وحول ومستنقعات وخيم غيرمؤهلة لتحمل الطقس القارس والعواصف والأمطار، التي بدأت تتساقط بغزارة مع بداية أول عاصفة تضرب البلاد هذا العام، مشهد يتكرر في مخيمات اللاجئين السوريين المنتشرة في منطقة البقاع، شرقي لبنان. وضع مأساوي دفع سكان أحد تجمعات النازحين في بلدة تعلبايا، التي تبعد 45 كلم عن بيروت، لرفع الصوت عاليا، مطالبين بما يقيهم برودة فصل الشتاء، لا أكثر ولا أقل. وعلى الرغم من قساوة العيش في هذا المخيم، إلا أنه يضج بحركة الاطفال الغير مكترثين بالبرد وأمراضه، وهم يلهون بين مستنقعات الوحل وتحت زخات المطر، بما تيسر لهم من أدوات، دون أن يعوا حقيقة الواقع الذي أجبرهم على ترك منازلهم ومدارسهم في سوريا وجعل حياتهم مختلفة عن حياة بقية أطفال العالم. البرد القارس الحاجة أم حسين، نازحة من بلدة القنيطرة السورية والتي تسكن مع عائلتها في خيمة صغيرة في منذ حوالي 6 أشهر، اشتكت من البرد القارس الذي لف المنطقة مع بداية أول عاصفة هبت على لبنان مؤشرة بدء فصل الشتاء لهذا العام. وقالت "خاصة في الصباح الباكر، نشعر ببرد شديد نحن والأطفال". وقالت أم حسين، التي لم تظهر من وجهها إلا عيناها أمام كاميرا "الأناضول"، إن مطالب النازحين السوريين الوحيدة في فصل الشتاء "مدافئ ومشمعات بلاستيكية تمنع دخول مياه الأمطار الى داخل المخيمات والخيم، حيث ينام أطفالنا وأهلنا". وأضافت، وهي منهمكة في تحضير الغداء لأبنائها وأحفادها، الذي هو عبارة عن عجين مغمس باللبن "نحن نعيش هنا بحسرة كبيرة، وواقعنا مؤلم جدا، والبرد يلفحنا من كل صوب كهذه الحياة التي أوصلتنا الى هذا الواقع بفعل فاعل (لم تسمه) .. الذي أسأل الله أن ينتقم منه". أما الحاجة أم أحمد، التي نزحت من منطقة معضمية الشام منذ 3 سنوات، فطموحها محصور بالحصول على مدفئة تقيها وأسرتها وزوجها المسن العاجز عن العمل برد الشتاء. أم أحمد، التي رفضت الظهور أمام الكاميرا إلا بعد تغطية وجهها بشالها الأبيض، قالت ل"الأناضول" إن المخيم التي تسكن فيه في بلدة تعلبايا تدخله مياه الأمطار بكثافة ما يسبب بغرق بعض الخيم، متوقعة أن يكون الحال هذا العام "سيئا كما كان العام الذي مضى". واشتكت عدم وجود المدافئ ومادة المازوت التي تستخدم للتدفئة، موضحة أن مفوضية اللاجئين السوريين التابعة للأمم المتحدة "شطبتها من قائمتها دون أي مبرر". حال أم أحمد لا يختلف كثيرا عن حال أم محمد النازحة من حوران السورية، إلا أن الأخيرة وجدت من يسلفها مدفئة لفترة مؤقتة ولحين أن تؤمن هي وعائلتها مدفئة خاصة بهم. مقومات الحياة الخيمة، التي تعيش فيها أم محمد منذ سنتين هي وعائلتها المكونة من 4 أشخاص، تفتقد لأدنى مقومات الحياة الكريمة، وفصل الشتاء هو الفترة الأصعب التي تمر عليها ف"البرد قارس ومواد التدفئة قليلة والمساعدات أقل". وشرح الشيخ زياد طقطق، مدير "جمعية غراث لتنمية المجتمع" (غير حكومية) وإمام "مسجد الحريري" في تعلبايا، واقع منطقة البقاع في فصل الشتاء التي تشهد "برودة قاسية وتساقطا كثيفا للأمطار والثلوج، حتى أن درجة الحرارة قد تصل الى 5 تحت الصفر"، لافتا الى أن هذه الأجواء "لا تناسب الكثير من أهلنا السوريين، غير المتعودين عليها في بلادهم". وأوضح طقطق ل"الأناضول" أن أغلب النازحين المتواجدين حاليا في البقاع "يعيشون في أماكن غير مؤهلة لتحمل تقلبات الطقس الصعبة"، مشيرا الى أن "الجزء الأكبر منهم يعيش في خيم بلاستيكية، والبعض الآخر في غرف من صفيح، تحيط بها الوحول وتدخل إليها المياه من كل جانب، ولا تتحمل العواصف والرياح، وجزء كبير منها ينهار حين تتساقط الثلوج". ووصف واقع النازحين السوريين في البقاع بأنه "مأساوي جدا"، مؤكدا أن المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية "ليست بالمستوى الكافي، وهي تكاد لا تغطي من 10 الى 15% من الاحتياجات". وأشار الى أن أعداد النازحين السوريين في منطقة البقاع "مرعبة جدا، فهي تفوق المليون"، مضيفا أن البقاع يضم حاليا "أكثر من 100 مخيم معروف ومشهور، عدا المخيمات المنتشرة هنا وهناك والتي قامت على أراض مستأجرة، وهي مخيمات غير معترف بها رسميا". تحذيرات دولية وكان الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر حذر الأسبوع الماضي، من أن السوريين الذين غادروا أماكن سكنهم هربا من حرب مستمرة منذ نحو 4 أعوام في بلادهم بحاجة الى مزيد من المساعدات في فصل الشتاء، موضحا أن العائلات والتجمعات التي تسكن في أماكن غير مناسبة وفي مبان متضررة تستعد لمواجهة شتاء قاس في سوريا والبلدان المجاورة. ويشار الى أن أعداد النازحين السوريين بحسب إحصاءات مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللآجئين، فاق المليون ومئتي ألف نازح، وكانت المفوضية رجحت أن يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون في نهاية العام الحالي. وكان وزير الشئون الاجتماعية اللبنانية رشيد درباس أشار في مقابلة مع وكالة "الأناضول" الأربعاء الماضي، إلى إن الإجراءات "الصارمة" التي اتخذتها بلاده للحد من تدفق النازحين السوريين إليها أدت إلى انخفاض عدد هؤلاء اللاجئين. وأوضح درباس: "إن شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي شهد تسجيل 4 آلاف نازح سوري فقط في لبنان بعد ان وصلت اعدادهم فب فترات معينة الى 8 آلاف شهريا بسسب احتدام المعارك في سوريا"، لافتا إلى أن مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين شطبت حتى الآن 80 ألف اسم نازح لا تنطبق عليهم صفة نازحين.