أعلنت أمس الاثنين مؤسسة المورد الثقافي توصيات مؤتمر "ثقافة مستقلة من أجل الديمقراطية" الذي استضافته القاهرة على مدار ثلاثة أيام، بحضور أكثر من مئة مشارك من الفاعلين الثقافيين المستقلين من فنانين وإعلاميين ومثقفين من العالم العربي. وبالتحديد من موريتانيا، المغرب، تونس، سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، العراق، الكويت، اليمن، السودان. ناقش المؤتمر عدة محاور منها استقلال الثقافة عن السلطة السياسية، وكذلك عن مصادر التمويل سواء كانت محلية وطنية أم خارجية، كذك ناقش المؤتمر دور الفن والثقافة في مرحلة التغيير السياسي والاجتماعي وكيفية تفاعلهم مع اللحظة. والتعامل مع أمور مثل الحرب والقصف والاحتلال.
وأكدت بسمة الحسيني مدير مؤسسة "المورد الثقافي" أنه لضمان تنفيذ التوصيات التي خرج بها المؤتمر، كوّن المشاركون مجموعات للإشراف على تنفيذ التوصيات محددة بإطار زمني، وكل مجموعة مختصة بأدوار معينة، ويعتمد تكوين اللجنة على مجموعة معايير هي: تتكون من 16 عضو، تمثل كل دولة بعضو واحد على الأقل وثلاثة على الأكثر، التساوي بين الذكور والإناث من الأعضاء، وأن يكون ثلث الأعضاء سنهم أدنى من 40 عام.
يهدف المؤتمر إلى إعادة تحديد معنى الاستقلالية، مروراً بالتطلعات االتي يصبو إليها القطاع الثقافي المستقل والإمكانيات المتاحة أمامه، ووصولاً إلى إعادة النظر في أدواره الحالية والمحتملة.
من التوصيات التي خرج بها المؤتمر فيما يتعلق بدور القطاع الثقافي المستقل في المشاركة في قيادة التغيير السياسي والاجتماعي، أوصى المشاركون بأنه يتعين على القطاع الثقافي المستقل بمؤسساته الفاعلة العمل دون تباطؤ على تحمل مسئوليته تجاه احتياجات المجتمع، كذلك لا مفر من أن تستجيب الحكومات والسلطات السياسية في العالم العربي لمطالبات القطاع الثقافي المستقل وتمكينه من أداء ادوار أوسع داخل مجتمعاتهم في أوقات التغيير الملحة.
كذلك أن يعمل القطاع الثقافي المستقل مع القطاع الحكومي للتوصل لمقترحات جدية بخصوص تعديل البنية القانونية والتشريعية، خاصة فيما يتعلق بقوانين الجمعيات الأهلية والنقابات الفنية، وتعزيز مكتسبات القطاع الثقافي المستقل بعد الثورات، لإقامة فعاليات في الفضاء العام مثل "الفن ميدان" وعدم تهميش مثل هذه الأنشطة.
وفيما يتعلق بالسياسات الثقافية اتفق المشاركون في المؤتمر على أن مرحلة التغيير السياسي والاجتماعي التي تمر بها المنطقة العربية تتطلب إعادة نظر جوهرية في السياسات الثقافية التي تتبعها المؤسسات الرسمية في البلدان المختلفة، والتي تعد استمراراًً لسياسات الأنظمة القديمة الخاصة بتكريس الثقافة لخدمة السلطة السياسية واحتكار كل عمليات الإنتاج والتوزيع الثقافي وتركيزها في المدن الكبرى خدمة قطاع محدود من المجتمع، وحرمان معظم المؤسسات المستقلة والفنانين الذين لا يعملون في المؤسسات الحكومية من فرض الدعم المالي والفني والإعلامي.
ولذلك أوصى المشاركون أنه يتعين على البلدان التي تمر بتغيير سياسي جذري، ان تضع آلية انتقالية للقطاع الثقافي الحكومي بمشاركة من المؤسسات الثقافية المستقلة، تضمن عدم انقطاع الخدمات الثقافية عن المواطنين ووصولها إلى اكبر عدد ممكن من الناس مواكبة هذه الخدمات لإحتياجات مراحل التغيير السياسي والاجتماعي.
وللتخلص من مركزية الثقافة، يتم اقتراح سياسات ثقافية جديدة مبنية على أسس دمقرطة الثقافة ولامركزيتها.
