بعد أن أقر المبعوث الأممي والعربي، كوفي أنان، أخيرا بفشل مهمته في سوريا، وفي ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على الاتفاق على أي جهود أخرى لوقف القتل في سوريا، فلا تبدو أن هناك احتمالات لحدوث أي شيء هناك، باستثناء سفك مزيد من الدماء وتزايد التشرذم العرقي وعدم وضوح كافة الفروق المعنوية بين الجانبين، في الوقت الذي يقوم فيه الثوار، بعد أن انضم إليهم جهاديون أجانب ومحليون، بارتكاب فظاعات، مثل حملة الإعدامات الأخيرة التي تمت في مدينة حلب. ومع احتدام الأزمة السورية، بدأت تطرح تساؤلات حول هوية الجهة التي تتحمل مسؤولية ذلك الإخفاق. وفي افتتاحيته بصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، حمّل أنان الجميع المسؤولية باستثناء نفسه، حيث ألقى باللوم على جيران سوريا وعلى مجلس الأمن وبالطبع على الرئيس بشار الأسد. فيما أشارت مجلة فورين بوليسي الأميركية إلى أن أنان كان من الممكن أن يتصرف هو الآخر بشكل مختلف، بحشده الدعم على سبيل المثال لمهمته مع الناتو قبل أن يقدم نفسه باعتباره محاور في دمشق.
وأعقبت المجلة بقولها إن إخفاق أنان في هذا الملف سيشكل لطخة دائمة في سجل عمله الخاص، مشيرةً إلى أن القيام بعمل دبلوماسي على صعيد وساطة السلام دون التهديد بتداعيات قوية، سواء في البلقان أو السودان أو سوريا، يعتبر جهداً غير مجدٍ.
وأكدت المجلة، كما نوهت من قبل، أن هناك نوع من أنواع الالتقاء السعيد بين رغبة أنان في تجربة شيء قد يجعله يبدو ساذجاً، ورغبة العالم في دفعه لتجربة ذلك الشيء لأنه لا يمتلك أي شيء أكثر فعالية يبدو أنه مستعد للقيام به على هذا الصعيد.
وعن مدى ارتباط إدارة الرئيس باراك أوباما بذلك الإخفاق، قالت المجلة إن البيت الأبيض لطالما رفض القيام بأي شيء يعتقد صقور الحرب أنه سيرجح كفة الميزان، سواء عن طريق شن هجوم جوي مماثل لما حدث في ليبيا، أو تكوين "ملاذات آمنة" بطول الحدود، أو تسليح الثوار. وقد رفض أوباما القيام بأي من تلك الأمور، بالاتساق مع رفض أبرز مؤيدي التدخل في ليبيا بالبيت الأبيض بمن فيهم سوزان رايس، مندوبة واشنطن لدى الأممالمتحدة، حيث أبدوا معارضتهم القيام بأي تدابير مماثلة في سوريا لأسباب عملية وليس لأسباب سياسية وبالتأكيد أخلاقية.
ومضت المجلة تشير إلى أن البيت الأبيض سبق له أن دعم مهمة أنان على أمل أن تنجح تركيبة الدبلوماسية والقوة المتنامية للمعارضة في إقناع روسيا بإنهاء دعمها الساخر لنظام الأسد. ورغم أن تلك المهمة كانت شاقة، إلا أنها لم تكن سخيفة، وذلك بالنظر إلى الخيارات البديلة التي تتحدث عن تدخل عسكري أو لا شيء آخر.
وقد تبين أن ليبيا تمثل حالة اختبار سيئة للغاية على قدرة العالم على الرد على تهديد الفظائع الجماعية. واتضح أيضاً في غضون ذلك أن الإخفاق يتمثل بالتالي في طبيعة الأشياء وفي الطبيعة المأساوية لفن الحكم وفي حدود القوى الخارجية لوقف الشرور.
ومن الجدير ذكره أن المركز العالمي لمسؤولية الحماية أو كثير من جماعات حقوق الإنسان الأخرى لم يطالبوا بتدخل عسكري في سوريا. ثم مضت المجلة تشير إلى أن الأمور تسير الآن ضد الأسد، بعد أن بدأ يفقد سيطرته على مدن ومناطق بأكملها، وتكهنت بأن يواصل القتال، ويزيد عدد القتلى، إلى أن يموت أو يرحل عن السلطة.
وفي المقال الذي نشر له بفاينانشيال تايمز، أوضح أنان أنه يتعين على الولاياتالمتحدة وقوى أخرى أن يقنعوا المعارضة، وهو ما لم يفعلوه حتى الآن، بالانخراط في عملية سياسية شاملة تماماً تضم مجتمعات محلية ومؤسسات ترتبط حالياً بالحكومة.