في حدث ثقافي كبير شهدت القاهرة اعادة الحياة إلى المسرح القومي العريق بمنطقة الأزبكية ، فى احتفالية فنية مسرحية كان عنوانها (وبحلم يا مصر) ، حيث قام المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء ود. جابر عصفور وزير الثقافة مساء أمس السبت بحضور لفيف من الوزراء والسياسيين والفنانين والشخصيات العامة والسفراء ورؤساء قطاعات وزارة الثقافة، بإعادة إفتتاح المسرح بعد انتهاء مشروع تطويره وترميمه الذي استمر حوالي 6 سنوات إثر حريق أصابه عام 2008. وفقا لوكالة أنباء "الشرق الأوسط"، يصف كبار الفنانين المصريين وعلى رأسهم د. جابر عصفور عودة المسرح القومي إلى آداء رسالته الفنية بالرسالة التي توجه إلى العالم أجمع بأن مصر تستعيد مكانتها الثقافية والفنية التي تستحقها بعد أن استعادت هيبتها كدولة وريادتها فى محيطها الاقليمي والعالمي بفضل قدرة شعبها العظيم فى الحفاظ على وطنه ووحدته، إضافة إلى أن عودة المسرح القومى إلى الأضواء، كان حلما للمثقفين على مستوى الوطن العربى كله، وكان لابد أن يعود مرة أخرى، كخطوة لإعادة الثقافة مرة أخرى إلى دورها وتأثيرها فى محيطها المحلي والاقليمي. وخلال الحفل تم تكريم عدد من الفنانين وعلى رأسهم، نور الشريف، ويحيي الفخراني، وسميحة أيوب، نبيل الحلفاوي، وعزت العلايلي، ومحمد وفيق، كما عرضت مسرحية "وبحلم يا مصر"، تأليف نعمان عاشور وبطولة على الحجار، ومروة ناجي، وإخراج عصام السيد. وتشدد الدولة على أن هناك إرادة سياسية حقيقية لدعم الثقافة والفن والإبداع في كل المجالات لبناء دعائم دولة قوية وحديثة، كون مصر تحتاج في هذه المرحلة الدقيقة إلى مبدعيها لإنارة الطريق وكشف الحقائق وإزالة الضباب، وترسيخ الأفكار الصحيحة والبناءة لمواجهة التطرف والإرهاب. ويؤكد رئيس الوزراء المهندس محلب أن مصر قد حباها الله بنعمة الإبداع والمبدعين منذ قدم التاريخ، فمعابد الفراعنة تكشف الكثير مما قدموه من إبداع فى مجالات الفنون والعلوم، واعتبر محلب أن حصول المبدع نجيب محفوظ على جائزة نوبل مثل نقلة للثقافة المصرية من المحلية إلى العالمية، وأن حصولها على الجوائز فى مجالات متنوعة بين الآداب والعلوم هو دليل على عظمة هذا الشعب المتنوع في أفكاره ومجالات إبداعه. ودعا رئيس الوزراء فى تصريحات سابقة إلى أن يمارس المبدعون دورهم في المجتمع، ومن ذلك عودة الحفلات الشهرية التى تنظمها دار الأوبرا، مشيراً إلى أنه سيتم افتتاح المسرح القومى قريباً، ليساهم بدوره في التنوير والإبداع، وأضاف أن هذه المرحلة تحتاج من الجميع التكاتف والالتفاف والوقوف صفاً واحداً، فلا ضرر أن يكون فكرنا مختلفا ولكن الأهم أن تكون رؤيتنا واحدة وهى مصلحة الوطن. يذكر أن المسرح القومي، والمعروف قديما بأسم "مسرح وتياترو الازبكية" بحديقة الأزبكية، مرتبطا عبر التاريخ بموقعه الفريد الذي كان دوما مرتبط بفن المسرح ورواده، فكان مكان الحديقة بركة الازبكية المنسوبة للأمير أزبك اليوسفي المملوكي، والذي أنشأ قصره على ضفافها وتبعه العديد