بعد ثورة 25 يناير غابت عن شاشة التليفزيون المصري وجوه اعلاميه وبرامج أخذت شرعيتها من النظام السابق . ولما كان الزخم مصنوعا وغير حقيقي فقد ظهر الخواء واضحا وجليا وباتت هناك مساحات شاغرة تحتاج من يملآها لا سيما بعد الهزات النفسية التي تعرضت لها بعض القيادات وكادت تعصف بهم لولا أنهم امتصوا عرق الخجل وهبوا واقفين مرة اخري يطلون علينا من النوافذ واهمين ايانا بأنهم من أبناء الثورة وأعمدتها الأساسية كأن ما حدث في ميدان التحرير حدث في بلاد الواق واق ولسنا شهودا عليه وشركاء أصلاء فيه . ما يثير الحنق والاستفزاز أن اجتهادات السادة المتحولين لم تستغرق وقتا طويلا فسرعان ما نفضوا عن اكتافهم غبار التبعية وتخلوا عن خطابهم القديم وصاروا بين يوم وليلة ثوارا أولاد ثوار ! برز من بين هؤلاء الكاتب الصحفي والاعلامي الكبير مفيد فوزي صاحب البرنامج الأشهر " حديث المدينة " فالبرنامج المذكور كانت له حظوه قبل الثورة فطالما طرح صاحبه قضايا وفجر قنابل من العيار الثقيل ،غير أنه دأب علي تحقيق انفراد سنوي بعمل حوار صريح جدا جدا مع وزير الداخلية حبيب العادلي ، وقد كان العبد لله كاتب السطور واحدا من ضيوف البرنامج قبل نحو ست سنوات تقريبا، حيث شاركت ببضع دقائق ضمن مجموعة من الصحفيين أدلوا بأرائهم في تجاوزات الشرطة وقتها وقد اخترت الحديث عن القصور الأمني في مواجهة البلطجة وفي أثناء اذاعة الحلقة المسجلة قبل ايام من عيد الشرطة فوجئت بما لم اكن اتوقعه ، فقد تم حذف الجمل الهجومية من كلامي فصار كما لو كان دعاية للبلطجة والبلطجية ورسالة شكر للداخلية أبعث بها اليهم في يوم احتفالهم ، وادركت بعد نهاية الحلقة أنني وقعت في شرك نصبه لي مفيد فوزي إذ حولني لعضو بالحزب الوطني وظيفته التصفيق للسيد الوزير . وعلي الفور قمت بكتابة مقال مطول بجريدة الجيل التي كنت اشغل فيها منصب رئيس القسم الثقافي عنوانه " زفة الاحتفال بعيد الشرطة " برأت فيه نفسي من تهمة المشاركة في حملة التدليس الاعلامي ، ولم تكن هذه هي الحلقة الوحيدة من حديث المدينة وانما تكررت الحلقات بنفس الكيفية وذات الحماس ولم يهتز لمفيد فوزي رمش فهو الجسور المغوار رجل المهام الصعبة ولنا فيه وفي برنامجه واحاديثه آيات . قامت الثورة وانهارات امبراطورية حبيب العادلي وتكشفت كل الحقائق ، إلا أن منهج الكذب الاعلامي لم يتغير فقد مضي كل الافاقين في طريقهم كما هم يبحثون عن طاغية جديد ينافقونه ونظام يتمسحون فيه ويقفون تحت مظلته فلم يعتادوا الاستقلال ولم نرهم يوما بعيدين عن السلطة فحبوب الشجاعة التي كانوا يتعاطونها عند استضافة مسئول ما في برامجهم مصنعة بمعرفة اخصائيين كانوا يمنحوهم اياها ليتقنوا دور المعارضين لمدة ساعة او ساعتين بعدها يتقيئون شجاعتهم ويعودون لطبيعتهم كائنات اليفه ثم يكررون اللعبة .. وهكذا دواليك ! تعجبني مجلة صباح الخير بطابعها المتميز في الجمع بين الشكل الخفيف والمضمون الدسم ويعجبني بصفة خاصة ما يكتبه الاستاذ المخضرم لويس جريس الذي يدقق في كل ما يكتب ويصوغ عباراته بعناية فهو يعتمد علي المعلومة وثقافته ليست( سماعي ).. لقد اعلن جريس تأييده للثورة منذ اليوم الاول ايمانا منه بضرورة التغيير والحاجة الماسة الي طاقات شابة تحول مجري النهر السياسي الي مساراته الصحيحة ، وبينما كان الكاتب المحترم يؤكد علي ثقته في شباب يناير ، تشاغل الاستاذ مفيد بلقاء النجوم والفنانين ليسألهم عن آخر مشاريعهم واشهي اكلاتهم وموقفهم من الحب والزواج وبالطبع حظيت ليلي علوي وامها وزوجها بالنصيب الاكبر من حواراته العميقة ورؤيته الاعلامية الناضجة !! ** كاتب وصحفى مصرى