة، وقد غلب على تلك الأعمال الألوان الأبيض والأسود والرمادي الذي يشكل هالات تتوه في قتامه اللون لتعبر عن حالة روحانية صوفية مزجها الفنان بالمشهد، كما تسلل اللون إلى تلك اللوحات على استحياء شديد. أما عن الوجوه فقد انتابها حالة من الحزن الشديد وبخاصة في وجوه أهالي الشهداء. وهناك وجوه عبرت عن حالات أخرى كالوجوه المندفعة، والثائرة، وغيرها التي تهتف ولا تقهر. أما عن العصفور الأخضر فنراه في بعض اللوحات واقفا شاهدا على الانتفاضة الشعبية والثورة المصرية التي بهرت العالم بأكمله، آملا بحياة أفضل لمصر. وتحمل وجوه المنحوتات البرونزية تعبيرات حزينة، ففي إحدى الوجوه نرى اليدين على الوجه وكأن شخصا يصدم من هول المفاجأة، وفي عمل آخر نجد البورترية في وضع أفقي مرتكز على عجلات، وتربط العينين والفم بعصابتين تحيل الرؤية وتمنع الكلام رمزا لحالة الإنسان المصري الذي تمنع عنه الرؤية ويكتم فمه عن الحديث، فهو لا يرى ولا يتكلم!!. كما توحي بعض المنحوتات بلحظات سقوط الثوار. ويظهر أحد الوجوه الجزء البارز من الوجه وهو في وضع أفقي، وباقي الرأس استبدلها الفنان بصندوق أسود يحوي عجلات كناية عن العقول المغلقة التي تسير دون تفكير من خلال عجلات النظام التي تحجب عنه الرؤية وتمنعه عن الكلام. جاءت فكرة هذا المعرض للفنان بعدما قام بالتفتيش في رسومه التي سبقت ثورة 25 يناير بعامين؛ حيث لاحظ تكرر تجلي العصفور الأخضر في بعضها، تلك العصفور الذي رسمه في معرضه الفردي الأول في مارس عام 1966 في لوحة بعنوان "أسطورة العصفور الأخضر"، والتي كتب عنها الفنان والناقد الكبير حسين بيكار مقالا مطولا بعنوان "فنان أسطورة يعيش بين الأساطير". وكان لهذا المقال تأثيرا جوهريا في توجيه مسيرة د. الرزاز الفنية، وارتباطها الكبير بالبعد الأسطوري الرمزي. كما كان د. الرزاز يرسم أثناء مشاركته لسنوات طويلة في حرب الاستنزاف صحراء شاسعة على جهة القتال، تتخللها خنادق وعلامات محدودة هنا وهناك، وجندي ومركبات عسكرية، والجنود في راحتهم والخنادق، وفاجأه وجد أنه يصور عصفورا أخضر عملاق يهيمن على الأفق الصحراوي القفر، بدرجات الأصفر. وشعر د. الرزاز بأن رسمه لهذا العصفور في العامين السابقين للثورة كان بمثابة نبوءة بدون أن يدري للحراك الشعبي العبقري في يناير 2011 فانتابته رجفة لا إرادية. وقال د. رزاز في مطوية المعرض: "أجل هذا العصفور، تميمة الأمل الأسطوري، يرسل رسائله دون أن أدري عند محطات الانتصار العظيم، كان ذلك مصدر إلهامي لهذا المعرض الجديد، الذي يتسم بنزعة تعبيرية درامية، كتجربة جديدة كلية في تجربتي الفنية الممتدة، توارت فيه المفردات المعروفة، للتركيز على البعد الإنساني؛ مشحونا بطاقة جبارة دوافعها إرادة شعب عظيم، وشباب لا يقهر".