السيد/ الرئيس .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد إن صندوق النقد الدولى سيىء السمعة بدرجة عالية بين شعوب العالم الثالث, ذلك لأنه يفرض على الدول مقابل القروض التى يقدمها لها سياسيات مالية تحقق أمرين: الأول هو ربط الدول المتلقية للقروض بحالة من التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية لأمريكا والدول الغربية الرأسمالية, وبدورها فإن هذه التبعية تفرض على الدول المتلقية أن تظل متخلفة ملحقة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا بالدول الغربية, لأن التبعية تنتج التخلف, فالتبعية تجعل الدول المتلقية طبقا لشروط الصندوق مجرد "حقول توفر فرص استثمار جديدة للرأسمالية الأمريكيةالغربية", لذلك كان الدرس الأول الذى تعلمناه على يد أستاذنا الجليل المرحوم الدكتور زكى شافعى وغيره من الأساتذه الأجلاء هو أن الطريق للنهوض والتقدم والإنخلاع من حالة التبعية بالنسبة لشعوب العالم الثالث – ونحن فى مقدمتها – هو "التنمية المتمحورة حول الذات", أى التنمية المعتمدة على الذات, بنسبة لا تقل عن 75 % من إجمالى تكلفة خطط التنمية الاجتماعية الشاملة فى مجالات الاستثمارات المستخدمة فى القطاعات المختلفه حسب أولويات الخطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الشاملة, ذلك لأن نهر التنمية ينبع من الوطن ويصب فيه, وهذه هى آلية التقدم والنهضة, أما الصندوق كآلية فإن المصب دائما يكون خارج الوطن, فيحرم الوطن من عائد الاستثمارات الأجنبية التى تجرى على أراضيه وتستنزف طاقاته المادية والبشرية , وقد فرضت الولاياتالمتحدة علينا فوق كل ذلك – وهى أكبر محول للصندوق والموجة الأول لسياساته التمويلية – أن يتحمل أقتصادنا عبء تنمية الاقتصاد الصهيوني فى فلسطين المغتصبة وإخراجه من أزماته, ففرضت علينا اتفاقية "الكويز" التى تشترط لدخول منتجات القطاعات الإنتاجية المصرية لأسواق الولاياتالمتحدة أن يكون المكون الصهيونى الداخل فى مكونات إنتاجها بنسبة ما بين 11 و13% وفى مقابل هذا الدعم المصرى للدولة الصهيونية تفرض مصر حصارا محكما على قطاع غزة لتجويع أهله الذين هم أهلنا وضرب المقاومة وإضعافها, إن أبرز تجربتين تطبيقيتين للإعتماد على الذات تنمويا كما نقول هما تجربتى الصين التى تشرفت بزيارتكم لها والهند, وتعلمون سيادتكم أنه كان بين الهند ومصر إتفاقية شراكة فى صناعات الفضاء بدءا من الطائرات والصواريخ إلى الأقمار الصناعية, وفرض على مصر إلغاء هذه الإتفاقية كمقدمة لكامب ديفيد ومعاهدة السلام المزعوم, فأين نحن الآن من الصين والهند, وبالمناسبة فإن زيارتكم للهند لا تقل أهمية عن زيارتكم للصين.