من الأمراء في بناء قصورهم الفاخرة والزاهرة مستمتعين بالمنظر الجذاب للبحيرة وما يحيطها من خضرة. وفي عصر الدولة العثمانية كثرت أماكن عرض خيال الظل على ضفاف البحير، وكانت من الأماكن المميزة التي ينشدها المصريون ليلاً، وبعدها أنشأ الفرنسيون عام 1799 أدارتهم خارج القاهرة على ضفاف البركة بعد ثوره القاهرة، وتبع ذلك انشاء العديد من المسارح منها مسرح لنابليون انشأه للترفيه عن الجنود، لكن تم حرقه وتدميره أبان ثورة القاهرة، وأعاد بناءه الجنرال (مينو) وأطلق عليه مسرح (الجمهورية والفن)، وكان موقعه بغيط النوبي قرب مركز البركة وتم ازالته وهدمه بعد جلاء الفرنسيين. وفي عام 1870 أمر الخديوي إسماعيل، بتحويل بركة الأزبكية إلى حديقة على غرار حديقة لوكسمبورج بباريس، حتى أنه استورد نفس أنواع وأعداد الأشجار الموجودة بالحديقة الباريسية، وأسند المهمة إلى مسيو لشفياري مفتش المزارع الخديوية والأميرية، وتم افتتاحها رسميًا عام 1872،على مقربة من حديقة الأزبكية، وفي عام 1917 أسست شركة ترقية التمثيل العربي (جوق عبد الله عكاشة وأخوته وشركاهم)، بالاتفاق مع كل من: عبد الخالق باشا مدكور، طلعت حرب وعبد الله عكاشة، وأسسوا الشركة المساهمة لتقوم بالانفاق على فرقة عكاشة وتمويلها وتحميها من التيار الهزلي، فقامت الشركة بتأجير مسرح الأزبكية لمدة 50 عاماً بايجار سنوي وقدره 12 جنيها بموجب عقد يسمح للفرقة بتجديد بناء المسرح، وتم طرح اسهم الشركة للإكتتاب حتى وصل رأس المال إلى 8000 جنيه لتغطي تكلفة البناء الجديد. وقد شيد تياترو حديقة الأزبكية عام 1920 في نفس موقع تياترو الأزبكية القديم من حديقة الأزبكية جنوب شرق الحديقة وهو الجزء الذى يطل على ميدان العتبة، وتم افتتاحه رسميًا للجمهور الأول من يناير لعام 1920، فيما قام بتصميم المسرح وتنفيذه المهندس فيروتشي الايطالي الجنسية، والذي كان يشغل منصب مدير عام المباني السلطانية في ذلك الوقت، وقد صمم المسرح من الداخل على التصميم المعماري الذي كان سائدًا في ذلك العصر من ناحية الصالة البيضاوية على هيئة حدوة فرس، وكان تصغيراً لتصميم مسرح الأوبرا الملكية المصرية. لكن لم ترق فرقة عكاشة للمستوى المرجو منها في دعم المسرح الجاد فلقت خسائر مادية عالية، فلم يقدم زكي عكاشة المهارة الفنية المرجوة مما أدى لتراجع الإقبال على عروض المسرح، الذي تم تأجيره في معظم الأوقات للفرق الأجنبية لتقديم عروضها، في عام 1934 وعلى أثر تدهور حالة المسرح وقلة الحضور استأجرت شركة مصر للتمثيل والسينما المسرح لتقدم عروضها السينمائية به، وسعت لتصفية شركة التمثيل العربي ونقلت حقوق الامتياز لها في مقابل 35000جنيهاً، وتم اعداد الحديقة الامامية لتكون سينما صيفية وتم تجهيزها بالمعدات الحديثة لذلك. وفي عام 1935 أسست وزارة المعارف الفرقة القومية برئاسة الشاعر خليل مطران، وقد سمي المسرح على اسم الفرقة سنة 1958، وفي بداية تأسيسها اتخذت الفرقة من مسرح دار الأوبرا مكانًا لعروضها وذلك حتى 1941 والتي تم