التقيته في قلب شارع بورسعيد بالسيدة زينب في مارس من عام 1999م، وقتها كان شاب صغير يرتدي ملابس متواضعة، ترتسم فوق محياه معاناة جيله، لم يكن أشتري السيارة المارسيدس بعد، بل كان مجرد مذيع ناشئ بتليفزيون الدولة، تم تعيينه فيه بالواسطة وعبر نفوذ من عرفهم بمسقط رأسه، مثله.. مثل شباب وطننا الباحث عن نفسه وعن حياة كريمة، وقتها كنت وما أمثل مليء السمع والبصر وحملاتنا الصحفية تهز الحياة السياسية، وتفضح خيانة الحكم كُله، وكان توفيق عكاشة ربما لا يكاد يعرفه أحد، كما تعرفه الجماهير الآن كنجم مسخرة، وتراه بالشكل الكاريكاتوري المضحك لذي نراه عليه الآن. ووقتها، كُنت قادما من محكمة جنوبالقاهرة بباب الخلق متجها نحو مقر الصحيفة التي اعمل بها، عندما تقدم نحوي شاب نحيف ومتوسط الطول وتبدو عليه الطيبة ودماثة الخلق، وببرود شديد قال لي أنه توفيق عكاشة من شباب الحزب الوطني، وأنه يقود خلية من الشباب تابعة لأمانة الحزب العامة التي يترأسها يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب الوطني المنحل، وأنهم يحضرون محاكمتي مع رفاق لي بسبب حملتنا ضد التطبيع مع "إسرائيل" بالمجال الزراعي، وعرض علي توفيق وقتها خدماته وقال لي أن السيد النائب - يقصد يوسف والي - رجل طيب وكريم ويمكن التفاهم معه، وبإمكانه أن يكون حمامة سلام بيننا، فشكرته وقلت له نحن ليس بيننا وبين الرجل حرب علي مصلحة خاصة حتى ننهيها، ولا تعنينا إلا مصلحة وطننا.
وحتى أُعلم توفيق معني الحفاظ علي الكرامة ورسالة الصحفي والإعلامي الحقيقية، أوضحت له أن يوسف والي من قبل استدعاني في مكتبه حيث كنت أتابع أخبار الوزارة لصالح صحيفتي، وعرض علي خدماته وقال لي انه تحت أمري في أي خدمات، فأبلغته بأنني أريد منه فقط أن يأمر رجاله أن يزودوني بالمعلومات الصحيحة والدقيقة للقارئ عن حقيقة التطبيع مع العدو الصهيوني، وهذا حق كفله لنا كصحفيين القانون والدستور والمواثيق الدولية، لكن يوسف والي كان يريد أن يمنحني رشاوى مثل الأراضي والإعلانات لأصمت علي جرائم قتل أبناء وطننا بالمواد المسرطنة وتدمير زراعتنا وتهديد أمننا القومي عبر هذا التطبيع، وسرح توفيق في كلامي وظهر الحزن علي وجهه، وذهب عكاشة بعيداً عني بعد أن تملكه اليأس وأعتبرني "مش وش نعمة" كما قال لمن أبلغوني بعد ذلك، ساعتها كنت أتحدث معه ونحن وقوفاً بعرض الشارع.
وعلمت بعدها أن توفيق عكاشة هو الذي يقود الشباب ويستأجرهم بالرأس ليهتفوا بحياة يوسف والي وحسني مبارك أمام المحكمة، ويطالبوا بإغلاق صحيفتنا والحزب الذي يصدرها، ولأن بأسهم بينهم شديد مثل بني إسرائيل قال لي المهندس أحمد عبد الفتاح المستشار القانوني ليوسف والي -الموجود بالسجن الآن مثل يوسف والي - قال لي أن توفيق عكاشة من ابرز الشباب الذين يستخدمهم يوسف والي في عمليات التطبيع القذرة ويجهزه للقيام بأخطر الأدوار، وكان عبد الفتاح يردد هذا الكلام كثيراً، ولذلك كان مصير عبد الفتاح المحاكمة والسجن بعد أن ابلغ عنه يوسف والي دوائر رقابية.
