يحيي أهالي البوسنة والهرسك الذكرى ال (11) لوفاة زعيمهم، الرئيس الأول لجمهورية البوسنة والهرسك، "علي عزت بيجوفيتش"، التي تصادف اليوم التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول. عدد من المقربين ل"بيجوفيتش" تحدث لوكالة "الأناضول" للأنباء عن صفات الراحل، وخصائله، وإنجازاته. بكر عزت بيجوفيتش عضو مجلس الرئاسة الثلاثي لجمهورية البوسنة والهرسك، تحدث عن والده قائلا: "والدي كان يسعى لتسهيل حياة المواطنين العاديين، ومداواة جراحهم، ولتحقيق السلام بين الشعوب عن طريق الإصلاح الاقتصادي"، مضيفا: "نحن أيضا نعمل حاليا على تقوية دولتنا عبر تقوية مؤسساتنا، وقوانينا، لو كان والدي على قيد الحياة لما عمل بشكل يختلف كثيرا عن أسلوب عملنا، ولسلكنا معا نفس الدرب، ولكن ربما بسرعة أكبر، لأن الشعب كان يثق به". فيما قال وزير الدفاع الأسبق لاتحاد البوسنة والهرسك، "حسن جينكيتش" عن الراحل: "إن بيجوفيتش استعان بالشجاعة، والصبر على الفترة التي قضاها في السجن، وبنى علاقات جيدة مع بقية المسجونين، وكان يقوم بتجهيز شكواهم، واعتراضاتهم لكونه محاميًا". وقضى "جينكيتش" خمس سنوات في السجن مع علي عزت بيجوفيتش، بعد محاكمتهما، و(11) مثقفًا آخرين عام 1983، بتهمة النزعة الانفصالية، والسعي لإقامة دولة إسلامية، بسبب كتاب بيجوفيتش "الإعلان الإسلامي" الذي نشر في السبعينات. وأوضح "جينكيتش"، أن بيجوفيتش أخذ يناقش مع رفاقه بعد خروجه من السجن الخطوات التي يمكن أن يتخذونها خاصة فيما يتعلق بالتطورات في يوغسلافيا، والطرق التي يمكن أن ترد بها البوسنة والهرسك على تلك التطورات. وأكد "جينكيتش"، على الدور الكبير، والهام الذي لعبه "بيجوفيتش"، من أجل استقلال البوسنة، والاعتراف بهذا الاستقلال على الصعيد الدولي. وكشفت حفيدة الزعيم البوسني "أمينة بربروفيتش"، عن عدد من الجوانب غير المعروفة في شخصية بيجوفيتش، الذي تقول إنها تتذكره كجد متواضع، يقضي وقتا جميلا مع أحفاده ويوجه لهم النصائح، حيث كانوا يحرصون على زيارته، أو الخروج معه مرة كل أسبوع. وتعتقد أمينة أن من أكبر النجاحات التي حققها جدها، تربيته لأبنائه، الذين لم يتأثر أي منهم بشكل سلبي من شعبية والدهم. ووصفت "تاتيانا لويتش مياتوفيتش"، عضو مجلس الرئاسة الثلاثي لجمهورية البوسنة والهرسك إبان الحرب، "بيجوفيتش"، بأنه كان صبورًا، ويمتلك مهارة العمل مع الآخرين، قائلة إنه لم يتخذ أبدًا قرارات آنية، وكان دومًا حريصًا على سماع الطرف الآخر قبل اتخاذ أي قرار. وتؤكد "تاتيانا"، أن "بيجوفيتش"، كان يحب المزاح، على خلاف الصورة السائدة عنه بأنه كان جادًا وصارمًا. بدوره قال "حبيب إدريسوفيتش"، الذي كان يقوم بدور "البديل" (الدوبلير)، لبيجوفيتش نتيجة للتشابه الكبير بينهما، إنه "لو لم يكن هناك بيجوفيتش لما كانت البوسنة"، وأكد إدريسوفيتش، الذي شغل أيضا منصب قيادة جيش البوسنة لفترة خلال الحرب، أنه لم يتردد لحظة واحدة عندما عرض عليه أن يصبح "دوبلير" بيجوفيتش، وكان مستعدًا للموت من أجله. السيرة