يلتقي المرشحان للرئاسة الأمريكية الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري ميت رومني في مناظرتهما الثالثة والأخيرة بعد غد الاثنين في بوكا راتون بولاية فلوريدا الأمريكية قبل 15 يوما من موعد الانتخابات الرئاسية في السادس من نوفمبر المقبل، ولم يتضح بعد مدى تأثيرها على تصويت الناخبين الأمريكيين للمرشحين، حيث يهتم الناخبون أكثر بقضايا الاقتصاد وخلق فرص العمل والضرائب من قضايا السياسة الخارجية التي ستكون موضوع المناظرة الثالثة. وقد دخل المرشحان خلال مناظرتيهما الأولى والثانية في مناقشات حادة حول بعض قضايا السياسة الخارجية ومنها، الشرق الأوسط ومقتل 4 أمريكيين في ليبيا، وموقف الولاياتالمتحدة من الحرب الأهلية في سوريا وتعامل أمريكا مع طموحات إيران النووية، والتجارة مع الصين، حسب ما أفادته وكالة أنباء الشرق الأوسط.
ويمكن أن ترتفع حدة المناقشات بين المتنافسين حول هذه الموضوعات في مناظرتهما الثالثة، ويتطلع أوباما إلى أن يحقق له تفوقه في مجال الأمن القومي وقضايا السياسة الخارجية مزيدا من التعزيز في استطلاعات الرأي، في الوقت الذي اقترب فيه رومني من أوباما في هذه الاستطلاعات في هذين الجانبين، حيث أشار استطلاع لشبكة "سي إن إن" بعد المناظرة الثانية تقدم أوباما بنسبة 49 في المائة مقابل 47 في المائة لرومني فيما يتعلق بالقدرة على التعامل مع الشئون الخارجية.
وفيما يتعلق بالهجوم على مقر القنصلية الأمريكية في ليبيا في 11 سبتمبر الماضي، اتخذ رومني موقف المهاجم مؤكدا أن الرئيس أوباما أساء قيادة الأحداث هناك وفي منطقة الشرق الأوسط على نطاق واسع.
وقد أثارت مجموعة من كبار الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين في لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي أمس الجمعة تساؤلات بشأن سبب تهوين وكالات المخابرات الأمريكية والمتحدثون باسم الإدارة في البداية من شأن احتمال علاقة تنظيم القاعدة بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي.
وقال مسئولون أمريكيون إن وكالات المخابرات أصدرت عقب هجوم بنغازي مباشرة تقارير متضاربة بشأن الجهة التي تقف وراءه.. وقال معظم هذه التقارير إن متشددين على صلة محتملة بالقاعدة شاركوا في الهجمات لكن تقارير قليلة ركزت عليها إدارة أوباما في بياناتها العلنية قالت إن الهجمات ربما كانت احتجاجات تلقائية ضد الفيلم المعادي للإسلام الذي أنتج في الولاياتالمتحدة.
وفي النهاية أعلن مكتب مدير المخابرات القومية وهو أعلى سلطة للمخابرات الأمريكية أن ما حدث في بنغازي كان "هجوما إرهابيا متعمدا ومنظما" شنه "متطرفون" لهم صلة بالقاعدة أو متعاطفون معها.
وكان أوباما أدلى بتصريحات من حديقة البيت الأبيض في ثاني يوم للهجوم قال فيها إن الحادث عبارة عن هجوم إرهابي.
من ناحية أخرى، يركز أوباما في حملته الانتخابية على التأكيد على إنهائه للدور العسكري الأمريكي في العراق، وسحب قوات الولاياتالمتحدة من أفغانستان والقضاء على وزعيم القاعدة أسامة بن لادن والقضاء على الجزء الأكبر من قيادات التنظيم.
ويتهم رومني الرئيس أوباما بتفكك سياسته حيال الشرق الأوسط، منا يتعهد بتبني سياسة أكثر صرامة إزاء الصين في ما يتعلق بالعلاقات التجارية.
وبقراءة مشهد المنافسة الحادة بين رومني وأوباما واستعراض السباق الرئاسي بعد المناظرة الثانية، فانه بعد طول انتظار وترقب لأداء الرئيس أوباما، جاءت الجولة الثانية من المناظرة الرئاسية لتعزز وضعه بين أنصاره وتعيد له التوازن على الرغم من أن النتيجة الإجمالية كانت شبه تعادل الطرفين وربما تقدم طفيف لأوباما على خصمه رومني.
