استقلال القضاء، والبعد عن العمل السياسي، مطالب طالما سمعناها لمنع انخراط المنظومة القضائية في مجال السياسة، كما أن القانون القضائي يجرمها، ويعاقب عليها، وبالرغم من أن بعض القضاة وقعوا في تلك الأخطاء، إلا أن النتيجة لم تكن واحدة، فمنهم من نكل به، ومنهم من أصبح وزيرًا للعدل. ورصدت مصر العربية تقريرا يشمل أشهر القضاة الذين أحيلوا للتأديب بتهمة الاشتغال بالسياسية، ومتى يجب أن يحال القاضي للصلاحية أو مجلس التأديب، وهل أصبح القضاء المصري مسيسا؟ في العامين الأخيرين أحيل قرابة 100 قاضٍ لمجالس تأديب وقدمت بلاغات ضد آخرين بسبب مواقف سياسية تبنوها أو تصريح إعلامي أدلوا به. الخضيري المستشار محمود الخضيري، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، أحيل إلى مجلس التأديب والصلاحية، في مايو عام 2014، لاتهامه بالانضمام إلى حركة "قضاة من أجل مصر"، على نحو يمثل اشتغالًا بالسياسة بالمخالفة لأحكام قانون السلطة القضائية. وفي 9 نوفمبر 2014، قضت محكمة جنايات القاهرة بسجن الخضيري 3 سنوات، بزعم الاشتراك في تعذيب محامي خلال ثورة 25 يناير بميدان التحرير، وألقي القبض عليه عقب الحكم، وحاليا يقضي فترة العقوبة. قضاة رابعة تسبب بيان "قضاة من أجل مصر" الذين أعلنوا فيه تأييدهم للرئيس المعزول محمد مرسي، في تحويلهم إلى مجلس تأديب بتهمة العمل بالسياسية. ورغم أن القضاة وضحوا في بيانهم أنهم لا يعملون بالسياسة ولا يشتغلون بها ولا ينحازون إلى أحد أيًّا كانت صفته، إلا أن رئيس نادي القضاة وعددًا من أعضائه تقدموا في يوليو 2013 ببلاغ للنائب العام يتهمون 75 قاضيًا بالتوقيع على بيان يتضمن اتهامًا للجيش المصري بانتهاك الشرعية. ومن ثم أحال النائب العام البلاغ إلى مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 25 يوليو 2013، وعلى إثر ذلك تم إحالة 15 قاضيًا للمحاكمة التأديبية في القضية رقم 9 لسنة 2014 "تأديب"، و56 آخرين في القضية رقم 13 لسنة 2014 "و41 منهم للمعاش. وجاء القرار على خلفية المذكرة التي أعدها المستشار صفاء الدين أباظة قاضي التحقيق في البلاغ المقدم من عدد من أعضاء اللجنة القانونية للدفاع عن القضاء، والتي تتهم "عبدالعزيز" باقتحام مقر أمن الدولة أثناء محاصرته من قبل المتظاهرين أثناء أحداث ثورة 25 يناير. وكان تهديد "عبد العزيز" رئيس نادى القضاة الأسبق بإشعال النار في نفسه أمام دار القضاء العالي لتعنت المستشار نبيل زكي مرقص رئيس مجلس تأديب القضاة معه، من أبزر الأخبار التي أحدثت ضجة الأسبوع الماضي بعد اتهام عبدالعزيز بالاشتغال بالسياسية ومخالفة قانون السلطة القضائية وإحالته لمجلس التأديب. في المقابل تقدم المستشار زكريا شلش رئيس محكمة جنايات الجيزة ببلاغ لمجلس القضاء الأعلى، ضد المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة يتهمه بالاشتغال بالعمل السياسي. واستند في ذلك إلى اتصال الزند بالقنوات الفضائية ومطالبته بتشكيل مجلس حرب ومناشدة الجيش المصري بالذهاب لقطر، كما استند في بلاغه الذي حمل رقم 329، إلا أن المستشار الزند سبق وأن تلفظ بعبارة «السيسي دايس دايس»، وأيضا بجريدة الفجر بأن الزند ذهب للفريق سامي عنان لإثنائه عن الترشح للانتخابات الرئاسية. يأتي ذلك تزامنا مع تصريحات إعلامية أدلى بها قضاة ينظرون قضايا تشغل الرأي العام كقاضي "التخابر" و "الهروب" الذي أجرى حوارا صحفيا مؤخرا مع جريدة المصري اليوم لشرح أحكامه التي أقرها بحق الرئيس محمد مرسي، وعدد من قيادات الإخوان. في سياق آخر أوصى مؤتمر "العدالة بين الواقع والمأمول" الذي نظمته كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، بضرورة إعلاء مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء، وعدم التدخل في شؤونه من أي جهة، وعلى أي وجه، باعتباره سلطة دستورية مستقلة بضمانات واضحة مستقرة دوليًّا، وشدد على أهمية النص على ابتعاد القضاة عن الاشتغال بالسياسة وعدم الظهور بوسائل الإعلام. تسييس القضاء وتعليقا على الأمر، قال المستشار هشام اللبان، رئيس محكمة استئناف القاهرة الابتدائية، إن السلطة القضائية في مصر أصبحت مسيسة بشكل واضح، وخاصة بعد ثورة 25 يناير، وزادت بعد 30 يونيو، فأصبح من يؤيد النظام هو من يتقلد المناصب العليا، كنوع من المكافأة له على ولائه وإخلاصه، بينما من يعارض أو يعترض على مسيرته، ينكل بهم أو يزج به في السجون أو إحالته للتقاعد أو التأديب. وأوضح في تصريح ل "مصر العربية" أن اختيار المستشار أحمد الزند وزيرا للعدل، يعني موت العدالة بشكل تام، لأنه من أكثر الشخصيات التي تدور حولها الشبهات، من مخالفات مادية، أو استغلال للنفوذ وغيرها، وأنه أسوأ الاختيارات التي عرضت على الحكومة، ويؤكد أن النظام يكافئ مؤيديه. وتوقع عدم استمرار الزند في منصبه مدة طويلة، بسبب زلات لسانه، وما أكثرها، حسب قوله، وأنها ستكون السبب في الإطاحة به من وزارة العدل، وملاقاة مصير سابقه، الأمر الذي من الممكن أن يخدم منظومة العدالة ويساعدها.