يوافق غدا الخامس من يونيو الذكرى ال 37 لإعادة افتتاح قناة السويس عام 1975أمام حركة الملاحة الدولية بعد ثمانية أعوام أغلقت فيها القناة بسبب العدوان الإسرائيلى الذى تعرضت له مصر فى نفس هذا التاريخ عام 1967 . ولقد اختار الرئيس الراحل أنور السادات يوم النكسة نفسه ليكون يوم الاحتفال بعيد الفتح الثانى لقناة السويس وكأنما أراد أن يبعث للعالم كله برسالة واضحة بأن زمن الهزائم قد ولى وأن مصر الأبية المنتصرة محت من واقعها ووجدانها وتاريخها كل أثر لهزيمة اقتيد اليها جيشها غدرا من دون أن يختبر أو يحارب حقا وهو الجيش نفسه الذى أثبت للعالم بعد ست سنوات أنه قادر على سحق الأعداء .
وقناة السويس التى أفتتحت رسميا عام 1869 فى عهد الخديوي اسماعيل جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر وقد تأثرت بالأحداث السياسية والأقتصادية العالمية والحروب حيث تعرضت للأغلاق بسبب الحروب خمس مرات الأولى عام 1882 مع بدء الاحتلال البريطانى لمصر ، والثانية لمدة يوم واحد عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولى ، والثالثة خلال الحرب العالمية الثانية لمدة ستة وسبعين يوما ، والرابعة عام 1956 نتيجة العدوان الثلاثى على مصر بعد تأميم القناة أما الخامسة فكانت نتيجة العدوان الاسرائيلى على مصر .
لقد تكبد العالم خسائر فادحة حينما أغلقت القناة لمدة 8 سنوات وكانت القارة الأوروبية الأكثر تأثرا من الاغلاق نتيجة زيادة التكاليف الناجمة عن طول المسافة التى تقطعها شاحنات البترول حتى تصل الى أوروبا وأمريكا الشمالية ، وارتفاع أجور الناقلات والشحن بسبب المسافات الاضافية للدوران حول رأس الرجاء الصالح والتى تضيف مزيدا من الوقت حيث أضطرت السفن الى الدوران حول القارة الأفريقية للوصول الى أوروبا مما أدى الى رفع أسعار شحن البترول وغيره من السلع والبضائع .. وبالتالى فإن أى خلل طويل الأمد فى قناة السوويس يعنى أهتزازالأسواق الدولية بشكل لايمكن أن تعوضه أى وسيلة أخرى .
وتعتبر قناة السويس أهم شريان مائى للتجارة العالمية ،واهم وسيلة نقل بترول من الشرق الى الغرب منذ أن تم افتتاحها وتتميز بتوفير الوقت والمسافة والتكلفة وتستخدم قناة السويس فى نقل 7\% من تجارة العالم المنقولة بحرا ، و35\% ينقل من والى موانىء البحر الأحمر والخليج العربى ، بينما 20\% من والى موانىء الهند وجنوب شرق أسيا ، و39\% ينقل من والى منطقة الشرق الأقصى .. ويمثل البترول أكثر من 79\% من مجموع البضائع العابرة لقناة السويس .
أما من ناحية أمان السفن فى عملية الملاحة فهناك مراقبة الكترونية عن طريق التحكم بالأنظمة الرادارية للسفن من خلال المراقبة وتنظيم القوافل وهناك تطوير كامل من خلال كاميرات كهرو بصرية بالليزر تتيح رؤية السفن فى المجرى الملاحى ومتابعتها ، وهناك غرف مراقبة فى السويس والاسماعيلية وبورسعيد والهدف هو التأمين الملاحى ضد أى عمليات ارهابية .
ويشير المتخصصون الى أن مشروعات التطوير والدراسات الخاصة بالقناة لا تتوقف حيث أن هناك مشروعات مستقبلية مازالت تحت الدراسة تهدف الى زيادة أعماق التفريعات الحالية للسماح بعبور السفن العملاقة بها وكذا إنشاء تفريعات إضافية لزيادة طول الأجزاء المزدوجة من القناة لزيادة الطاقة التصريفية وتقليل زمن عبور السفن.
