في حياة الشعوب رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ظلوا أوفياء لأوطانهم لا يبخلون البذل في سبيله والعطاء ، إلى أخر رمق من حياتهم، يضحّون بالغالي والنفيس حتى بأرواحهم الطاهرة، من أجل رفعة هذا البلد، من هؤلاء الشهيد الفريق حسن كامل محمد، الذي أدى دوره بكفاءة حتى أستشهد وهو يذود عن حياض هذا الوطن، رافعاً راية العزة والكفاح جاعلاً نصب عينيه الشعار: "نموت ..نموت وتحيا مصر" وقد عانيت كثيراً عندماً هممت بالكتابة وصادفتنى عقبات كثيراً وأنا أجمع المعلومات عنه، وساقتنى قدماي إلى ديوان عام محافظة البحر الأحمر، الذى استشهد على أرضها، فلم أجد له صورة فى لوحة الموجودة بمكتب المحافظ، وعندما هممت بالانصراف بعدما تحقق اليأس منى، استوقفنى موظف بسيط يعمل بمركز المعلومات، وأعطانى رقم هاتف ابنته شادية وكيل أول وزارة البترول السابقة، التى كانت لطيفة وكريمة معى إلى أقصى حد فبعثت لى صوراً نادرة عنه لم تنشر من قبل، وأمدتنى بمعلومات غزيرة عنه، ودونت هذه الذكريات فى حوار أجريته معها سأنشره لاحقاً، وكذلك وجدت ترجمة موجزة له فى الكتاب الموسوعى (موسوعة قادة الشرطة في السياسة المصرية 1952-2002م) للباحث الموسوعى والمؤرخ الجليل أستاذنا الدكتور محمد الجوادى. ولد في إحدى قرى مركز ههيا بمديرية الشرقية سنة 1908م، وتعلم في مدارسها الابتدائية، وكان مغرماً بالقراءة في سير الأبطال عبر العصور، في مكتبة والده العامرة بصنوف الكتب فازدادت قريحته علماً، ووعى سلوك الأبطال من الشرق والغرب حيث كان النضال على أشده ضد الإنجليز بقيادة الزعيم مصطفى كامل، الذي كان قدوة المصريين جميعا في شتى مذاهبهم وألوانهم السياسية، فتمنى أن يكون مثلهم يوماً، يشارك مثلهم أدوارهم في النهوض ببلادهم، فأتيحت له الفرصة، فبعد أن أنهى المرحلة الثانوية التحق بمدرسة البوليس، وتخرج منها عام 1933م. بعد التخرج من مدرسة البوليس خدم في أماكن كثيرة في ربوع مصر، يتنقل بين النقط والمراكز والمديريات، وكان له دورا بارزاً في حماية حي مصر الجديدة من حريق القاهرة في 26 يناير 1952م حيث كان يعمل مأمورا لقسم مصر الجديدة في هذه الفترة، وقد لعب البوليس المصري دورا نضاليا في هذه الفترة ضد الإنجليز، ظهر هذا جلياً في منطقة القنال وبالتحديد في الإسماعيلية، وظل جنود بلوك النظام يدافعون ببسالة وجلد عن مبنى المحافظة بطريقة أدهشت العالم أجمع يومها. تدرج اللواء حسن كامل في وظائف البوليس حتى أصبح مديراً لأمن المنيا، فالمنوفية، فمديرا لمصلحة السجون، فمديرا لأمن القاهرة خلفا للواء يوسف حافظ (الذي اختير محافظا للمنوفية في يناير 1965م)، وفى أثناء توليه مدير أمن القاهرة توفى الملك فاروق عام 1965م وتم نقله إلى مصر في سرية تامة ودفنه في مسجد الرفاعى بالقلعة فى هدوء ودون أية مراسم كان خلالها اللواء حسن كامل يسهر الليل ويعمل بالنهار من أجل تأمين الموقف وقد رضت القيادة السياسة عنه في ذلك الوقت فتقرر مدّ خدمته على سن الستين، ثم اختير مديراً لإدارة الدفاع المدني ومُنح درجة وكيل وزارة الداخلية. وفى مايو 1968م كان اللواء حسن كامل محمد واحداً من الذين وقع