قد لا يعرفه الكثير من المصريين، وربما لم يسمع عنه معظم شبابنا، رغم أنه، ناضل كثيراً من أجل استقلال الوطن ومن أجل كل مصرى.. كافح طويلاً من أجل الحريات، نضاله بدأ منذ الملكية حتى سجن وهو فى السبعين من عمره، فى اعتقالات سبتمبر 1981. بهذه المقدمة ، استهلت الاحتفالية الثقافية التي شهدها معرض القاهرة للكتاب أمس بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد الكاتب فتحي رضوان، وشارك فيها د.عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان واعتذر عنه الكاتبة صافيناز كاظم وأحمد الخميسى. قدم د. عاصم الدسوقى عرضا مستفيضا لحياة وتاريخ وفكر الراحل الكبير إلى جانب أسرار ابتعاد فكر وفلسفة فتحى رضوان عن الإخوان والشيوعيين. وقال: كانت قضية الاستقلال وطرد المستعمر البريطانى هى قضية فتحي رضوان، كان خريجا جديدا - خريج كلية الحقوق فى الثلاثينيات – عندما انضم لجمعية «مصر الفتاة» وكان شعارها مصر قبل كل شىء، مشيرا إلى أن مئوية فتحى رضوان تزامنت مع ثورة 25 يناير.. ومن هنا يجب أن نؤكد أن النضال المصرى بدأ مبكرا وكان الشباب فى المشهد دائما. وأضاف: بدأ فتحى رضوان العمل السياسى و عمره 22 عاماً حين تخرج من كلية الحقوق عام 1933.. نشأ فى أسرة مصرية بسيطة شكلت وعيه ونمت عنده حب الوطن، تأثر بوالدته التى كانت تؤمن بالدور الوطنى الكبير للزعيم مصطفى كامل فجعلته يحب مصطفى كامل وهو طفل صغير.. ولد فى المنيا وحصل على الثانوية من أسيوط وعاش فى حى السيدة زينب وهى منطقة شعبية تمثل روح مصر الحقيقية، تشّرب الوطنية حيث التيارات الوطنية والفكرية التي كان يزخم بها الحي العريق.. وهو ينتمى لجيل الأربعينيات والخمسينيات.. ذلك الجيل الذى وضع مصر نصب اعينه. وفى السنة التى تخرج فيها من الجامعة التقى بالكاتب أحمد حسين وأسسا جمعية «مصر الفتاة» وهو اسم مأخوذ من تركيا التى كونت لديها عام 1908 حركة تركيا الفتاة لاستعادة الدور الحضارى لتركيا وكذلك إيطاليا. وهذه الجمعية التى أسسها فتحى رضوان وأحمد حسين وهما شابان، كان هدفهما استقلال مصر من الحماية البريطانية برغم الإعلام الدستورى سنة 28 الذى يقر باستقلال مصر عن بريطانيا ولكن هذا لم يحدث، ولم تستطيع مصر دخول عصبة الأمم عام 1919 لأن الذى انضم إلى عصبة الأمم هى الدول المستقلة فقط. بالطبع – الكلام للدكتور عاصم الدسوقى - كانت هناك فى ذلك الوقت حركات شعبية وحزبية تنادى بالاستقلال السياسى لمصر عن بريطانيا ولكن الفرق فى جمعية «مصر الفتاة» التى أسسها فتحى رضوان أنها كانت تطالب بالاستقلال الاقتصادى عن المستعمر وقادت حملة كبيرة تسمى «مشروع القرش» أى كل مواطن مصرى يتبرع بقرش صاغ فقط لإقامة المشروعات وبالفعل تم إقامة مصنعين أحدهما للكراسى والآخر لصناعة الطرابيش وهذا المشروع القوى والوطنى تم محاربته من قبل المستثمرين الأجانب أصحاب المشروعات الاقتصادية فى مصر الذين حاربوا أيضا الاقتصادى المصرى الكبير «طلعت حرب» ورفضت البنوك إعطاءه سلفة مالية ولقد توفى عام 1941 بحسرته وضياع حلمه الوطنى بالاستقلال الاقتصادى. ويستكمل د. الدسوقى: اكتشف فتحى رضوان أن شريكه أحمد حسين يميل إلى القصر الملكى وفى عام 1940 حول أحمد حسين جمعة «مصر الفتاة» إلى «الحزب الوطنى الإسلامى» والشعار «الله.. الملك.. الوطن» مما أدى إلى خروج الأقباط من جمعية مصر الفتاة ثم تحول أحمد حسين مرة أخرى وحول هذا الحزب إلى «الحزب الاشتراكى» عام 1949 مما أدى فى النهاية إلى انفصال فتحى رضوان عنه وانضمامه إلى الحزب الوطنى الذى كونه الزعيم مصطفى كامل وكان رافضاً جميع التيارات الإسلامية والسياسية الأخرى الموجودة على المسرح السياسى المصرى لأنه كان يميل إلى الوسطية السياسية. فى هذا الوقت كان هناك اتجاه يسعى لمواجهة و الرأسمالية والشيوعية، وتجسد ذلك فى النازية، وهي كما يقول الدسوقي ليست كما روجت