كما تتم دراسة الوصول بالغاطس الى 72 قدما لجذب ناقلات البترول العملاقة ويتحدد ذلك طبقا لدراسات الجدوى ، أما فى مجال تطوير أسطول القاطرات ، فالهيئة تولى اهتماما بالغا بتطوير أسطول القاطرات حيث انها تعتبر العصب الرئيسى فى تسيير حركة الملاحة بالقناة وقامت الهيئة أخيرا ببناء وتسلم 3 قاطرات بقوة شد 50 طنا وجارى بناء 4 قاطرات بقوة شد 70 طنا وتمتلك الهيئة حاليا 86 قاطرة وتقوم بأعمال المصاحبة والقطر والإنقاذ ومكافحة الحرائق .
ويأتى هذا التطوير نظرا لأهمية قناة السويس وموقعها الاستراتيجى وحتى لا تفكر أى دولة أخرى فى انشاء مشروعات أخرى مشابهة للقناة حيث تواجه قناة السويس العديد من التحديات منها محاولات اسرائيل التى لا تتوقف فى ايجاد بديل لقناة السويس فهو هدف استراتيجى لها وحلم قديم تعددت مساعى تحقيقه ، فتارة تلوح بقناة منافسة لقناة السويس تربط البحر الأحمر بالبحر الميت وصولا بعد ذلك الى البحر المتوسط عبر ممر مائى أو خط سكة حديد وهذا المشروع مازال حلما وليست حقيقة ، وتارة اخرى تفكر اسرائيل فى انشاء خط للسكة الحديد ممتد من حيفا على البحر المتوسط وأشدود وحتى ايلات على خليج العقبة فى البحر الأحمر ، وهذا المشروع يطرحوه كل فترة كتهديدات دون ان يكون له جدوى أقتصادية .
أما المشروع الثالث ضمن منظومة المشروعات الاسرائيلية فهو خط أنابيب البترول /خط الأنابيب الاسرائيلى /وهذا الخط طاقته 60 مليون طن سنويا وكان يعمل بكامل طاقته خلال حكم شاه ايران وينقل من ايلات على البحر الأحمر الى اشكيلون فى البحر المتوسط كما ينقل بترولا خاما قادما من الخليج الى البحر المتوسط وهذا الخط يعمل الأن فى مجال النقل الداخلى فقط وتهدف اسرائيل الى تنشيط هذا الخط وأن يعمل بالعكس من البحرالمتوسط الى البحر الأحمر وما يمنعهم من ذلك هو التوترات السياسية فى المنطقة .
ويرى الخبراء الأقتصاديون ان الأزمات الأقتصادية العالمية تمثل تهديدا يفوق تهديد اسرائيل والدليل على ذلك الانتكاسة التى تعرضت لها ايرادات القناة التى أنخفضت بمقدار 2\% عام 2009 تأثرا بالأزمة المالية التى ضربت الأقتصاد العالمى عام 2008 وهو مالم يحدث لها أثناء الثورة .
وهناك أيضا الخطر المتمثل فى التهديد الايرانى بغلق مضيق هرمز المسئول عن مرور من 30 الى 40 \% من النفط العالمى حيث تمثل ناقلات النفط حوالى 20\% من اجمالى السفن العابرة للقناة وتوقفها يعنى خللا لخمس قوة القناة ، كما ان هناك مخاطر أخرى تهدد القناة على المدى الطويل تتمثل فى تحول التجارة العالمية بعيدا عن الدول الصناعية المتقدمة نحو البلدان النامية مما يزيد من احتمالات اللجوء لشق طرق للملاحة بين بلدان الجنوب ، وذلك سيؤثر بالقطع على قناة السويس فى وقت القناة بحاجة الى تحويلها لميناء خدمى تنشط فيه الصناعات والخدمات البحرية للاستفادة منها للحد الأقص .
