ابنة الأبنودي: كنت أتونس بشعره في مرضه نقيب الصحفيين: الأبنودي شاعر عالمي وخاض معنا معارك النقابة شعبان يوسف: وزارة الثقافة تقاعست عن تكريمه في حياته جمال بخيت: الأبنودي نقل السيرة الهلالية للصعايدة في القاهرة ليهون غربتهم! "اللي اتخطفوا فضلوا أحباب/ صاحيين في القلب كأن محدش غاب"، هكذا بدأ حفل تأبين الخال عبدالرحمن الأبنودي الذي استضافته نقابة الصحفيين مساء اليوم الأحد، بحضور أسرته وعدد من الوزراء والشعراء والمثقفين، وقد أنشد الجميع في حب الراحل حيث أكدوا أنه دائماً ما يجمعهم حتى برحيله. وسط دموعها قالت ابنة الراحل آية، أنه رغم فقدانها لوالدها إلا أنه لم يمت، وروت موقف جمعها به أثر بها كثيراً، وذلك حين وجه لها والدها الراحل اتهاماً منذ 11 عاماً بالتحديد، بأنها لا تحب شعره، وكانت تتمنى لو كان والدها صاحب محل لبيع السيارات الحديثة، وحين نفت عن نفسها الاتهام وقالت أنها تحب شعره وتحفظ كثيراً منه، تعجب قائلاً: لم أرك أبداً تمسكين كتاباً لي. تواصل قائلة: رغبت في أن أثبت له أنني أحبه وأحب شعره فحفظت قصائد له وألقيتها عليه، وطلب مني حينها أن أصحبه في أحد دورات معرض الكتاب وألقيه أمام الجمهور وبالفعل حدث. تتابع: في فترة مرضه كنت أتونس بشعره، وأنا وحدي فحفظت له قصائد كثيرة، وتصمت وهي تغالب دموعها ثم تستأنف وتقول: كانت هناك قصيدة من ديوانه "وجوه على الشط" كنت أرغب في أن أخبره أني حفظتها لأني أحبه لكنه رحل قبل أن يعرف. وقرأت تلك القصيدة ومنها نذكر: بياع الوشنة اللى العصرية بيزمر ويفوت م اليوم مش حيفوت ولا هينادى على المنجة ولا التوت زى ما كل الناس بتموت بياع الوشنة يا جمالات مات ول"محيط" قال الصحفي والكاتب جمال فهمي أن الأبنودي خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها، قائلاً: قبل رحيله بأسبوعين هاتفته، وعاتبني لأني لم أزره في الإسماعيلية ووعدته بالزيارة، لكنني تأخرت، مؤكداً أن أعماله ستظل خالدة وباقية رغم رحيله. وفي التأبين لفت كارم محمود منسق الحفل وعضو نقابة الصحفيين، أن الجميع اليوم أتى من أجل الأبنودي الذي كرس حياته للشعب الطيب، قائلاً أن شعار الحفل ما كتبه الأبنودي لمسلسل قصة حياة عبدالله النديم وجاء فيها " متونسة بمين يا مصر في غيابي". وعن اختيار نقابة الصحفيين للتأبين قال كارم أن الأبنودي طالما كان يلبي نداء النقابة ويشعل أمسياتها بقصائده، وهو ما أكد عليه نقيب الصحفيين يحيى قلاش في كلمته قائلاً أن الأبنودي شارك في كل معارك النقابة وكان يؤمن بحرية الإبداع والصحافة، مضيفاً أن الراحل يجمعنا رغم مفارقته لنا، وقد غنى للعامل البسيط والفلاح ولطين مصر والسد العالي والجندي ولأحزان الوطن وأفراحه، فقد كان ضمير هذا الوطن وجعل العامية شعرا عظيما، ويعد الأبنودي شاعراً عالمياً، لأنه عبر عن هذا الوطن تعبيرا حقيقا وكان في الشعر كنجيب محفوظ في الرواية، والأبنودي يستحق أن يحتفل به الوطن كل يوم وكل دقيقة. في كملته أكد اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية، أن كلمات الأبنودي وقصائده شكلت وجدان الشعب المصري على مدى أكثر من نصف قرن، وكان مشاركا في كافة المعارك التي خاضتها الأمة في هذا الوقت، وبرحيله فقدت مصر جزءاً من روحها. ويتذكر لبيب أنه تعرف على الأبنودي حين كان محافظاً لقنا، تلك التي شهدت طفولته وصباه، فقد كان يتابع ما يجري في محافظته، معتبرا الصعيد كنز من كنوز مصر، ثم صار صديقا، وهو قامة كبيرة يصعب تعويضها، وعزاؤنا أن أعماله ستبقى يتردد صداها في الجماهير. مؤكدا أن الدولة في أعلى مستوياتها مصرة على تكريمه. ذكر الشاعر جمال بخيت في كلمته بعض المواقف التي أثرت في وجدانه وارتبطت بالخال الأبنودي، فيقول أنه في سن الثالثة عشر، حين كان يسكن في مصر القديمة توقف عند ما غنى عبدالحليم حافظ أغنيته بعد النكسة "عدى النهار"، واهتز وجدان بخيت كما يقول. اذكر بعد "عدى النهار" بسنوات قليلة، فتحت ديوان "وجوه على الشط" للأبنودي لأعايش هذه الوجوه التي عايشها