تتهافت كل القوى العالمية ومطابخها السياسية لقطف ثمار الحراك الشبابي العربي في تسارع عجيب، فقد أعلنت الخارجية الأمريكية عن مشروعها التمويلي لكافة القطاعات الاجتماعية في تونس ومصر لدعم البرامج السياسية التي يمكن طرحها عبر الاحزاب أو عبر مركز الدراسات، بهدف تجذير الفعل الديمقراطي وتبادل السلطات واقامة الدواة العربية المؤسساتية الحديثة. وقد أثار هذا التوجه الامريكي لغطاً في اوساط الثورة التونسية والمصرية ايضاً. لكن ما يثير الشجن الفكري والحضاري في دراسة الشخصية العربية هو ان بعض الرموز السياسية العربية ما زالت تتمسك بضرورة عودة الدكتاتور الى سدة الحكم، والتشكيك من قبل البعض في قانونية تنحي مبارك على سبيل المثال. ففي الوقت الذي تسرب خبر وفاة الرئيس المخلوع حسني مبارك والاستعداد العالمي لاقامة سرادق العزاء، نفت السلطات المصرية مثل هذا الخبر موضحة ان مبارك يعاني في معتقله العاجي في شرم الشيخ من الوهن العام وفقدان الشهية. في مثل هذا الوقت بالذات اقتحمت مجموعة من المصريين قاعة المدعي العام في احدى المحاكم المصرية، مطالبة ومن خلال مرافعة لمحامي مفوه بكل الدجل القانوني برفض فكرة تنحي مبارك قانونياً لانها لم تمر عبر قنواتها القانونية. وهنا يحق لنا ان نستهجن مثل هذا الفعل في استمراء طبيعة الاستعباد عند بعض القطاعات الاجتماعية العربية. بحيث تقف هذه القطاعات ضد الارادة المليونية للجماهير التي اعتصمت في ميدان التحرير من أجل خلع الرئيس الدكتاتور والفاسد. ونحن ندرك تماما ان الثورات في التاريخ الانساني العالمي لم تستعمل القفازات الحريرية في خلع هذا النظام أو ذاك، لا بل ان معظم الثورات قد قامت بحرق الانظمة التي ثارت عليها وصلبتها وعلقتها على اعواد المشانق. ان العاطفة الجماعية التي استطاعت تدمير قوانا الحضارية، وترسيخ مبدأ الشفقة، وربما التمويل من الدكتاتور ذاته هو الذي يجعل مجموعة مثل هؤلاء تقتحم المحكمة منادية بعودة الرئيس المظلوم، ومشككة بالقانون الذي أعلن من خلاله التنحي عن رئاسة الجمهورية. والعاطفة الجماعية المتخلفة هي التي تقود الشعوب التي وقفت على عتبة التحرر نحو عتمة الغباء الحضاري والاستمراء المزمن للاستعباد والركوب الابدي على ظهر الجماهير. والحال يمكن القول بان الثورات المضادة في تونس والقاهرة بدأت تسترد انفاسها بالتمويل والحماقات الجمعية وكان الله بالعون.