وفيما يتعلق بالتمويل الذي يعد أحد التحديات المستمرة لتعزيز دور القطاع الثقافي المستقل في الدول العربية وضمان استقلاليته، اوصى المشاركون بضرورة المطالبة بتحديد حد أدنى لا يقل عن 1% من الموازنه العامة في كل بلد يخصص للثقافة، كذلك إنشاء صناديثق محلية تدعم المبادرات المستقلة، أيضاً استثمار أموال الوقف والفوائد المصرفية وعائدات الضرائب وتأسيس "يانصيب" وطني لدعم القطاع الثقافي المستقل.
وعرض المؤتمر لشهادات شخصية من واقع الثقافة المستقلة في المنطقة العربية، قالت رنا يازجي المبرمجة الثافية من سوريا أنه حتى أواخر عام 2000 كان كثير من الفنانين والمثقفين قد وجدوا أنفسهم خارج المؤسسة الرسمية، في ظل مناخ حالة الطوارئ وتضخيم الدولة، وانهيار الطبقة الوسطى، كما اضطر مثقفون آخرون إلى اتباع التقية عندما تعذر الصمت.
بعد وصول بشار للحكم أعطى التغيير في رأس السلطة شعوراً بإمكانية التغيير في أطر المجتمع الجامدة، في هذا السياق ولدت جمعية "أصدقاء المجتمع المدني"، ولم ينته عام 2000 إلا وكان ما يعرف بظاهرة المنتديات قد انتشر في معظم المحافظات السورية، فحول عديد من المثقفين السوريين منازلهم إلى منتديات ثقافية.
تواصل: يمكننا حينها التحدث عن ولادة علاقة حية بين الثقافة السورية والاجتماع السياسي السوري، إلا أن القرار السياسي الذي أنهى "ربيع دمشق" استمر في عمليته الإقصائية، واستمرت المشكلة الثقافية لعشر سنوات أخرى، في بداية عام 2011 أي قبل بدء االثورة السورية بشهرين، تم وضع تصور بعيد المدى لتراجع ثقافي – اجتماعي يضعف فيه مفهوم المواطنة والإنتماء. وبدا أن على القطاع الثقافي المستقل دوراً كبيراً في منع تحققه. فلم يكن دائماً العمل السياسي المباشر هو الحل الوحيد لمواجهة مشروع سياسي سلطوي.
كريمة منصور الناشطة الثقافية المصرية تقول في شهادتها أننا نرى مؤسسات ثقافية مستقلة كثيرة، أو هكذا تطلق على نفسها وهي غير مستقلة في الحقيقة، لأنهم يعملون وفق رؤية الممول، لذلك ترفض منصور الفصل التعسفي بين العمل الثقافي المستقل أو العمل من خلال الدولة.
هي تعمل مع صندوق التنمية الثقافية كمدير لمركز الرقص المعاصر بدار الأوبرا، وترى أن الصورة المثالية هي أن تقوم الدولة بواجباتها تجاه المواطنين، كما يحدث في البلاد المتقدمة، فالفنان يجب ان يجد أدواته التي تعينه على تقديم فنه للناس، وحينما لا يحدث هذا فهناك فساد، عندما تحتقر الدولة الفنان. أو عندما يكون هناك وزير له أناس مخصوصون يتعامل معهم ويفضلهم عمن سواهم. حينها يضطر الفنانون إلى تقديم فنونهم خارج مؤسسة الدولة.
هذا هو ما حدث معها فقد أسست فرقة "معت" للرقص المعاصر عام 1999 وهي أول فرقة مستقلة للرقص المعاصر في مصر، أخرجت حتى الآن 11 عرضاً راقصاً، وقدمت عروضاً في مختلف دول العالم، ورغم ذلك لم تقدم عرض واحد في مصر طوال سبع سنوات، من 2004 حتى 2011، تقول: كنت ممنوعة بسبب وزير الثقافة الذي كان يرفض هذا الفن. وبعد الثورة توليت مركز الرقص المعاصر بالأوبرا.
من جانبه عرض أحمد المغربي الناشط الثقافي والمترجم في شهادته لعلاقة الثقافة الرسمية بالفنون الشعبية الغنائية والموسيقية المختلفة، خاصة مع المأثور التراثي منها، وهي علاقة كما يقل يشوبها كثير من عد الفهم وغياب الاستراتيجية. وعلاقة كذلك تتراوح بين تقديم الفن الشعبي بصورة سياحية سطحية وباهتة في أفضل الأحوال، وبين الغهمال التامن لكن أسوأ ما في علاقة الثقافة الرسمية بالفنون الشعبية يمكن في تلك الظرة السلبية للفنان الشعبي باعتباره فناناً أدنى بكثير من غيره.
يقول المغربي: هذه النظرة الرسمية النخبوية المتعالية هي ما دفعتني لتأسيس "المركز المصري للثقافة والفنون" للإعلاء من شأن المأثور الغنائي والموسيقي الشعبي.