بالجمع بين الدراسة العلمية والإرادة الحكومية لخصت مصر تجربة واقعية أصبحت نموذجا يحتذى به في العالم، وهي في طريقها "الناجح" للقضاء على الالتهاب الكبدي الوبائي "فيروس سي". فقد أحدثت مصر "طفرة" في السيطرة على المرض وعلاجه في 2015، مع الاعتماد على أدوية مثيلة زهيدة الثمن مصنعة في مصر. وبفضل هذه الأدوية أعلن وزير الصحة أحمد عماد الدين راضي، في أكتوبر الماضي، أن "قوائم الانتظار انتهت"، وذلك في إشارة إلى قوائم المرضى الذين كانوا ينتظرون بالشهور للحصول على دورهم في العلاج. وتعهد راضي، خلال احتفال عند سفح الأهرامات، يوم الرابع من أكتوبر بمناسبة (يوم الكبد المصري)، بالقضاء على مرض التهاب الكبد (سي) في مصر بحلول عام 2020. وفي نفس الحفل أثنت مديرة منظمة الصحة العالمية مارغريت تشان على جهود مصر في مكافحة المرض. وقالت: "أريد أن أثني على الحكومة لالتزامها الكامل بتقديم دواء بأسعار معقولة للمصريين. عملت الحكومة بجدية كبيرة، ولاقت دعما فنيا من منظمة الصحة العالمية". وقال ممثل المنظمة في القاهرة جان جبور ل"رويترز"، في مقابلة، إن ما حققته مصر "إنجاز كبير"، وإن هذا النجاح دفع المنظمة للعمل على "نقل تجربة مصر إلى بلدان أخرى في العالم". البداية بدأ التحول عام 2014 مع بدء استيراد مصر، التي تقول منظمة الصحة العالمية إن بها واحدا من أعلى معدلات الإصابة بالمرض في العالم، عقاقير حديثة بأسعار مخفضة، وتطبيق منظومة علاجية جديدة تعتمد على تقديم طلبات العلاج على الإنترنت. وأظهر مسح لعينة عشوائية أجري سنة 2008 أن نسبة انتشار المرض في مصر تقدر بنحو 9.8 في المئة من إجمالي عدد السكان، لكن مسحا مماثلا أظهر انخفاض المعدل في 2015 إلى نحو 4.4 بالمئة، أو ما يعادل حوالي أربعة ملايين شخص. ومصر أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، إذ يتجاوز عددهم 90 مليون نسمة، وتعاني منظومتها الصحية من مشكلات من حيث الإمكانات المادية وجودة الخدمات في المستشفيات الحكومية. لكن كانت لها تجارب سابقة ناجحة في السيطرة على أمراض مثل البلهارسيا وشلل الأطفال. وقال المدير التنفيذي للجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية التابعة لوزارة الصحة قدري السعيد، ل"رويترز" في مقابلة، إن مصر عالجت ما يقرب من مليون مريض بالتهاب الكبد (سي) منذ 2014 وحتى الآن. وتوقع أن يتجاوز العدد المليون شخص مع نهاية العام الحالي. خطة حكومية وقال السعيد أستاذ الباطنة والجهاز الهضمي والكبد بجامعة عين شمس المصرية إن "قصة النجاح" في مواجهة "المشكلة الأولى صحيا على مستوى مصر" ترجع لعام 2006 حين صدر قرار بتشكيل اللجنة القومية التي وضعت أول استراتيجية متكاملة للتعامل مع المرض. وأضاف أن خطة المكافحة بدأت بإنشاء ثمانية مراكز لعلاج التهاب الكبد (سي) حتى وصلت حاليا إلى 153 مركزا على مستوى مصر، تربطها شبكة قومية لضمان الحصول على بيانات إحصائية دقيقة. وفي 2014 دشنت اللجنة القومية موقعا إلكترونيا لتسهل على المرضى تسجيل طلبات العلاج، قبل تحويلهم إلى أقرب وحدة علاجية لسكنهم، الأمر الذي أحدث نقلة نوعية فيما بعد.