الذاتية ل "علي عزت بيجوفيتش" ولد "علي عزت بيجوفيتش"، الرئيس الأول لجمهورية البوسنة والهرسك، في مدينة "بوسانسكي ساماتش" عام 1925، وقضى شبابه خلال الحرب العالمية الثانية في مكافحة الفاشية، ومن ثم الشيوعية، ودفع ثمن نضاله ذلك سنوات من عمره قضاها في السجون. سُجن بيجوفيتش للمرة الأولى عام (1946)، وخرج منه عام (1949)، ودخل السجن للمرة الثانية عام (1983)، إثر الحكم عليه بالسجن (14) عامًا، لاتهامه بالنزعة الانفصالية، والسعي لإقامة دولة إسلامية، بسبب كتابه "الإعلان الإسلامي"، الذي نشر في السبعينات، ومن ثم أُطلق سراحه نهاية عام (1988)، مع إفراج الحكومة اليوغسلافية عن جميع المعتقلين لاتهامات تتعلق بالمعارضة اللفظية. أنشأ بيجوفيتش حزب العمل الديمقراطي عام (1990)، بهدف إنهاء شعور البوشناق المسلمين بالدونية في وطنهم، وإتاحة الفرصة لهم للتأثير في الساحة السياسية، ولتقديم مثال على التعايش بين العرقيات المختلفة الموجودة في يوغسلافيا. وفي الانتخابات التعددية الأولى التي شهدتها، البوسنة والهرسك، إحدى الجمهوريات الست التي كانت تتكون منها يوغسلافيا، عام 1990، عزز حزب العمل الديمقراطي من قوته مع فوزه ب (86) من مقاعد البرلمان ال (240). وبعد إعلان كل من سلوفينيا، وكرواتيا، استقلالهما عن يوغسلافيا، نُظم استفتاء على استقلال البوسنة والهرسك في الأول من مارس/ آذار عام 1992، شارك به (63%) من ناخبي البوسنة والهرسك، صوت أغلبهم لصالح الاستقلال، إلا أن صرب البوسنة لم يشاركوا في الاستفتاء. مع إعلان جمهورية البوسنة والهرسك استقلالها عن يوغسلافيا، بدأ زعيم صرب البوسنة الذي يحاكم حاليا في محكمة العدل الدولية في لاهاي "رادوفان كاراجيتش"، و"سلوبودان ميلوسوفيتش" الذي توفي عام 2006 خلال محاكمته في لاهاي، الحرب على الجمهورية حديثة الاستقلال. نجح البوسنيون في تنظيم أنفسهم سريعا، وأنشأوا جيشا، وحكومة حرب لجمهوريتهم، وبدأوا كفاحهم الذي دفعوا ثمنه مقتل الآلاف، واغتصاب الآلاف من نساء البوسنة، بالإضافة إلى التعذيب الذي شهده من تم اعتقالهم في المعسكرات الجماعية، وهدم المنازل، والمساجد، والآثار التاريخية. وتعرض البوسنيون لمذابح كان أكثرها وحشية مذبحة سربرنيتشا، إلا أن العالم استمر في غض الطرف عن فظائع الحرب في البوسنة، إلى أن أسفر ضغط المجتمع الدولي عن توقيع اتفاقية دايتون للسلام في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1995، التي أدت إلى إنهاء الحرب. قاد علي عزت بيجوفيتش شعبه خلال سنوات الحرب، ورغم سوء وضعه الصحي، استمر في قيادة بلاده خلال فترة تعافيها من آثار الحرب، إلى أن خرج من رئاسة البوسنة والهرسك عام 2000، وتوفي بيغوفيتش يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2003، ودفن بناء على وصيته في قبر بسيط بين قبور الشهداء في مقبرة "كوفاتشي"، بعد أن رفض خطة كانت تعدها الحكومة لبناء ضريح فخم له. ويزور المئات يوميا قبر بيجوفيتش، والمتحف المقام أمام القبر، والذي يتضمن متعلقاته الشخصية، وكتبه، وصوره.