عليهم الاختيار كمحافظين، وقد عين محافظا للبحر الأحمر في وقت حرج، كانت البلاد تعانى من احتلال صهيوني للأراضي العربية، فعمل ليل نهار لا يكل جهداً في ذرع المحافظة من شمالها لجنوبها ، يلتقي بأهلها ويعقد معهم اللقاءات، يتعرف إلى مشاكلهم، ولا يألوا جهداً في تذليل العقبات وكذلك يعاون القوات المسلحة والدفاع الشعبي في حماية محافظة البحر الأحمر من التعرض لأية هجمات ، وكان باستمرار يستطلع هذه القوات من الشمال وحتى الجنوب. قصة استشهاده: وقصة استشهاده قصة عجيبة، فقد ذهب إلى القاهرة قبل وفاته بيومين للاجتماع بوزير الحكم المحلى لمناقشة مشاكل الصيادين، وتأجل اللقاء يومين فلم يذهب حتى للقاء أهله وعاد إلى الغردقة برغم الهجمات الإسرائيلية التى كانت تغير على ساحل البحر الأحمر، عاد ليتابع أجندته، فكان شعلة نشاط تراه اليوم فى الجنوب، وغداً فى الشمال يتابع بأدنى الإمكانيات سير العمل، وفى التاسع من سبتمبر 1969م، حدث إبرار بقوات إسرائيلية محدودة في الزعفرانة، وأغارت على كتيبة الدفاع الجوى بالمنطقة، وقتلت أفرادها وسرقت الرادار الموجود بالكتيبة، وكانت إسرائيل تريد من وراء هذه العملية الحمقاء لفت أنظار العالم، بعد أن منيت بخسائر فادحة في حرب الاستنزاف، التي كانت تدور رحاها في جبهة قناة السويس، لقد شكلت حرب الاستنزاف ذعراً هائلاً لإسرائيل بعد أن كانت تقوم بعمليات خاطفة تحسم بها كل حروبها، وأرادت أن تخفف الضغط عليها بفتح جبهات أخرى في منطقة هشة الدفاعات كمنطقة البحر الأحمر، لأن المجهود الرئيسي للقوات المسلحة في جبهة قناة السويس، ومن سوء الطالع كان يمر في هذه المنطقة اللواء حسن كامل في طريقه إلى القاهرة. وقد بذل الدكتور محمد الجوادى صاحب (موسوعة قادة الشرطة في السياسة المصرية 1952-2002م) جهداً كبيراً، حيث كانت الإشارات الصحفية إلى وفاته غامضة إلى أن عرف من اللواء محمد أحمد المنياوي أنه قد استشهد وهو في الطريق من البحر الأحمر إلى القاهرة، في السيارة الحكومية التي ترفع علم الجمهورية (سيارة المحافظ)، وبسبب رفع المحافظ للعلم فقد تعرفت عليه القوات الإسرائيلية وحاول المحافظ والسائق الاختباء وراء شجرة أو صخرة ولكن قوات العدو لاحقته وقتلته .. وشيعت جنازة اللواء حسن كامل محمد في القاهرة بحضور وزيري الداخلية والإدارة المحلية، ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه بههيا بالشرقية.. ويعتبر من المحافظين القلائل الذين توفوا وهم يشغلون مناصبهم، مثل: عبدالعزيز على، وعمر سعفان، ومحي الدين أبو العز، ومحمد فوزي معاذ، وقدري عثمان، ومحمد سميح السعيد.. ولم تنس الدولة حسن كامل فقد كرمّه الرئيس جمال عبد الناصر واعتباره من الشهداء العظماء وتم ترقيته إلى رتبة الفريق، وإطلاق اسمه على مدرستين بالغردقة، الأولى: مدرسة الشهيد حسن كامل الإعدادية، والثانية: مدرسة الشهيد حسن كامل الثانوية، وقرر محافظ الشرقية الدكتور فؤاد محي الدين إطلاق اسمه على شارع في ههيا، كما قرّر وزير الإدارة المحلية محمد حمدي عاشور إطلاق اسمه على ميدان سفير بمصر الجديدة ، وقررت وزارة الداخلية إطلاق اسمه على معهد تدريب الشرطة ..