محيط - تحتفل جمهورية جنوب السودان غدا الاثنين، التاسع من يوليو / تموز، بمرور عام على إعلان استقلال الدولة رسميا، وجاء الإعلان بعد استفتاء مفصلي في يناير من نفس العام 2011، أجرى بموجب اتفاقية نيفاشا بين شمال السودان وجنوبه الموقعة عام 2005 لانهاء 22 عاما من الحرب الأهلية راح ضحيتها قرابة مليونى شخص. واعلنت دولة السودان احترامها لنتيجة الاستفتاء الذي بموجبه انفصل الجنوب عن الشمال، معربة عن رغبتها بفتح صفحة جديدة مع الجنوبيين الذين خاضت معهم سنوات من العداء التاريخى.
عام الاشتباكات
وبالرغم من مرور عام على انفصال دولة جنوب السودان فأن لغة التصعيد الخطابى والاتهامات المتبادلة بين دولتى السودان مازالت مستمرة، لأنه اذا كان اتفاق السلام الشامل أنهى الحرب لكنه لم ينه ملفات كثيرة مازالت عالقة بينهما مثل ترسيم الحدود، ومصير الدين المشترك ، وتقاسم النفط الذى تقع أغلب أباره فى الجنوب أو في محافظات حدودية وهى محافظات نص الاتفاق على ادارة مشتركة لثلاث منها.
وتشهد الأوضاع بعد عام من انفصال جنوب السودان توترات واشتباكات حدودية متقطعة بين البلدين وخلافات متراكمة شكلت عائقا في الوصول إلى نقاط تفاهم أو تلاق كادت تفسد العملية التفاوضية ، وأيضا تكاد تعصف بالمساعي الدولية ممثلة فى مجلس الأمن الدولى ، والأقليمية ممثلة فى الاتحاد الأفريقى / لجنة حكماء أفريقيا برئاسة ثابو مبيكى، التي سعت للحوار بين الطرفين بشأن القضايا العالقة بينهما.
نزاع ابريل المسلح ووصلت الأوضاع بين البلدين إلى أسوأ حالاتها في شهر ابريل الماضي وكادت تدفع البلدين دفعا إلى الدخول في نزاع مسلح شامل رغم انه لم يمض على حصول جنوب السودان على الاستقلال سوى عام. وتبادل السودان وجنوب السودان الاتهامات بشأن دعم مجموعات متمردة في المناطق الحدودية الفاصلة بينهما، ففي الوقت الذي تندد فيه جوبا بما تصفه القصف المستمر الذي يشنه سلاح الجو السوداني على الجنوب، تنفى الخرطوم من جانبها ذلك وتلجأ إلى مجلس الأمن الدولي متهمة جوبا بشن هجمات على بلدات جنوب دارفور. من جانبه قال وسيط الاتحاد الأفريقى ثابو مبيكى: "لقد سيطر منطق الحرب على النخبة الحاكمة فى كل من السودان وجنوب السودان".
إعلان الطوارئ و أعلن الرئيس عمر البشير حالة الطوارىء، في عدة مناطق حدودية مع جنوب السودان في ولايات جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وسنار بحجة احكام السيطرة وضبط الحدود التى تعانى من غياب الأمن وعدم الأستقرار، وفى المقابل أقدمت قوات الجيش الشعبى التابعة لحكومة جنوب السودان على احتلال حقل هجليج النفطى الحدودى بولاية جنوب كردفان، ولكن القوات المسلحة السودانية مدعومة بالقوات النظامية الأخرى تمكنوا من استعادة السيطرة على هجليج بعد عشرة أيام، إلا أن عمليات التعبئة والحشد على جانبي الحدود في البلدين لم تتوقف.
ضغوط دولية
ودفعت الضغوط الدولية والإفريقية الخرطوموجوبا إلى العودة إلى طاولة المفاوضات في أوائل يونيو الماضي بعد قرار مجلس الأمن في 24 ابريل الماض الذى طالب السودان وجنوب السودان بوقف الأعمال العدائية وبدء محادثات فى غضون أسبوعين واستكمال اتفاق السلام فى غضون ثلاثة أشهر، وتبعه قرار أخر فى السابع عشر من شهر مايو الماضى طالب فيه بوقف الأعمال العدائية على الفور بما فيها القصف الجوى وسحب جميع القوات المسلحة دون اية شروط إلى أراضيهما . واعلن السودان ودولة الجنوب الدخول في المفاوضات بروح ايجابية لتجاوز الخلافات ولكن بعد جولتين من المباحثات فى العاصمة الأثيوبية أديس ابابا أنهى وفدا البلدين التفاوض فى 30 يونيو الماضى و قد حققا تقدما ملحوظا وتوصلا الى اطار استراتيجى للتفاوض ومعالجة كافة القضايا العالقة بينهما ذات الاهتمام المشترك، على ان يعودا للتفاوض مرة أخرى بعد الاحتفال بالعيد الأول لأنفصال الجنوب.