أما الأمر الثاني – سيادة الرئيس – الذى يشكل شرطا يفرضه صندوق النقد الدولى على الدول المتلقية لقروضه فهو يتمثل فى مجموعة من السياسات المالية الضريبية والتمويلية الرأسمالية التى يجب أن تنتهجها الدول المتلقية لقروضه, خلاصة هذه السياسات, صناعة أو إنتاج طبقة من الرأسماليين تتلقى هذه القروض لإستثمارها فى الكثير من المشروعات الهامشية أو الطفيلية والقليل من المشروعات ذات السمة الإنتاجية, هذه الطبقة تكون فى الحقيقة لطبيعة نشأتها وصيرورة وجودها مرتبطة بالغرب وولاؤها له, لأن الرأسمالية فى بلدان العالم الثالث حسب نشأتها وصيرورتها تابعة وخائنة, وفى مقابل هذه الطبقة المتلقية للقروض يتحول الغالبية العظمى من المجتمع إلى طبقة من الفقراء المطحونين الذين يعيشون على حد الكفاف ليستمروا فى الحياة كتروس فى عجلة إنتاج الرأسمالية غير الوطنية, يشترط الصندوق أن تقوم السلطات فى الدول المتلقية بفرض غابة من التشريعات الضريبية المباشره وغير المباشره على طبقة الغالبية الفقيرة التى تذهب حصيلتها فى النهاية إلى خزائن وجيوب الطبقة الرأسمالية التى أنشأها الصندوق, إن هذه الطبقة الرأسمالية المدللة تتلقى القروض من الصندوق, والرعاية والدعم من الغالبية العظمى الفقيرة من الشعب, هؤلاء الرأسماليون ينسقون مع بعضهم البعض, فينتهجون السياسات الاحتكارية, ويحدث التزاوج بين الثروة والسلطة, ويحدث التركز فى الغنى والفقر, أقلية تملك السلطة والثروة, وأغلبية عظمى مطحونة مقهورة لا تملك إلا قوة عملها, إن وجدت فرصة للعمل. وتتحول الديمقراطية إلى آلية للإستبداد وديكور يحمى هذا النظام الفاسد الموالى لأمريكا والغرب, ومن ثم يتم تزوير إرادة الشعب, ويتم تمرير كل الاتفاقيات والسياسات الباطلة, ويتحول الحق إلى باطل, والباطل إلى حق, والأخ إلى عدو, والعدو إلى أخ وصديق, وتتحول قبلتينا من مكة والقدس إلى واشنطن وعواصم الغرب, لقد تسببت هذه السياسات الصندوقية الأمريكيةالغربية فى إفقادنا وضياع هويتنا لحساب أمريكا وإسرائيل والغرب وتوابعهما فى الداخل الذين شكلوا نظام "الكنز الاستراتيجى" لاسرائيل .. وضد هذه الأوضاع غير الشرعية قامت الثورة, التى قننت بشكل عام طريق النهضة فى الحرية والعدالة والكرامة, وكان اقتحام سفارة العدو وحرقها رمزا وطلبا لسحب الاعتراف بالعدو الصهيونى الذى فرض على الشعب المصرى بالغش والتدليس.
هكذا – سيادة الرئيس- فإن تقييم "القرض" لا يستند فقط على تكلفته الاقتصادية المباشرة – الفائدة – فهى 1,5 % وهى تساوى تقريبا مجمل المصاريف الإدارية الخاصة بإجراءات صرفه, وإنما لتقييم يستند فى الأساس على الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية المترتبة عليه, والتى تتلخص فى موالاة العدو والتركز الطبقى الشديد فى المجتمع والتبعية السياسية والاقتصادية والثقافية الحضارية, والحل فى إنتاج التنمية المتمحورة حول ذاتها, أى إنتاج خطة تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة ذات بعد استراتيجى تعتمد فى الأساس على إعادة هيكلة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع, وإعادة توزيع الثروة والدخل للتخلص من التوزيع غير العادل الذى أنتجه وأفرزه النظام السابق, وحتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء منا, هذه الإعادة لتوزيع الثروة والدخل التى تفرضها ضرورات الاستقلال والشرعية ستلعب دور رئيسيا مع استرداد أموالنا المنهوبة والموضوعة فى بنوك الغرب فى تمويل عملية التنمية, يضاف إليها مكاشفة ومصارحة الشعب ثوريا فى كل شىء, فيؤدى ذلك إلى قبول الشعب تحدى التنمية ويتحول كله إلى خلايا منتجة للإقتصاد والتقدم, يضاف إلى ذلك أيضا القروض الصديقه العربية وغير العربية من العديد من الدول الإسلامية والأسيوية.
السؤال: هل سيعطينا الصندوق القرض بدون هذه التكلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟
إن التاريخ والمنطق يؤكدان على النفي .. ولذلك فنحن بدورنا نرفض هذا القرض لأن الشعب يريد إسقاط النظام وحتى تقود مصر لدورها التاريخى القيادي والرسالي.
والله المستعان ...والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.