وقناة السويس تقع عند خط التماس بين افريقيا وأسيا وأصبحت جزءا من جغرافيا العالم ،وتضخ خيرا ونماء بفضل الأجداد الذين حفروها بعرقهم ودمائهم وضحوا ب 431 ألف شهيدا ماتوا جوعا وعطشا وحصدتهم أوبئة الكوليرا والجرب على شط القناة .
أستغرق حفر القناة 10 سنوات كاملة حيث بدأ فى أبريل 1859 وأنتهى فى نوفمبر 1869 بطول 193 كيلو متر ، وأعلن الزعيم جمال عبد الناصر تأميمها فى 26 يوليو عام 1956 على أن يكون دخلها للمصريين فقط .
وقد سجل التاريخ ان مصر أول دولة فى العالم شقت قناة صناعية فى أراضيها لتربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر وكانت البداية الأولى عن طريق نهر النيل وفروعه فى عهد الملك سنوسرت الثالث عام 1874 قبل الميلاد سميت وقتها بخليج سيزوستريس .. ومنذ عام 1310 قبل الميلاد تتابع على مصر ملوك وحكام منهم من أيد استمرار القناة ومنهم من رفضها مثل الملك تحاو الأول الذى أستعشر أن هذه القناة قد تفتح شهية دول الشمال والشرق لغزو مصر أو على الأقل ستجلب لها المتاعب وعلى العكس من ذلك فقد رأى الملك تحاو الثانى اعادة فتحها من جديد عام 610 ق م وعلى مدى مائة عام عاد التخوف مرة أخرى واحتل الفرس مصر فقرر دارا الأول أحد ملوكهم عام 510 ق م فتح القناة من جديد .
وفى عام 285 ق م احتل الأغريق مصر بعد طرد الفرس وقرر بطليوس الثانى أحد ملوك البطالمة اعادة فتحها من جديد .. ولم يدم الحال طويلا للأغريق حيث احتل الرومان مصر ويعيد الامبراطور الرومانى تراجان القناة للعمل من جديد فى عام 117 م وبعد الفتح الاسلامى لمصر فى 629 م و 21 هجرية على يد عمرو بن العاصى الذى قام بانشاء قناة أمير المؤمنين واستمرت القناة تعمل لمدة 150 عاما .
ثم ردمت فى عهد الدولة العباسية . وعقب الاحتلال الفرنسى لمصر على يد نابليون بونابرت عام 1798 كلف كبار مهندسيه بدراسة مشروع قناة بحرية لربط البحرين مباشرة وبشكل رأسى بين الشمال والجنوب .
وأثبتت الدراسة التى أجراها بطريق الخطأ وجود فارق كبير بين مستوى البحرين فتوقف المشروع خوفا من اغراق المنطقة ، ولكن الدراسات لم تتوقف وفى عام 1805 تولى حكم مصر محمد على فسعى الانجليز لحفر القناة من جديد لكن محمد على رفض وقال قولته الشهيرة / لاأريد ان أخلق بسفورا جديدا عندنا .
وعاد الانجليز محاولتهم مع محمد على باشا فطلبوا اليه ان يمد خط سكة حديد من الأسكندرية للقاهرة ومن القاهرة للسويس كربط للبحرين بطريق برى فوافق وأرسلوا معدات السكة الحديد من قضبان وألات وغيرها وتم تشوينها فى مصر ثم قام محمد على بمصادرتها والاستيلاء عليها وأستخدمها فى بناء القناطر الخيرية .
وتمر الأيام ثم ينتقل الحكم لإبنه ابراهيم باشا فيرفض الفكرة ثم يتولى الحكم عباس الأول فيرفض أيضا وبموت عباس الأول ينتقل الحكم الى محمد سعيد باشا ابن محمد على الذى وافق على الفكرة ، وتم حفر قناة السويس ،وستظل قناة السويس دائما شريانا للرخاء والخير لمصر وللعالم وستظل هى الاختيار الأول والأمثل للسفن الباحثة عن عبور أمن يحقق لها الوفر فى الوقت والمال .