يعيش اليمنيون أوضاعا معقدة في ظل الأحداث المأساوية التي تشهدها البلاد من فوضى وإهمال، وتقاسم الأرض والسلطة، وفوضى عارمة في الجنوب، وسيطرة مسلحين قبليين على محافظات في الشمال، فضلا عن "الجرعة السعرية" التي نفذتها الحكومة اليمنية خلال الأيام الأخيرة بسببها اندلعت احتجاجات شعبية على تلك الخطوة، معتبرين أنها خطة ممنهجة للقضاء عليهم. تأسيس دولة ما يدور اليوم من حروب وفتن واقتتال في اليمن لا يعدو أن يكون مخططا لتأسيس دولة جنوبية خالية من الفوضى والإرهاب تم رسم خارطتها ومعالمها سلفا وفقا لسيناريو تم إعداده مبكرا على ضوء دراسة أجراها خبراء بريطانيون تم الاستعانة بهم من وقت مبكرا بعد أزمة 2011 التي قادتها ذات الأطراف التي تقود فصل الجنوب وفقا لمعاير المستفيد من الانفصال. ووفقا لمحللين في الشأن اليمني فإن ما يدور في الكواليس تبدو للمشاهد أن ما يحدث في الجنوب هو ناتج عن دعم علي سالم البيض نائب الرئيس اليمني السابق ومن معه في صيف 94 الذين فروا بأموال الجزء الجنوبي إلى الخارج بعد هزيمتهم في الحرب التي شنها عليهم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، غير أن من يقود ذلك المخطط هم أنفسهم من يتحكمون بزمام أمور البلاد في الوقت الراهن. وأوضح محللون أن الأوضاع الراهنة في اليمن ووفقا لمخطط متقن تم الإعداد له وهو أن يغرق الشمال بالفوضى والحروب والاقتتال وتغذيه الفتن بين جميع الأطراف السياسية والقبلية في الشمال، معتبرين أن ما يدور اليوم من حروب في دماج وعمران والجوف ومأرب والبيضاء وتعز وكل مدن الشمال إنما هو وفقا لسيناريو طويل الأمد سيغرق الشمال في فوضى لن يخرج منها بعد عشرين عاما. وبيّن محللون سياسيون أن المخطط الذي يتم تعبيده لدولة الجنوب يشمل إعادة قيادات جنوبية من المنفى لتكون عونا لإنجاح المخطط ضد الشمال وتعبيد طريق الانفصال عندها سيكون كل من عادوا من المنفى يكون ولائهم لمن دعم عودتهم وليس للرئيس البيض أو للرئيس علي ناصر محمد الذين يحظون بشعبية كبيرة في الشارع الجنوبي، ولدى المثقفين من الجنوبيين. في الأثناء تبدو الأوضاع في الشمال ضبابية لدى الشارع نتيجة للأحداث الراهنة، يتمثل ذلك في انتشار المسلحين وسط العاصمة اليمنية صنعاء بالتزامن مع بسط المتمردين الحوثيين على محافظات عدة تحيط بالعاصمة، يهدف منها لحصار صنعاء من كافة الجهات إلى حين ساعة الصفر المقرر فيها إعلان سقوط الجمهورية اليمنية. استعراض عضلات يدرك أيضا الإخوان المسلمون في اليمن خطورة الوضع الراهن في البلاد، لا سيما بعد الانقلاب الذي قادوه على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، في لحظة غفلة وكبرياء لم يحسبوا لها الحسابات الصحيحة، نتيجة هوسهم لكرسي السلطة، متجاهلين التحذيرات التي حذرهم صالح أثناء الاحتجاجات الشعبية ضده التي انتهت بتسوية سياسية بمثابة القضاء على ثورة الشباب الحالم لغد أفضل. وحاول الإخوان المسلمين في اليمن استعراض عضلاتهم أمام المليشيات الحوثية "الشيعية" ودفعوا السلفيين لمقاتلة "الحوثيين" بحجة أنهم خارجين عن دين الله، ومقاتلتهم واجبة؛ إلا أنهم تركوهم أثناء اشتداد المعركة وحيدين يواجهون