أعلن سعد الحريري رئيس الحكومة اللبناني السابق زعيم "تيار المستقبل" أن المسلمين في لبنان ليسوا كياناً سياسياً مستقلاً قائماً في ذاته، بل هم ركن من أركان المعادلة الوطنية التي يشكل المسيحيون في لبنان نصفها الأول. وأضاف الحريري: "إرادتنا في لبنان أن نعيش في وطن موحد لا ضمانة فيه من طائفة إلى أخرى إلا ضمانة الدولة المسئولة عن جميع المواطنين، والديمقراطية تحمينا جميعاً وهي ضمانتنا للعيش المشترك في وجه التشرذم وللوحدة في وجه الانقسام وللحوار في وجه التعصب".
جاء كلام الحريري من باريس في سياق إطلاقه مجموعة مواقف سبقت تلاوة رئيس كتلة "المستقبل" النيابية فؤاد السنيورة الوثيقة السياسية للتيار التي حملت عنوان "تيار المستقبل وآفاق الربيع العربي"، وتضمنت "رؤية متكاملة لمجريات الأحداث في المنطقة العربية".
ورأى الحريري حسبما ورد بجريدة "القدس" الفلسطينية، أن الربيع العربي يتيح أمام اللبنانيين فرصة ذهبية لتحديث تجربتهم الديمقراطية وتصفيتها من مخلفات الحروب الطائفية وسياسات الاستقواء والرهانات على الخارج، وقال الحريري: "جميعنا معنيون بالتقاط هذه الفرصة وتجنب القراءات الخاطئة لمسار الربيع العربي، خصوصاً التغيير الحتمي للنظام القائم في سورية".
وتابع: "اللبنانيون أمام هذا المشهد، إما أن يختاروا طريق الالتحاق بالأنظمة العمياء فيعملوا على تجميل الوجه الإجرامي القبيح لتلك الأنظمة، وإما أن يأخذوا بيد الشعوب الحرة في مطالبتها بالحرية والعدالة، وفي يقيني أن شعب لبنان لن يختار سوى طريق الشعوب".
وسأل الحريري: "أي دين وأي أخلاق وأي دستور تجيز تبرير كل هذه الجرائم وعمليات القتل التي يقودها نظام بشار الأسد، وأين مصلحة لبنان في الرهان على نظام يغرق في حقول الموت التي أنشأها؟".
ودعا أصدقاء النظام السوري في لبنان إلى أن يدركوا أن قوة الحديد والنار لن تتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وقال: "هذا النظام يستطيع أن يعيش لأسابيع عدة أو شهور لكن الشعب السوري هو الذي سيبقى إلى الأبد".
وتوجه الحريري إلى قياديي "المستقبل" الذين حضروا المؤتمر الصحافي للسنيورة الذي أعلن فيه الوثيقة السياسية، وقال: "عليكم أن تعلموا من موقع الشراكة الوطنية مع إخوانكم اللبنانيين بأنكم لستم الآن، ولا في أي مرحلة من المراحل، في مجال تقديم الضمانات لأي جهة أو مجموعة، ولستم بالتالي في مجال توجيه الرسائل لأي فريق بأنكم جزء من ربيع عربي مترامي الأطراف تراهنون عليه لقلب المعادلات في هذا الاتجاه أو ذاك".
أما السنيورة، فاعتبر أن "الربيع العربي بحركيته الشعبية الواسعة وفعالياته التغييرية الكبيرة على مستوى المنطقة العربية والجوار الإقليمي يشكل فرصة كبرى للبنان للخروج من الرهانات والإرتهانات، والتوجه بالإرادة الجامعة إلى الإصلاح والمصالحة والطائف والدستور".
ورأى أن على الجهات السياسية اللبنانية مسؤوليات للدخول في غمار التغيير العربي والتخلص من الظواهر السلبية للنظام والوصول بالتدريج إلى الدولة المدنية الحقة.
وأكد السنيورة أن الربيع العربي أنهى مشروعية كل أنظمة الاستبداد ورفع الغطاء عن جماعات الحكم الفاسدة ورسخ مبادئ الشرعية الديمقراطية وهي مبادئ تحول دون استقواء طرف على طرف وتنهي تورم الخصوصيات على حساب الدولة أو انعزالها عنها وتقطع حجة أي سلاح خارجها مهما كانت مسمياته وغاياته".
وقال السنيورة: "لا ينبغي أن يشهد لبنان صراعاً سنّياً – شيعياً ويجب أن يبقى أنموذجاً للوحدة الإسلامية والوطنية".
وتحدث السنيورة عن تصريحات زعماء دينيين ومدنيين من مختلف الطوائف في لبنان وسورية يعربون فيها عن قلقهم وهواجسهم وتخوفاتهم من ظهور وجه إسلامي متشدد لبعض هذه الثورات، وقال إن "كل هذه الهواجس قد يكون لها ما يبررها وهي تستدعي النظر والمراجعة والتفهم، بيد أن ترتيب نتائج سياسية قاطعة عليها أمر آخر تماماً".
ولفت السنيورة إلى "مسارعة وسائل الإعلام الموالية للنظام في سورية إلى اتهام المتظاهرين السلميين من أجل الحرية والكرامة بأنهم جزء من المؤامرة على النظام القومي الممانع والمقاوم والمسارعة إلى الخروج من العروبة كلها بسبب إجماع دول الجامعة على رفض العنف الهائل الذي يمارسه النظام الحالي ضد شعبه".
واعتبر السنيورة أنه "لا مخرج من هذه الدعاوى الاستبدادية والتزويرية إلا بزوال أنظمة الطغيان"، في إشارة إلى أن اللبنانيين "اعتادوا على مدى عقود أن يتعاملوا مع النظام في سورية من موقع الخوف والتبعية ومن اعتبارهم العروبة تتحدد من خلال الولاء لنظام القومية العربية الأوحد المسيطر على دمشق والتسليم بأن المقاومة تتمثل حصراً في حزب الله والنظام السوري الممانع مرة أخرى"، لافتاً إلى أن "تجربة السلاح غير الشرعي في لبنان عصفت بالجميع وهناك من خسر الكثير من وهج انتصاره بخروج الجيش الشقيق وباستعمال السلاح في الاستقواء الداخلي".