ودأب المرشح الجمهوري بدوره على مهاجمة سياسات الإدارة الأميركية بشدة، لكن الرئيس تصدى له هذه المرة بقوة وشبه حزم، وأظهرت استطلاعات الرأي الفورية التي أجرتها شبكة (سي إن إن) تقدم أوباما في المناظرة بنسبة 46 إلى 39 في المائة، وشاطرتها نظيرتها شبكة "سي بي إس" التي أوضحت أن النتائج كانت لصالح أوباما بنسبة 37 إلى 30 في المائة.
وينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن نتائج الاستطلاعات جاءت فور بدء المناظرة ونتيجة للشحن العاطفي والاستقطاب السياسي للطرفين، والتدقيق في نتائج استطلاع شبكة (سي إن إن) يدفع بالقول أن معسكر رومني يتنفس الصعداء، خاصة وأن التركيز الأكبر للناخب الأميركي هو الأوضاع الاقتصادية المتردية والأوضاع الداخلية بشكل عام.
وقد أعرب نحو 48 في المائة عن اعتقادهم بأن رومني سيكون الأفضل لمعالجة الأزمة الاقتصادية مقابل 40 في المائة لصالح الرئيس أوباما..وأيدت غالبية بسيطة سياسة رومني الضريبية بلغت 51 في المائة مقابل 44 في المائة لأوباما..وتأييد 49 في المائة لسياسته في الرعاية الصحية مقابل 46 في المائة.. وتأييد أغلبية ملحوظة لسياسته معالجة العجز في الميزانية وهي 59 في المائة مقابل 36 في المائة.. إلا أن الطرفين تعادلا في نظر الجمهور فيما يتعلق بالإدلاء بصوته الانتخابي، وجاءت النتيجة 25 في المائة لكليهما، مع تقدم طفيف للرئيس أوباما في السياسة الخارجية بلغ 1 في المائة.
وفي نفس السياق، انضمت شبكة "فوكس نيوز" اليمينية الى استكشاف آراء الناخبين عبر استضافة عينة محددة في استوديوهاتها بمدينة لاس فيجاس، حيث أعرب مقدم البرنامج عن اعتقاده بأن الأعضاء المشار اليهم أيدوا رومني بحماس بنسبة كبيرة كما شهدته مدينة دنفر قبل عشرة أيام، وسلكت شبكة "ام اس ان بي سي" في التوجه، اذ قالت أن فردا واحدا من مجوع ثمانية أفراد اعتقد أن أوباما كسب المناظرة، بينما رأى ستة آخرون أنهم يميلون لصالح ميت رومني يوم الانتخابات.
ولا يحسم مجموع نتائج المناظرات الرئاسية السباق، كما يجري في رياضة كرة القدم مثلا.. إذ أن النجاح سيحالف المرشح الأجدر بإقناع جمهور الناخبين بسياساته وتوجهاته، وليس بتراكم النقاط والنسب المئوية.. وبلغة النقاط التراكمية فان أوباما حصد نقاطا أكبر لصالحه، أسوة بالمرشح الديمقراطي السابق جون كيري مقابل جورج بوش الإبن قبل هزيمة الأول في الانتخابات.
ولعل السؤال المركزي الذي يدل على كفاءة المرشحين جاء تلك الليلة الفاصلة بإجابة المرشحين عن تفاصيل الخطط المستقبلية لكل منهما.. وجاءت النتيجة مخيبة لأوباما الذي حصل على نسبة تأييد بلغت 38 في المائة مقابل 61 في المائة تعتقد بخلو جعبته من خطط مستقبلية حقيقية.. أما بالنسبة لرومني، فإن النتائج كانت مناصفة تقريبا: 49 في المائة من المؤيدين مقابل 50 في المائة تعارضه.
وبناء على هذه النتائج، يقول مركز الدراسات الأمريكية والعربية إن الرئيس أوباما أخفق في استقطاب كتلة الناخبين الذين لم يحسموا توجهاتهم بعد، وهي الفئة الحاسمة لتقرير نتيجة الانتخابات كما يدل على ذلك تاريخ الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة.