الابنودي، الذي لم يكن يكتب من بيته بل من حيث يريد أن يكتب، حيث من يجب أن يكتب عنهم، فحين كتب "جوابات حراجي القط"، كتبها وهو في أسوان، وحين كتب "وجوه على الشط" كتبه في مدن القناة الموحشة المهجرة، التي تخلو من ناسها إلا من رفضوا التهجير وأصروا على البقاء على شط القناة. كانت تسيل دموعي وانا اقرأ: كنا نشتغل اليوم كله ونفر نلاقي حتة ضل أحلى ما يعمل انسان في حياته يا ولدي يزرع ضل يوصل بخيت: في حي مصر القديمة حيث كنت أعيش، كان الحي له صفة بين القاهرية والصعيدية، فوجئت أنه اينما ذهبنا نجد مؤشرات الراديو على إذاعة الشعب في توقيت معين، حتى يستمع هؤلاء الصعايدة الذين تغربوا للبحث عن الرزق "قول يا عم جابر"، يستمعون إلى السيرة الهلالية التي أفنى الابنودي من عمره حوالي عشرين سنة ليجمعها من رواد السيرة في صعيد مصر،كان الاستماع للإذاعة متكررا في جميع محافظات صعيد مصر، والأحياء القاهرية التي سكنها الصعايدة، نقل لهم الابنودي السيرة الهلالية في القاهرة حتى لا يشعروا بغربة في اثناء بحثهم عن الرزق. ابداعاته وقيمته كانت تتواصل يوم بعد يوم، ويروي بخيت كيف أنه حين كان في الشرقة يعمل صحفياً مسئولاً عن القسم الثقافي هناك، حين جاء الأينودي وألقى قصيدته "الموت على الأسفلت" التي كان يرثي فيها صديقه المبدع المناضل ناجي العلي، حينها كان المشهد مهيب ولا موضع لقدم، رغم أن المعتاد أن أمسيات الشعراء يحضرها عشرات. وروى بخيت مشهداً آخر يعبر عن أحد أهم صفات الراحل وهو القتال من أجل ما يؤمن به من مبدأ، حين اجتاح صدام حسين الكويت انقسمت الآراء، لكن الأبنودي كان واضح الرؤية، عمل أوبريت ولم يهاب أي وجهة نظر، ورغم أن كثير من الشعراء يحتاجون لوقت لاستيعاب ما يمكن أن يقال، كان أسرع منا جميعا في التعبيير عن الرؤية بأكبر قدر من الشاعرية وإثبات الموقف، من هنا جاءت رباعياته في جريدة "التحرير" منتقداً الإخوان، لم يكن يهاب الموت أو التهديد في مقابل أن يسجل موقف. قرأ بخيت ما كتبه عن الأبنودي عام 2009 في إحدى حلقات "مسحراتي يا مصراوية" وكان يذاع في التليفزيون جاء فيها: يا عم جابر سمعنا شاعر يقدر يغني من غير ما ينطق كفاية يحضر يشع نوره العشق كاتب جواز مروره إلى الحواري إلى الغيطان كأن صوته صوت الزمان كأنه دمعة في عيون وهيبة ساعة ما تحلم بالبرتقان ومن جانبه، عبر المهندس خالد عبدالعزيز عن الحزن الشديد لفقدان الراحل عبدالرحمن الأبنودى، مستعرضًا في حديثه أشهر أشعار "الأبنودى" التي غناها كبار المطربين ومنهم عبدالحليم حافظ ومحمد رشدى والذي لاقت قبولًا واسعًا من المصريين وأدخلت السعادة عليهم، وأعطتهم الأمل في الأوقات العصيبة، وأضاف عبدالعزيز أن الأبنودى أكد لنا أن هناك فنا جميلا في صعيد مصر، وجعل المصريين يستمعون للأغاني بلهجة مختلفة. قال الشاعر شعبان يوسف أنه كان يأمل أن تقيم له وزارة الثقافة مؤتمراً كبيراً في حياته لتكريمه، لكن الوزارة تقاعست ولم يحدث، بعد رحيله نتمى أن تقيم الدولة له متحفاً، وللأبنودي مفردات من الممكن أن تقيم متحفا، وقرأ يوسف قصيدة الأبنودي "الخواجة لامبو مات" منها نقرأ: مات شهيد الليل في اسبانيا السجينة مات .. وكان عاوز يعيش غيرشي بس الظلم برَّم لو شنابات الشاويش الوداع يا عمو لامبو الوداع يا قطته المرمية جنبه عربية الاغراب شالوه زي الهوا الوداع .. دق الجرس فوق الكنيسة غنت الناس غنوته الضباب عمال يضيع لجل يدي فرصة للشمس اللي حتزور الربيع وقال الفنان إيمان البحر درويش: أنه لم يغني للأسف من كلمات الأبنودي، الذي غير مجرى حياة عبدالحليم حافظ حين تعاون معه، داعياً له بالرحمة على قدر ما أسعدنا، مؤكداً أن مصر ستتغير كثيراً إذا كرمت المبدعين في حياتهم وليس بعد مماتهم. وقرأ الشاعر مصطفى السعدني قصيدة "رجل من أبنود" التي أهداها للخال: رجل من أبنود يحمل في رئتيه جمال الوطن وعطر البارود ويذوب رضا مهما يستنزف سيده الشعر جسده المكدود واختتمها قائلاً: يا عبدالرحمن إن الشعر يموت الآن فانفث من روحك شيئا يحييه