الأسلحة المتطورة والقتال الشرس من قبل جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا؛ انتهى بوساطة الدولة يقضي يتهجير السلفيين من منطقة دماج حيث الصراع الشرس هناك بين "السلفيين" والشيعة" إلى محافظة أخرى في اليمن، اعتبره الكثير من المحللين أن ذلك كانت خطوة رسمية في إطلاق شرارة إعلان السماح للمليشيات الحوثية بالتوسع في مد نفوذها نحو العاصمة اليمنية. ما هي إلا شهور منذ ترحيل السلفيين حتى جاء الدور على الإخوان في اليمن، وكبيرهم الشيخ صادق الأحمر وأخيه حميد الذين يحظيان بسخط غالبية الشعب اليمني نتيجة أسلوب تعاملهم و"غطرستهم" في تعاملهم اليومية، وساهم إعلام الرئيس اليمني السابق وأنصاره في احتدام الصراع بين الشيعة الحوثيين، "والإخوان" المحسوبين على السنة في اليمن، وانتهى ذلك الصراع بطرد آل الأحمر وقيادات الإخوان من مناطقهم وقبيلتهم في عمران وقبلها في الخمري أحد أهم معاقل بيت الأحمر، إلى العاصمة اليمنية صنعاء، ما يمثل ذلك انتصارا سياسيا ل"صالح". صحوة متأخر ربما دعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في ليلة عيد الفطر المبارك الأطراف المتصارعة إلى التصالح لم تكن من تلقاء نفسه، وإنما لضغوط هائلة تعرض لها خلال أيام شهر رمضان لكي يقود مبادرة الصلح بين الأطراف المتخاصمة في اليمن، وهو ما تمخض ذلك عن لقاء "جامع الصالح" في أول أيام عيد الفطر المبارك عندما اصطف المتخاصمين في الصف الأول لأداء صلاة العيد. كان المشهد غير مألوفا عندما حرص الرئيس عبده ربه منصور هادي بالإفساح لسلفه للصلاة معه في "سجادة" مشتركة أمام كاميرات التلفزة المحلية والعالمية، وبجوارهما وزراء الحكومة الحالية والسابقة، وقائد الفرقة الأولى مدرع المنشق عن صالح إبان احتجاجات 2011، الذي يصفه صالح بالرجل "الخائن". لم يعد الحديث عن الموقف الذي تعامل صالح به لما كان يعتبره شقيقه "علي محسن الأحمر"، ورفضه أن يصافحه لها ذات جدوى بقدر ما يهم الحديث عن الصحوة الأخيرة لقيادة الأحزاب المتخاصمة في اليمن، التي ترى أنها لم تستطيع مجاراة الحوثي لوحدها، وتريد الاستعانة بدهاء الرئيس السابق المعروف عنه، لكنه يعرف جيدا الوضع الخطير في الوقت الراهن وسيعمل على المراوغة كما هو معروفة عنه، وسيسقط كل من أسقطوه عن الحكم بدهاء، غير أن ذلك قد يكلف اليمن ثمنا باهظا، بحسب ما يراه الكثير من المحللين السياسيين المتخصصين بالشأن اليمني. دهاء صالح سيتظاهر الرئيس اليمني السابق علي عبد الله أنه مع دعوة هادي للمصالحة الوطنية، لكنه لن ينسى الاتهامات التي أكالتها له الأحزاب السياسية، والحرب الشرسة التي تعامل معه الرئيس الحالي، وقلص من صلاحياته لعل أبرزها حصار جامع الصالح وإغلاق قناة اليمن اليوم الفضائية.. وقبلها التصريحات التي كان يتهمه بأنه من يعرقل التسوية في اليمن، وكذلك القرار الأممي بإدراج اليمن تحت البند السابع ترهيبا له على اعتبار أنه خلف الأحداث في البلاد. أسباب المصالحة يرى عدد من المحللين السياسيين أن صيحات وتحذيرات الرئيس اليمني السابق إبان الاحتجاجات الشعبية ضده، من أن القاعدة والانفصال والتوسع الشيعي في البلاد ستكون هي السائدة في