وقد ظهر جليا منذ المناظرة الاولى أن تأثيراتها قد طالت مكونات ومسلمات الجولة الانتخابية.. وفقا لما ذكره مركز الدراسات الأمريكية والعربية، إذ تقدم أوباما على خصمه بقليل قبل المناظرة، وانقلبت الصورة بعدها بتقدم تدريجي لرومني تحسبا للمناظرة الوحيدة بين مرشحي منصب نائب الرئيس.
وأشار استطلاع لمعهد جالوب في 17 أكتوبر الجاري إلى أن رومني يتقدم على أوباما بين جمهور الناخبين بنسبة 51 في المائة مقابل 45 في المائة للرئيس، واستنادا الى تاريخ الانتخابات الرئاسية، فمن الثابت القول إن المرشح الفائز بنسبة 50 في المائة أو أكثر من أصوات الناخبين في غضون ما يزيد عن أسبوعين من موعد الانتخابات لن يخسر الجولة.
ومن الطبيعي أن تثير تلك الاستنتاجات قلق فريق حملة الرئيس أوباما، وخاصة مع بروز مؤشرات تدل على انتقال بعض الولايات، ويسكونسن وبنسلفانيا، من خانة "الميل لتأييد أوباما" الى خانة "التردد".. وجاءت نتائج استطلاع آخر لمعهد جالوب لتفاقم القلق لفريق الرئيس، إذ دل على تقدم رومني بنسبة 4 في المائة على الرئيس أوباما في الولايات المحورية المتصارع عليها.. أما ولاية أوهايو، التي تلعب دورا محوريا إضافيا في هذه الانتخابات بالتحديد، والتي كانت تميل بنسبة مريحة لتأييد الرئيس أوباما، فقد عادت الى حالة عدم الحسم والتأرجح.
وتشير استطلاعات الرأي ببعض الولايات المحورية الأخرى، فلوريدا ونورث كارولينا، إلى تقدم طفيف لصالح رومني على الرئيس أوباما..أما قطاع المرأة، الذي استمر في دعم أوباما، فقد تخلله بعض التصدع وقد بات بعضه يميل لتأييد رومني قبل أن يقضي عليه بشكل شبه تام في أعقاب توصيفاته المرأة ب"الملفات" التي فسرت بأنها ازدراء لها في مناظرته الثانية.
وأدت التقلبات غير المعهودة في ولاء الولايات إلى إعادة ضبط إيقاع الأساليب المتبعة، منها تخصيص حملة الرئيس أوباما حملة دعائية في ولاية بنسلفانيا، وجهد دعائي أكثر كثافة في كاليفورنيا التي تصوت عادة لصالح الحزب الديمقراطي.
ويشير مركز الدراسات الأمريكية والعربية إلى أنه بناء على التغيرات الجارية في ولاء الناخبين، كن القول إن حملة الرئيس أوباما قد تلجأ لتسليم مصير 3 ولايات، وهي فلوريدا وفرجينيا ونورث كارولينا، لميت رومني.. وتركيز جهودها بالمقابل على إستنفار القاعدة الانتخابية في 4 ولايات محورية والتي من شأنها دفع نسبة تخوله التغلب على خصمه قليلا.. والولايات المذكورة تشمل أوهايو ونيفادا وأيوا ونيوهامبشير.
وللدلالة على ضراوة السباق، تجدر الإشارة إلى أن فريق الرئيس أوباما افتتح 120 مركزا للحملة الانتخابية في أوهايو وحدها، مقارنة مع 40 مركزا لحملة رومني.. وقد خصص فريق أوباما ميزانية تبلغ 52 مليون دولار للإنفاق على الجهود الدعائية في أوهايو، مقابل 30 مليون دولار لحملة ميت رومني "وفق آخر الإحصاءات بتاريخ 5 أكتوبر الجاري".
وللمفارقة، فقد انفق الحزب الجمهوري نحو 4ر4 مليون دولار من ميزانيته الدعائية لتاريخه مقابل لا شيء للحزب الديمقراطي، يضاف إلى ذلك تدفق أموال أخرى من قطاعات اجتماعية معينة، تعرف بلجان العمل السياسي فوق العادة، التي ضخت نحو 15.3 مليون دولار لصالح ميت رومني مقابل 11.7 مليون دولار لصالح الرئيس أوباما.