فلقد جاء توفيق عكاشة من قريته إلي القاهرة ليعمل بوزارة الإعلام وهو جاهز ويعرف طريقه لرموز حكم مبارك، يعرف كيف يتملقهم ويقبل أياديهم ويلعق أحذيتهم ويسبح بحمد كبيرهم الذي علمهم سحر خيانة الوطن، وسحر استغلال النفوذ وسحر تبديد ثرواته، لذلك استغل توفيق عكاشة ميكرفون وزارة الإعلام في التقرب من رموز الحزب الوطني الحاكم، بعد أن منحوه برنامج أسبوعي، أثر تعليمات مباشرة من يوسف والي لقيادات بالتليفزيون، ومع يوسف والي عرف توفيق طريق التسلق، وبات يحترف أعمال أخري إلي جانب الإعلام ومنها السمسرة في الأراضي.
ومن المخجل، بل من الجنون أن يطل علينا توفيق عكاشة من فوق الفضائية التي يمتلكها لكي يهاجم من يسطون علي أراضي الدولة، ويهدد وزراء وأجهزة لأنهم لا يتصدون لهم، وتوفيق أول من استولي علي أراضي الدولة التي منحها لها يوسف برخص التراب وباعها بمئات الملايين من الجنيهات، حيث أسس عكاشة جمعية وهمية واستحوذ علي مساحة تزيد عن خمسة ألاف فدان بمنطقة ستة أكتوبر إلي الغرب من القاهرة، أنا الآن أتقدم ببلاغ لكافة الأجهزة الرقابية عن مدي قانونية منع مذيع كل تلك المساحات التي بددها علي عناصر واستولي علي جانب كبير منها، أنا أريد من توفيق أن يخرج ليكذب ما أقوله إن أستطاع أتحداه أن يفعلها والأرض مكانها معروف وصور خارطتها موجودة بوزارة الزراعة وهي موجودة علي أرض الواقع.
وإذا ما كان رجال أعمال حسني مبارك استغلوا منابرهم الإعلامية المختلفة بعد ثورة 25يناير في القفز علي موجتها وارتداء ثوبها، فأن رجال نظام مبارك بالحزب الوطني وغيره ومن بينهم توفيق عكاشة وأخر مالك لصحيفة وطرد مؤخرا من تقديم برنامج، هؤلاء يستغلون منابرهم الإعلامية منذ قيام الثورة في مداهنة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وافتراض وجود مواجهة بينه وبين أهم الفصائل الثورية، والمصيبة أن هؤلاء جميعا يفهمون الأمور بشكل خاطئ، وعلي الرغم من الصفعات التي يتلقونها علي أيدي الشعب تارة والمجلس العسكري تارة أخرى إلا أنهم يصر ون علي المضي في طريقهم، ولا يريدون أن يفهموا أن المجلس والجيش يقفان علي الحياد، وأنهم يصرون علي وضع مصر بمصاف الدول الديمقراطية المتحضرة.
لكن للأسف نجد توفيق بات ظاهرة ففي كل قناة الآن بات يوجد توفيق عكاشة وان كان بشكل عاقل، وهؤلاء جميعهم يسخنون ويمهدون الأجواء لصدام موجود في عقولهم فقط بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان، وهؤلاء جميعا تربوا في عصر الفساد والطغيان وإرهاب الأمن ولا يريدون أن يفهموا أبداً أن هذا العصر انتهي، هُم يصرون علي إعادة إنتاجه، لذلك نتفهم لماذا هاجم توفيق عكاشة الجيش والمخابرات والقضاء والرئيس المنتخب والإخوان وظهر أمام الجماهير بهذا الشكل القميء.
أيها السادة والسيدات، توفيق عكاشة بات ظاهرة تضم عدد من الإعلاميين الحالمين بإعادة إنتاج الثورة، وتوجد عناصر في أجهزة أمنية من فلول نظام مبارك تضللهم وتزودهم بمعلومات خاطئة مفادها أن المؤسسة العسكرية لن تترك الرئيس المنتخب يؤدي دوره وستعطل أعماله وتشوه صورته بين الناس بعد أن تظهره بمظهر العاجز عن حل مشاكل الشعب كما أظهرت البرلمان من قبل، وهذا ما يتوجب علي السيد الرئيس المنتخب والسيد المشير محمد حسين طنطاوي ورفاقه أن ينتبهوا له جيدا ويطهروا قطاعات الإعلام والأمن من تلك العناصر الساقطة التي باتت تسيء بالفعل لكل الإنجازات المبهرة التي تقوم بها المؤسسة العسكرية لبناء دولة القانون والحرية والعدالة، وتسليم سلطتها لأبناء شعبنا. -*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*- أسمع محمد عبدالوهاب يغني .. «النهر الخالد» -*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*- [email protected]