أسباب تعثر المفاوضات ويرى المراقبون أن تعثر العملية التفاوضية بين البلدين يرجع لعدة عوامل أهمها غياب الثقة المتبادلة بينهما في أعقاب انفصال الجنوب، كما أن لغة الخطاب السياسي السائدة في كل من جوباوالخرطوم أعتمدت على مفردات الصراع والحرب وكانت أبعد ما تكون عن مفاهيم المصالحة والتعايش السلمى. أما العامل الثاني فيشير إلى عدم تقدير النخبة الحاكمة في كل من البلدين للمخاطر الأمنية والاقتصادية إذ لا يخفى أن عدم الاستقرار والتدهور الأمني في أى منهما يؤثر سلبا على الدولة الأخرى. وإذا كانت لغة التصعيد وعدم الثقة ودق طبول الحرب هي المهيمنة على المشهد السودانى العام فأن الجميع يدرك أن خيار الحرب لايمكن لأحد تحمل تبعاته إذ انه لا يمكن التضحية بتحويل الموارد الطبيعية في البلدين لشراء الأسلحة والقنابل عوضا عن تمهيد الطرق وبناء الجسور واقامة مشروعات البنية الأساسية التى يحتاجها المواطن السوداني في الشمال والجنوب.
"السلام الشامل"
والتوقيع على اتفاقية السلام الشامل لم يقدم الحل النهائي للنزاع في المنطقة، حيث لا تزال النقاط الخلافية بين السودان وجنوب السودان عالقة ، ويأتي النفط كواحد من أبرز النقاط فقد ورث الجنوب ثلاثة أرباع الموارد النفطية التى كان يملكها السودان الموحد قبل التقسيم ، ولكن جوبا تبقى مرتبطة بالبنى التحتية فى الشمال لنقل نفطها الخام حتى البحر الأحمر حيث لم يتوصل الطرفان الى تفاهم حول رسوم العبور. وفى ظل غياب أي اتفاق بين الجانبين بشأن رسوم عبور النفط عبر أراضى الشمال، قرر السودان اقتطاع جزء من نفط الجنوب المصدر.
وردا على ذلك أوقفت جوبا الانتاج فى يناير الماضى، بل هددت ببناء خط أنابيب جديد يمر عبر أثيوبيا أو كينيا.
وتمتلك حكومة الجنوب 73% من أجمالي النفط السوداني البالغ 500ألف برميل يوميا ، بعوائد تقدر بأربعة مليارات دولار ، فيم لايعرف لحكومة الجنوب مورد أخر غير النفط عدا مبالغ طفيفة تحصل عليها من رسوم الجمارك لاتتعدى 2\% من اجمالى موازنة حكومتها ، أى أن البترول يمثل 98% من جملة صادراتها . ورغم تملك الجنوب الحجم الأكبر من حقول النفط والانتاج، إلا أن الشمال يمتاز بامتلاكه لكافة البنى التحتية لخدمات البترول المتمثلة فى الخط الناقل للمواد الخام ، ومصافى التكرير ، وميناء التصدير،الا ان السودان بحاجة ماسة الى نفط الجنوب لتوفير الامدادات البترولية اللازمة لتدوير عجلة الاقتصاد ،كما يحتاج السودان لأموال الخدمات التى يقدمها لبترول الجنوب سواء كان فى النقل أو التكرير أو التصدير لتوفير قدر من النقد الأجنبى لمواجهة الأزمة الأقتصادية التى تعانى منها الخرطوم .
ترسيم الحدود وهناك أيضا قضية ترسيم الحدود بين الدولتين، فخمس طول الحدود الممتدة بينهما بطول 1800 كيلو متر هى موضع خلاف بينهما .. فضلا عن أن المناطق محل الخلاف غنية بالنفط والمعادن مثل منطقة /هجليج / التى شهدت نزاعا بين الجانبين فى شهر ابريل الماضى، كما انها أراض صالحة للرعي.
اتفاق "السلام" 2005
ينص اتفاق السلام الموقع فى عام 2005 بين جوباوالخرطوم والذى مهد الطريق نحو تقسيم السودان بعد عقود من الحرب الأهلية على أن يكون ترسيم الحدود الجديد على أساس حدود الأول من يناير 1956 عندما نال السودان استقلاله من بريطانيا ، لكن معظم خرائط الفترة الاستعمارية تتضمن ترسيما متناقضا للحدود ، ولم يجر أى ترسيم فعلى على ارض الواقع منذ ذلك الحين . وتأتى منطقة "أبيى"على رأس النقاط الخلافية بين دولتي السودان وجنوب السودان ، حيث يتنازع الجانبان على هذه المنطقة الغنية بالنفط ، والتى تصل مساحتها الى 10 ألاف كيلو متر مربع ، فضلا عن حقل هجليج النفطى أيضا، وكان يفترض إجراء استفتاء في يناير 2011 في أبيي لتحديد انضمامها إلى الشمال أو الجنوب، لكن خلافا حول الأشخاص المؤهلين للتصويت حال دون ذلك .
"المواطنة"
ومن القضايا العالقة بين الجانبين أيضا "المواطنة" فهناك 350 ألف سودانى جنوبى على الأقل في السودان، وآلاف السودانيين في الجنوب وعدد كبير منهم ولدوا واقاموا عقودا على الأراضى التى يتواجدون عليها . ويؤكد الاتحاد الأفريقى أنه يبذل مافى وسعه على كافة المستويات لإنجاح عملية استئناف هذه المفاوضات.. ويشدد على أن السلام هو الحل الوحيد وأن الحرب لايمكنها ان تقدم حلا .