وإذا استثنينا ولاية أوهايو من معركة السباق الانتخابي، يصبح من الضروري لرومني كسب بعض الولايات الأخرى التي كانت من المرجح ان تدعم الرئيس أوباما لتعويض خسارته.. وقد أبدت حملة رومني الانتخابية بعض الرضا لميول ولاية نيوهامبشير على ضوء نتائج الاستطلاعات التي تشير أن شعبية أوباما لم تستطع تعدي نسبة 47 في المائة لكافة فئات الناخبين.
أما جهود رومني للفوز في كل من أيوا ونيفادا فستواجه صعوبة كبيرة.. ففيما يخص ولاية نيفادا، فان الحزب الديمقراطي يتفوق على خصمه بفارق 85 ألف صوت.. أما بالحسابات المئوية فان تفوق أوباما تمت ترجمته إلى حوالي 2 في المائة على خصمه رومني الذي كان متفوقا في البداية بفعل القاعدة الطائفية المؤيدة له من "المورمن" والتي سيحشد أعضائها كل ما يستطيعونه للإدلاء بأصواتهم بقوة لصالح رومني.
ولا تزال ولاية أيوا في معسكر الرئيس أوباما، مع الإشارة إلى أن الفارق مع خصمه يبقى ضئيلا.. وقد شرعت أيوا كما في ولايات أخرى في التصويت المبكر باستمارة بريدية، وجاء فرز الاستمارات بفارق الضعف لصالح الحزب الديمقراطي.
ومن بين الولايات المرشحة لتأييد رومني تبرز ويسكونسن وبنسلفانيا وميتشيجان..أما إن تعذرت حظوظه للفوز بولاية أوهايو، التي تتشابه قاعدتها الانتخابية بالولايات المذكورة لكن الاغلبية تميل لصالح الحزب الجمهوري، فإن حظوظ فوزه بتلك الولايات تبقى ضئيلة.
ولا تتمتع ولاية ويسكونسن بخاصية الاختلاط العرقي المميز لولاية أوهايو، اذ يبلغ تعداد السود من أصول أفريقية في ويسكونسن نصف أعدادهم في أوهايو.. وعليه، فإن القاعدة الانتخابية الصلبة للرئيس أوباما، في ويسكونسن أصغر كثيرا.. ولهذا ينظر للسباق الرئاسي في ويسكونسن على أنه سيفضي الى تعادل المرشحين، حسبما أفاد استطلاع أجرته كلية الحقوق في جامعة ماركيت الذي أعطى الرئيس أوباما نسبة 49 في المائة من الأصوات مقابل 48 في المائة لصاح خصمه رومني.
وينبغي على فريق الرئيس أوباما الانتخابي التعامل بحذر شديد مع استطلاعات الرأي الخاصة بكل ولاية على حدة، اذ درجت العادة على اعتبار نتائج الاستطلاع القومي الشامل مؤشر أدق لميول ولاية بعينها.. على سبيل المثال، أظهر استطلاع شامل أجراه معهد جالوب أن رومني يتقدم على الرئيس أوباما بنحو 6 نقاط مئوية مما ينبئ بنتائج متقاربة جدا في ولايات أوهايو وأيوا ونيفادا، مع ترجيح كفة رومني في تلك الولايات.. كما أن النتيجة تؤشر على إمكانية ميل بعض الولايات الهامشية لصالح رومني في الأيام الأخيرة من السباق الرئاسي.
ومن أهم المؤشرات على تحول في ميل ولاية ما هو تتبع عدد الزيارات التي يقوم بها كلا المرشحين، نظرا لوفرة الأموال المتاحة لكليهما وقلة العامل الزمني..وعلى سبيل المثال، إن ثبت تردد أوباما على ولايتي ويسكونسن وميتشيجان في الأيام القليلة المتبقية فقد يدل ذلك على بعض التآكل وتضعضع قاعدته الانتخابية على المستوى القومي.
واستنادا إلى ما يتوفر من مؤشرات حتى الآن، فان نتائج السباق ستكون متقاربة إلى حد كبير..وعليه، سينعكس الأمر على ميول هيئة الناخبين مما يعيد للأذهان أزمة الانتخابات السابقة في عامي 2000 و2004.
مواد متعلقة: 1. مسؤول إيراني: الانتخابات الأمريكية "ظاهرة شكلية" وتعبر عما تريده إسرائيل 2. فريدمان: نتيجة الانتخابات الأمريكية ستؤثر على الشرق الأوسط 3. الاستطلاعات والمناظرات في الانتخابات الأمريكية مفتاح الفوز (فيديو)