قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فهمي هويدي إن التجربة أثبتت أن فكرة اشتغال القضاة بالسياسة يظل مرحبا بها إذا اشتركوا في التأييد والتهليل والتصفيق للسلطة، والعكس إذا أبدى القاضي رأيا مخالفا أو متحفظا، فإن كلامه يصبح سيفا مصلتا على رقبته يهدد مستقبله وسلاحا يحارب به في رزقه. وأضاف خلال مقاله المنشور اليوم على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق، أنه بالرغم من أن حياد القاضي وابتعاده عن الانخراط في اللعبة السياسية يعد جزءا من استقلاله وضمان نزاهته، إلا أن التفرقة لابد أن تكون واضحة بين إبداء الرأي في الشأن العام الذي هو حق لكل مواطن وللقاضي بطبيعة الحال، وبين الانخراط في العمل السياسي والانضمام إلى فريق دون آخر، والأول مقبول ولا غضاضة فيه، أما الثاني فهو المحظور الذي ينبغي أن يتجنبه القاضي. وكان الكاتب قد بدأ مقاله بخبر نشرته صحيفة المصري اليوم عن استدعاء اثنين من المستشارين للتحقيق لمشاركتهما في مشروع قانون لمكافحة التعذيب، عن طريق بلاغ قدمه المجلس الأعلى للقضاء اتهم القاضيين بالعمل مع مركز حقوقي غير شرعي في إعداد مشروع القانون، بدعوى أن لوائح مجلس القضاء الأعلى تمنع القضاة من الاشتغال بالسياسة. ونوه هويدي إلى أن مثل هذه البلاغات التي أصبحت أحد شواغل القضاء تحولت إلى ظاهرة، بمقتضاها جرى الزج بالقضاء واستخدام أحكامه في تصفية الحسابات السياسية، مشيرا إلى أن هناك فئة من المحامين الجاهزين طول الوقت لتقديم البلاغات ضد أى جهة أو شخص لا ترضى عنه السلطة أو يراد معاقبته لسبب أو آخر، وذلك لم يشغل القضاء ويربكه فحسب، ولكنه أساء إليه ونال من هيبته والثقة فيه أيضا. ولفت إلى أنه كان معيبا أن يذكر الخبر المنشور ما يشبه الغمز في القاضيين، من خلال التنويه إلى أن أحدهما المستشار هشام رءوف تولى منصب مساعد وزير العدل إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى، وكأنها تهمة وسبة، مشيرا إلى أن الرئيس السيسى كان وزيرا للدفاع في ذلك العهد، أما القاضي الآخر المستشار عاصم عبدالجبار نائب رئيس محكمة النقض، فقد ذكر أنه صهر المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق، وكأن هذه شبهة تنتقص من قدره. وتابع، هويدي إن الموضوع برمته تفوح منه رائحة عدم البراءة، ذلك أنه كان قد نشر في السابق أن الأمر بدأ بتقرير وتحريات لجهاز الأمن الوطني، الذي يمكن أن نفهم استياءه من فكرة مكافحة التعذيب الذي صار تهمة لصيقة بدوره. وأشار إلى أن هناك همس مسموع في أوساط القضاة يتردد فيه أن نادي القضاة حين كان على رأسه المستشار أحمد الزند قبل توليه حقيبة العدل هو الذي حرك مسألة التحقيق مع القاضيين الكبيرين، ضمن حملته الشرسة التي شنها ضد كل دعاة استقلال القضاء، الذين كان القاضيان المذكوران من بينهم، وكانت «جريمة» هؤلاء أنهم وقفوا ضد تدخل السلطة في توجيه القضاة كما حدث في إشرافهم على تزوير الانتخابات.