البلاد في حال تنحيه عن الحكم، بدأت تتجلى رؤاها للأحزاب وللشعب الذي كان ضده ويرى أن تلك تبريرات يهدف من خلالها للحفاظ على منصبه. لن تستطيع الأحزاب أو الدولة لا سيما بعد أن أخطأت بهيكلة القوى الضاربة للجيش اليمني "الذي كان خامس أقوى جيش في المنطقة" من مجاراة القوة التي يتمتع بها المليشيات الحوثية، والحرب مع القاعدة في حضرموت، والتحركات الجدية الساعية لانفصال الجنوب، فسعت لأن تتصالح مع صالح لسببين. يرى جزء من المحللين أن السبب الأول هو الاستعانة بدهاء صالح والحد من تحركاته التي يرى البعض أنها سبب في إغراق اليمن بوحل من المشاكل مع الحوثيين، والقاعدة والانفصال، بينما يرى الطرف الآخر أن السبب في ذلك هو زجه في صراع مع الحوثيين حتى ينال ما نالته قبليته من إهانة على أيدي المتمردين الحوثيين. هناك من المراقبين للشأن اليمني يرى أن المملكة العربية السعودية لعبت دورا محوريا في الضغط على الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي لإعلان تلك المبادرة بعد أن أدركت أن الخطر من الجنوب بدأ يداهمها نتيجة للتمدد الشيعي في المنطقة بدعم سخي إيراني، معتبرة أن المصالحة ستعمل على توقيف الحوثيين من التمدد في القوة، ليحل محله الصندوق الانتخابي بعد إتمام المصالحة الوطنية في اليمن، لتعرف مدى الشعبية التي يحظى بها الحوثيين في اليمن من جهة، ومن جهة أخرى تعتبر أن وصول الحوثيين إلى السلطة عن طريق الانتخابات خير من وصولها بالقوة لتأمن من شرهم. مصالحة عامة لكن مراقبون يدعون إلى مصالحة عامة يمنية بين القيادات الوطنية في الداخل أو الخارج "شمالية جنوبية" للحفاظ على اليمن واليمنيين، تنطلق من العاصمتين اليمنيتين صنعاء وعدن وبرعاية خليجية للإشراف المباشر على المصالحة الوطنية وتكون بعيدة عن تهديد البند السابع الذي كاد أن يقود اليمن واليمنيين إلى فوضى وحروب ودمار وأزمات سياسيه واقتصادية وأمنية. مصالحة واحتقان قدر اليمنيين لم يعد في أيديهم اليوم، ولم يعد بإمكانهم الخروج لإقامة ثورة تصحيحية جديدة لاسيما بعد الإخفاقات المتتالية لأول حكومة بعد الإطاحة بنظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وفشل الرئيس الحالي في التصدي للتمدد الشيعي، بل ساعدهم على ذلك في نظر الكثير من المحللين السياسيين، والحد من تنظيم القاعدة المنتشر في جنوب البلاد، بل القدر يحركه الآن المجموعات المسلحة. ويرى العديد من المحللين السياسيين أن المصالحة سيتم الإعلان عنها، دون العمل بها نتيجة للاحتقان السياسي الشديد بين الجماعات والأحزاب في اليمن، وعدم قبول بعضهم بعضا، لتكون حبرا على ورق، معللين ذلك رفض مجموعة من الشباب عن فكرة التصالح مع الرئيس اليمني السابق، مشيرين إلى أن ذلك قد يكون السبب في المزيد من الانقسام داخل الأسرة اليمنية، وهو ما يعني السماح لجماعة الحوثي بمد نفوذها في الشمال، وإقصاء الإخوان بشكل كبير من المناطق التي يتحكمون بها على غرار محافظة عمران وحاليا الحوف. ولم يستبعد المحللين بأن تلك الأوضاع ستتيح لجماعات الحوثي الطريق لمد نفوذهم نحو المرتفعات الجنوبية ووسط اليمن، تمهيدا لإعلان عودة حكمهم الذي سقط في عام 1962.