لها آلة الإعلام الغربية الأوروبية والأمريكية ، ولكنها مصطلح يتكون من «NZ» أى «الاشتراكية الوطنية» فقد كان هتلر يكره الرأسمالية والشيوعية أى دور الدولة فى الاقتصاد مع رأسمالية موجودة ولكن مع سيطرة قانون الدولة وهو ما قام به تيتو وعبد الناصر أى أقام عدالة اجتماعية. يواصل الدسوقي: عندما انضم فتحى رضوان إلى الحزب الوطنى ، اكتشف أن الحزب مبادئه تغيرت بعد رحيل «محمد فريد» تلميذ الزعيم مصطفى كامل، فترك الحزب وأسس «الحزب الوطنى الجديد» عام 1944 وأصدر جريدة بعنوان «اللواء الجديد» فى نوفمبر 1944. كان فتحى رضوان ضيفا دائما على المعتقلات ففى حريق القاهرة تم اعتقاله بدون وجه حق، والقضية فى الآخر قيدت ضد مجهول والفاعل كان معلوم ولكن لا يمكن الإشارة إليه، حيث لا توجد جريمة كاملة فى التاريخ.. وظل فتحى رضوان فى المعتقل إلى أن جاءت ثورة 23 يوليو 1952 فتم خروجه من المعتقل وهنا تجب الإشارة إلى أن الحزب الوطنى الجديد كان فى الأربعينيات وهى الفترة التى شهدت تكوين تنظيم جماعة الضباط الأحرار وكلاهما كان بعيدا عن التيار الإسلامى ممثلاً فى الإخوان المسلمين والتيار الشيوعى. فأفكار الحزب الوطنى الجديد كانت قريبة من أفكار الضباط الأحرار وبعد الثورة وحين تشكلت حكومة الثورة جاء فتحى رضوان وزير إرشاد ومعه أربع وزارات تولى مناصبها أعضاء من الحزب الوطنى الجديد.. وهى الوزارة التى كان من بين أعضائها أحمد حسن الباقورى وزير للأوقاف، وهو ما أدى إلى فصله من جماعة الإخوان كما يحدث الآن مع الدكتور «عبدالمنعم أبوالفتوح».. كان فتحى رضوان أيضا عضو فى مجلس الأمة عام 1957 ولكن خرج من الوزارة 1958 بسبب الاختلاف مع نظام حكم عبد الناصر.. ولكن حينما نشر كتابه «إحدى عشر شهراً مع عبدالناصر» ليكشف فيه عن أسباب الاختلاف لم يحمل كراهية أو ضغينة لعبدالناصر وحين نشر عام 1985 «72 شهر مع ناصر» اعتبر ناصر ليس رئيس دولة بل كان عهداً بشر بمبادئ لحياة جديدة من حيث التطوير والتغيير كما أورد فى هذا الكتاب نوادر وحوادث كثيرة تشير إلى سماحة وديمقراطية عبدالناصر، أيضاً قال عن جلسات المجلس كانت تلقائية ولم يكن أحد ينافق فيها عبدالناصر وهذه شهادته للتاريخ. وأشار د. عاصم الدسوقى إلى مواقف فتحى رضوان المناهضة للرئيس الراحل محمد انور السادات وقال: لقد وقف فى وجه السادات منذ عهد الانفتاح وهاجمه علناً بعد اتفاقية كامب ديفيد مما أدى إلى اعتقاله فى سبتمبر 1981 ضمن حملة الاعتقالات الشهيرة، وعندما خرج بعد اغتيال السادات أسس جمعية «لحقوق الإنسان» وكان فى طليعة المعارضين لحسنى مبارك. وفى خصومته مع الوفد كتب سلسلة مقالات فى مجلة الدوحة القطرية وكان رئيس تحريرها رجاء النقاش تحت عنوان «زعماء فى قفص الاتهام» وبدأها بمقال عن الزعيم سعد زغلول. وحول سؤال عن تبرأ الإخوان من الباقورى ثم إصدار الباقورى كتابه بعنوان «ثائر تحت العمامة» اعتذر فيه لجماعة الإخوان لأنه قبل الوزارة، وهناك أيضاً تعليق من أحد الحضور عن ندوة منتصف الثمانينيات بعنوان«احتفالية عن مصطفى النحاس» وكان يحاضر فيها فتحى رضوان وكشف عن عدائية شديدة لحزب الوفد. فرد د. عاصم الدسوقى: كتاب الباقورى «ثائر تحت العمامة» هذا موضوع آخر فهل هو قبل الوزارة أم لا هذا هو السؤال والموقف وتسجيله فى وقتها وليس فيما بعد. جدير بالذكر أن الكاتب الراحل قدم للمكتبة العربية العديد من المؤلفات منها : "72 شهرًا مع عبد الناصر"و "أسرار حكومة يوليو"و"الخليج العاشق" و"حركة الوحدة في الوطن العربي" و"خط العتبة" و"دموع إبليس" و"طلعت حرب بحث في العظمة" و"محمد الثائر الأعظم" و"مع الإنسان في الحرب والسلام" و"موسوليني" و"نظرات في إصلاح الأداة الحكومية".. وغيرها من المؤلفات والمقالات التي تنم على سعة أفقه الفكري والسياسي. ورحل فتحى رضوان عن عالمنا عام 1988 ودفن بجوار مصطفى كامل ومحمد فريد