الاتفاق فيه مع شركة مصر للتمثيل والسينما على ان تقدم الفرقة عروضها على مسرح حديقة الأزبكية، وذلك بعد ضمها لوزارة المعارف والتي كانت تتبعها شركة مصر للتمثيل والسينما في نفس الوقت، ومنذ بداية عهدها وضعت الفرقة القومية اسس المسرح الجاد الهادف والذي تعاقب على قيادتها العديد من عمالقة فن المسرح في مصر، الذين قدموا لنا ليس فقط مسرحيات عالمية بل ملاحم مصرية لا تقل عن مثيلتها الأوربية حبكة أو مضمون هادف بناء. ولقد مر على مبنى المسرح القومي عدد من مراحل التطوير بدأت في عام1940، عندما قررت الفرقة القومية أن تشغله، وفيها تم تعديل خشبة المسرح وتغيير الأثاث بالصالة بالكامل، فرش الأرضية بالسجاد وإصلاح المداخل وبعدها هناك نقطتان هامتان في مسار حياته المعمارية، الأولى هي التجديدات التي تمت عليه في سنة 1960، والتي تمت بعد انشاء مسرح القاهرة للعرائس 1959 وشملتها تعديلات جوهرية في مبنى المسرح، والثانية في عام 1983 تمت تجديدات للمسرح والتي وصلتنا صورتها المعمارية حاليًا، وتلك المرة شملت تجديدات في شكل المسرح خارجيا وتعديلات داخلية في المسقط الافقي. فى مساء يوم 27 سبتمبر عام 2008 تعرضت خشبة المسرح وصالة العرض لحريق هائل الحق أضرارًا بالغة بجميع عناصر مبنى المسرح، وبعد رفع مخلفات الحريق قررت وزارة الثقافة إجراء مشروع ترميم وتطوير متكامل للمسرح القومي، ليعود وبقوة لأداء دورة في الحياة الفنية وبتجهيزات وإمكانات القرن الحادي والعشرين، تم اسناد أعمال الدراسات والتصميم لمجموعة من الخبراء في هذا المجال وأجريت الدراسات الفنية و التحاليل لتحديد مدى سلامة العناصر الإنشائية لمبنى المسرح وتقدير حجم الأضرار الناجمة على العناصر الحاملة للتوصية بالإجراءات الواجب أتباعها لإمكان إستخدام المبنى من عدمه. وقد يعتبر المسرح القومي هو الواجهة الثقافية والمعمارية للمسرح المصري، شأنه شأن المسارح القومية بدول العالم المختلفة ويتميز هذا المسرح خاصة بأنه مسرح دولة، ويقدم المسرح القومي أعمالا تعتبر انعكاسا لأصالة المسرح المصري تأليفا وتمثيلا وإخراجا، وهو في نفس الوقت قادر على استيعاب الاتجاهات العالمية الكبرى الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة، وترتكز أعماله في الغالب علي مشاركة كبار الكتاب والممثلين والمخرجين. وترتكز الأعمال الفنية التي يقدمها المسرح القومي على المحاور الفنية التالية، أعمال المؤلفين المصريين التي تمثل نقاط الازدهار والتحولات الهامة فنيا وفكريا، وعلى رأس المؤلفين في هذا الجانب الكاتب الكبير توفيق الحكيم، وثانيا: الأعمال ذات الطابع الكلاسيكي المصري والأجنبي التي تتطلب نوعية من الكفاءة في الأداء التمثيلي والإخراجي الكبير، وذلك على سبيل المثال، نصوص، أحمد شوقي، وعزيز أباظة، وشكسبير، وتشيكوف، وبرخت، وغيرهم، وثالثا: تقديم الأعمال المصرية والعربية ذات الطابع الحديث والمعاصر لكبار المؤلفين من أمثال: السبنسة لسعد الدين وهبة - الفرافير ليوسف إدريس - عيلة الدغري لنعمان عاشور.